يصدر قريباً جداً كتاب الزعيم نشوء الأمم وهو الكتاب الذي ألّفه أثناء سجنه الأول بعد محاكمته التاريخية. وقد رأينا بهذه المناسبة أن نذكر شيئاً عن هذا الكتاب.
لا مشاحـة في أنّ رسالـة الزعيـم القومية لاقت صعوبات جمة من عدة أنواع. وأهم صعوبة كانت في الجهل التام للمسائل القومية عامة الـمتفشي في الشعب. فما كاد يشيع أنّ رسالة الزعيم تحمل فكرة القومية السورية، وأنّ غايته العمل لمجد سورية ورفاهية شعبها، حتى قامت ضجة عظيمة حول الأمة ومعناها ومعنى القومية. فأخذ الـجهلة الـمدّعون يقاومون فكرة القومية الصحيحة مؤوّلين الـحقائق وفاقاً للنعرات الخاصة التي ربوا عليها ووفاقاً لأغراض خاصة في نفوسهم. فخبطوا في هذا البحث خبط عشواء وخلطوا بين المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحربية خلطاً زاد بلبلة العقائد والأفكار زيادة عظيمة.
بناءً على هذه الحالة رأى الزعيم بثاقب بصره أنّ الحاجة إلى أساس علمي لهذا الـموضوع الاجتماعي الخطير ماسّة، وأنه لا بد من وضع كتاب في علم الاجتماع يوضح الواقع الاجتماعي والقضايا الاجتماعية، ويرينا كيف نشأت الأمم من تطور الاجتماع الإنساني فيكون الحد الفاصل بين الخلط والهذر وبين الكلام الجدي المبني على المعرفة.
وقد شعـر الزعيـم أنه مـدعوّ للقيام بهذا العمل بنفسه لندورة علمـاء اجتماع سوريين غيره، ولفقر اللغة العربية العامة في المؤلفات الاجتماعية التي يمكن الاعتماد عليها وتفي بالحاجة لفهم الأمم والقوميات، فاغتنم فرصة وجوده في السجن وأكب على تأليف هذا الكتاب النفيس الذي نثق بأنه سيحدث ثورة فكرية عامة في سورية والأقطار العربية.
وإنّ ما نعهده في الزعيم من غزارة علمه في الشؤون الاجتماعية والتاريخية، ومن تعمقه في درس العلوم الاجتماعية الاختصاصية ومن سعة إطلاعه في اللغات الحية وآدابها، مع نبوغه ومقدرته، تجعلنا نرتقب الفتح العظيم الذي سيكون لكتابه.
من هذه اللمحة يدرك القارىء أنّ نشوء الأمم ليس كتاب الزعيم الذي يضمِّنه أفكاره وآراءه الاجتماعية - السياسية فيما يختص بإنشائه الحزب السوري القومي ودعوته القومية وخططه السياسية، فهذا قد أجّله الزعيم لفرصة أخرى، بل هو كتاب الزعيم العلمي الذي يشرح فيه نشأة النوع الإنساني والاجتماع البشري وتطوراته، حتى عصر الأمم الحاضر فيرى القارىء أسرار الاجتماع الإنساني منكشفة لعينيه، ويدرك حقيقة المسائل الاجتماعية وماهية الأمة وكيفية نشوء هذه الشخصية الاجتماعية.
من مطالعة نشوء الأمم يصبح القارىء قادراً على التمييز بين الصحيح والفاسد في النظريات والعقائد التي تدعوه إلى اعتناقها وعلى تقدير رسالة الزعيم القومية المبنية على فهمه العميق لكيان الأمة السورية وعناصر حياتها.
في كتاب نشوء الأمم يضع الزعيم أساس علم الاجتماع الحديث، كما وضع في مبادئه القومية أساس بناء الأمة السورية القومي.
تتقـدم النهضـة بهذه البشرى العظيمـة إلى جميع الـمفكرين الـمخلصين في سورية والأقطار العربية، وتهنىء السوريين القوميين خصوصاً بهذا الأساس المكين للفكر القومي.