تختلف الأزمة الاقتصادية عندنا عنها في العالم ولذلك لا يصح القول إنّ الأزمة السورية عموماً جزء من الأزمة العالـمية.
ليـست الأزمـة السورية ناشئة عن خسارة البلاد مناجمها ومعادنها، ولا عن فقدانها معاملها ومصانعها، ولا عن حصول البطالة لعمالها، بل لأسباب غير هذه الأسباب التي لها علاقة كبيرة بالأزمة العامة. أسباب الأزمة الاقتصادية السورية كائنة في عدم وجود حياة اقتصادية للبلاد مستقلة عن الـحياة السياسية، وفي إخضاع الـحياة الاقتصادية للحياة السياسية. ولولا هذه الـحقيقة لـما كان هنالك مبرر لوجود أزمة اقتصادية في هذا القطر.
تـجاه هذه الـحالة التي تكاد تـجعل البحث في قضية اقتصادية صرفة أمراً مستحيلاً لعدم وجود ما يسمّونه سياسة اقتصادية دولية، نرى أن لا نتناول القضية الاقتصادية من أساسها، بل أن نفرغ لدرس الـحالة الاقتصادية التي عليها البلاد في الوقت الـحاضر واستعراض بعض العوامل الـمهمة فيها.
كان الفصل السياسي بيـن سورية الشمالية وسورية الـجنوبية أولى النكبات الاقتصادية التي حلّت بالشعب السوري هنا في لبنان والشام وفي فلسطيـن وشرق الأردن. فقد نشأ عن هذا الفصل وجود حالة اقتصادية غير طبيعية، هي أشبه شيء، بالـحالة الاقتصادية غير الطبيعية التي انتهت إليها الدول الأوروبية بعد أن غيّرت جغرافيتها معاهدة الصلح. فإن قطع التعامل الـحر بيـن الشمال والـجنوب في هذه البلاد أدى إلى عواقب اقتصادية وخيمة. ومع أنّ هذه العواقب هي أهم ما كان يجب أن يُنظر فيه من الوجهة الشعبية القومية، فإن الذين عالـجوا القضايا القومية في محيطنا لم يهتموا إلا للوجهة السياسية من الـموضوع، وبذلك ضحوا القوام الـمادي على مذبح النظريات السياسية والتخيلات الوهمية.
وكان تـحميل هذه البلاد قسماً غير قليل من الديون التركية، لغير سبب حقيقي، النكبة الثانية. فإن ما يقوم الشعب السوري بتسديده من ديون لم يكن له فيها ناقة ولا جمل، يستهلك من ثروته مبلغاً لا يستهان به. ونحن نترك معالـجة هاتيـن الناحيتيـن لـما لهما من الـمساس بالشؤون السياسية، ونكتفي بالإشارة إلى تأثيرهما السيّىء على شؤون الشعب الاقتصادية.
كان من نتائج النكبة الأولى أنّ انقطاع التعامل الـمباشر بيـن هذا القسم الشمالي والقسم الـجنوبي من البلاد أنزل الفائدة الاقتصادية في هذين القسميـن إلى خمسيـن من مائة مـما كان يجب أن تكون، وزاد في الطيـن بلّة أنّ الأساليب الاقتصادية الـمتبعة، في كل من هذين القسميـن، لا تـجتمع في مصلحة واحدة، لذلك لم يكن من الـمنتظر أن تـحول دون حصول النتائج الطبيعية للأساليب الـمتضاربة التي هي من نوعها. ومتى عرف القارىء أنّ عدد الـمجلة الـمرسل إلى بلاد بعيدة كالبرازيل يكلّف نفقة بريدية لا تتجاوز نصف نفقة إرسال عدد إلى فلسطيـن أدرك شيئاً من كيفية الصعوبة في التعامل بيـن هاتيـن الـمنطقتيـن من البلاد. ولو أردنا أن نتناول الـحواجز الـجمركية القائمة بيننا وبيـن إخواننا في فلسطين وشرق الأردن لطال بنا الأمر. والذين يهمّهم الأمر يـمكنهم معرفة الـحقيقة بواسطة غرف التجارة.
لو وقفت البلية عند حد قطع التعامل الـمباشر لهانت، على فداحتها، ولكنها لم تقف. فإن الأساليب الاقتصادية الـمتبعة في منطقتي الانتدابيـن الفرنسي والبريطاني أوجدت تضارباً انتهى إلى مزاحمة قوية ومشادة لم تكونا في مصلحة البلاد في شيء، بل حصل من ورائهما نوع من الـحرب الـجمركية التي أنتجت عرقلة تـجارية لا يستهان بها. وصحيح أنّ الـمفوضيتيـن الفرنسية والبريطانية أبرمتا اتفاقات جمركية وغيرها، ولكن ذلك كان ناقصاً جداً ولم تترتب عليه نتائج محسوسة، ولا يـمكن أن تأتي الاتفاقات الـمحدودة بنتائج مجدية في مثل هذه الـحالة لأن مسألة الـحياة الاقتصادية بيـن هذين القسميـن من البلاد مسألة تـحتاج إلى درس خصوصي وافٍ يتناول جميع قضاياها من الأساس. وهذا يكاد يكون غير مـمكن لـما له من الـمساس بالشؤون السياسية التي تتّبعها كل من فرنسة وبريطانية.
إذا ضربنا صفحاً عن هذه النقطة الـحيوية الضرورية وأقبلنا على درس شؤوننا الاقتصادية في منطقتنا، وجدنا أنّ اتِّباع خطط اقتصادية منفردة في لبنان والشام وما ترتب عليه من ذيول، أوجد نوعاً خطراً من أنواع تضارب الـمصالح بيـن الساحل والداخلية. فلقد أنَّت دمشق طويلاً قبل إنزال الستار على تعرفة الدخولية وسواها. ومن جهة أخرى نرى أنّ تسديد الديون العثمانية قبل تثبيت توازن موازنات الـحكومات أفقد هذه مورداً من أهم مواردها وجعلها تبحث عن وسائل أخرى لسدّ عجز موازناتها. ومن ثم ابتدأت سلسلة الضرائب والرسوم تطول وتتضخم حتى وقفت تـجاهها الـحركة التجارية والـحياة الاقتصادية مشلولتيـن، وأصبحت شؤوننا الاقتصادية في انحطاط مستمر لا ندري كيف يجدون علاجه.
سنـــة |
واردات |
1927 |
222،692،244 |
1928 |
194،489،086 |
1929 |
199،726،995 |
1930 |
178،083،980 |
1931 |
181،870،320 |
1932 |
152،570،300 |