وجّه زعيم النهضة القومية النداء التالي:
أيها السوريون المهاجرون،
إنّ نهضة الحزب السوري القومي، التي تمثّل يقظة أمتنا وهبوبها من مثاوي الخمول وارتقاءها إلى مستوى الأمم الحية، التي لا تقنع من الحياة إلا بالحياة المثلى، تتقدم الآن إلى ميدان العمل العلني الواسع، متغلبة على الصعوبات التي وضعتها الرجعة وأنصارها في طريقها، منتصرة على الاضطهادات التي وجهتها إليها المؤسسات التقليدية العتيقة والطبقة النفعية ذات المصلحة في الحكم، مستخرجة القوة السورية الجديدة من مكامنها، التي حجزت عليها فيه التقاليد الجائرة، لتظهر فاعليتها ومزاياها وجمالها، شاقة لها طريق النشاط والفلاح.
إنكم، أيها السوريون المغتربون، سمعتم كثيراً عن أعمال سياسية «وطنية» في الوطن، وكنت قد سمعت أنا نفسي كثيراً عنها حين كنت مغترباً معكم. ويؤسفني أن أعلن لكم أنّ جميع «الأعمال» السياسية، التي كانت آخذة مجراها قبل نشوء الحزب السوري القومي، كانت أعمال شركات سياسية تعمل لحسابها الخاص ولنفوذها الخاص عملاً خاصاً، بعيداً عن إنشاء المؤسسات الضرورية لحياة الأمة وعملها القومي، مجرّداً من النظر في المصالح الأساسية الباعثة لوحدة الأمة ووحدة اتجاهها، خالياً من الفكرة القومية الصحيحة ومن فكرة الإصلاح القومي. إنّ عمل الهيئات السياسية في الوطن، قبل نشوء الحزب السوري القومي، كان عمل شركات محدودة، بعضها عمل فيها أشخاص رموا إلى المجد الشخصي، وبعضها عمل فيها أفراد نفعيون مستغلون، وأكثر العاملين، على الإطلاق، هم من بقايا الطبقة الإقطاعية القديمة المقتدرة في أساليب السياسة المحلية الضيقة العاجزة كل العجز في السياسة القومية والسياسة الكبرى، لذلك كانت أكثر أعمالهم إما نفعية بحتة وإما مبنية على نظريات سطحية سريعة ومسائل فرعية، فكانت نتائجها خسائر كبيرة مادية ومعنوية يحاولون سترها بستائر براقة من تعابير وأسماء في الاستقلال والحكم الوطني.
كانت الهوة بين الشعب وقضيته القومية سحيقة. وكان مصير قضيته من الوجهة العملية، معلقاً على الصدف والاتجاهات الشخصية المطلقة. حتى نشوء الحزب السوري القومي، لم يكن في المجتمع السوري أي أساس للعقيدة القومية وعلاقتها بمصالح الأمة الأساسية، ولا نظريات قومية إصلاحية تشرك عناصر الأمة المتعددة في مجهود البعث القومي وإحياء الأمة. فلما ظهر الحزب السوري القومي حاملاً إلى الأمة مبادىء وحدتها وشخصيتها وقواعد تنظيمها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وضح للشعب الكثير من الحقائق التي كان يجهلها، وحدث تنبه عام من أقاصي البلاد إلى أقاصيها، فاتضحت صغارة الأعمال التي كان يدعى الشعب إلى القيام بها نزولاً عند رغبة متزعم إقطاعي أو فئة من المتزعمين. فانكشفت مساوىء الرجعة والأعمال اللاقومية ووضعت قواعد النهضة القومية الصحيحة فظهرت على أساسها طبيعة المصالح الداخلية وحقيقة المصالح الخارجية. فشعرت المصالح الأجنبية بخطورة النهضة، وأدركت الرجعية الخطر الموجه عليها. فتضافرت العوامل الداخلية والخارجية على محاربة الحزب السوري القومي. فكانت الاعتقالات والاضطهادات تترى، وتحرك رجال الدين والمؤسسات الدينية لتسميم أفكار الشعب باختلاق التهم الباطلة وتأويل المبادىء والغايات القومية، وشجعت في لبنان الأحزاب الدينية بقصد منع فكرة الوحدة القومية [وقام «الوطنيون» في الشام ينادون بالحزب الواحد، حزب «الكتلة الوطنية»، التي لم تخلُ من وطنية ولكنها لم تكن وليست حزباً وضع مبادىء قومية اجتماعية واقتصادية أو قام على مثل هذه المبادىء، بل أفراداً ذوي نفوذٍ اجتمعوا على بعض المطاليب الوطنية أو السياسية، التي لا تتناول نهضة ولا تقيم دولة، وكان من نتائجها حصول المعاهدة وفقد لواء الإسكندرونة وتعريض لواء الجزيرة العليا، بسبب فقد العوامل والروابط القومية الصحيحة.](2)
(1) نشر في نشرة عمدة الإذاعة، بيروت، المجلد 3، العدد 7، 30/9/1947 مع حذف الفقرة المشار إليها في الهامش رقم 2.
(2) حذفت هذه الفقرة عند نشره في نشرة عمدة الإذاعة.