موجود في بوينُس آيرس، يعيش بيننا لبعض الوقت، زعيم حزب من الأحزاب السورية، الذي وبوقت قصير جداً لاقى صدى بين عامة الشعب نسبة للمبادىء القومية المتّبعة بين أعضاء الحزب، والذي توصّل إلى جمع المشاعر لدى أجيال سوريّة ولبنانية وفلسطينية وأردنية، نعني به السيد أنطون سعاده. سياسي شاب ذو ميّزات عدة، صاحب معرفة ذات نشأة خاصة، عالِم في التاريخ والحضارات.
في سفرته الأخيرة إلى توكومان، ألقى عدة محاضرات حثّ فيها الشّعب هناك للردّ بإيجابية بواسطة الصحافة الأرجنتينية المحلية.
لهذه المناسبة قررنا مقابلته كي يُعلِمنا عن شخصيته وعن مبادىء وعمل الحزب السوري القومي الذي أسس ويتزعم في الوقت الحاضر.
مع أنطون سعاده
في منزل تحيطه الأشجار، في حي يدعى بلغرانو Belgrano، إستقبلنا بكل ترحاب، حيث كان يقيم مع الناموس السيد خالد أديب.
ولد أنطون سعاده عام 1904، أنهى دراساته في سورية ومن ثم سافر إلى الولايات المتحدة والبرازيل.
أقام لبضع سنوات في البرازيل مساعداً والده الدكتور خليل سعاده في الصحافة، كاتباً عن الأوضاع في سورية وشارحاً رأيه عن السياسة الإنترناسيونية، فهو يعرف منذ زمن، ليس فقط الأمم الأوروبية، بل الحضارات الأميركية الجديدة.
وحيـن تسنّت له الفرصة تـابع دراسـات وأبحـاثاً في علم الاجتماع وخاصة الأوضاع الاجتماعية في سورية والشرق الادنى.
هذه الأبحـاث والدراسات كانت نقطة الارتكاز في مشروع جمعية الرابطة الوطنية السورية التي أنشأها حيث أحيط بجمع كبير من الشباب.
تأسيس الحزب السوري القومي
عام 1930 وبعد أن اتخذ طريقاً واضحاً لحياته، عاد أنطون سعاده إلى سورية حاملاً فكرة واضحة وقراراً واضحاً للعمل والصراع الوطني القومي.
في السنتين الأولتين لوصوله تابع دراسة الوضع الداخلي للبلاد، في حين كان يدرّس في الجامعة الاميركية في بيروت، حيث كانت صفوفه تعجّ بالتلامذة، فلاقى نجاحاً بارزاً وقبولاً هاماً من قبل الشباب. في هذا الوقت بدأ العمل السياسي الجدي بالرغم من الصعوبات نظراً للظروف المعاكسة وغير المؤاتية.
فأسس الحزب السوري القومي في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 1932 وكان العمل سرياً إذ إنّ القوانين كانت تمنع المواطنين من حقوقهم المدنية في سورية ولبنان.
بعد ثلاث سنوات وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1935 كان الحزب قد انتشر كثيراً وكان من المستحيل إبقاء العمل سرياً. فأقدمت سلطات الانتداب على إلقاء القبض على زعيم الحزب المؤسس وعلى جميع أعضاء مجلس العمد حيث سجنوا مع مجموعة من أعضاء الحزب.
إحتدام الصراع
مع احتـدام الصـراع في هـذا العهـد والـذي كانـت تقابلـه تضحيــة دائمــة دون استراحـة، أخـذت هذه الحـركة تكبر وتـزداد، والزعيــم لا يقـاوم سلطـات الانتداب معتقـداً أنّ عليهـا أن تساعـد الشعــب السـوري كي يتوصل إلى التمتع بحريته واستقلالـه.
كانـت سلطـات الانتداب بالمقابـل ورغـم ذلـك لا تودّ الإعتـراف والرضـوخ لهـذه الحركـة ولمسؤوليهـا ووقـع الاصطـدام مـرات عـدة بين محازبي هذه الحركـة ورجـال الشرطـة.
وبالرغم من إدخال الزعيم مرتين إلى السجن فإنّ هذه الحركة لم تتوقف.
وازداد الحزب انتشاراً في كل سورية الواقعة تحت سيطرة الانتداب الفرنسي (سورية ولبنان) وسيطرة الانتداب الإنكليزي (فلسطين والأردن).
والـحزب في الوقت الـحاضر يمثّل الإرادة العامة المستقلة في سورية أو لنقُل بطريقة أخرى:
التحضير لمستقبل الدولة السورية المستقلة.
السفرة الحالية
السفرة الجديدة لأنطون سعاده بدأت في أواسط 1938 وكان غرضها زيارة الجالية السورية في بلاد أميركة، وإطلاعها على الوضع في سورية، وعلى مبادىء الحركة القومية، وحاجة الوطن لاستقلاله.
إنّ في شخصية أنطون سعاده، كما في شخصية كل سياسي، دعوة موجَّهة نحو العمل الاجتماعي.
كتب سعاده مقالات عدّة في الصحف تناولت مبادىء وأُسس الحركة القومية، وكان لها تأثير كبير، وفائدة هامّة.
وخلال الأشهر التي قضاها في السجن كتب في علم الاجتماع، كتاباً حول نشوء وتطور الأمم عبر التاريخ.
أنطون سعاده يتكلم بهدوء، يركّز أولاً، يقيس كلماته ثم يطرح مفاهيمه بجمل واضحة ذات معنى.
الوضع في سوريـة يقول لنا: إنه الأخطـر في تاريخ هذا الشعب. هذا الوضع تأزم بسبب الحرب الحاصلة حالياً في أوروبة بين الدول الكبرى ولكن جرّاء هذا يجب أن نحصل على فرصة نهائية، فإنّ سورية لها الحق كأمة أن يكون لها مكان في العالم تحت الشمس.
مبادىء الحزب السوري القومي
كل الأحزاب السياسية، يقول أنطون سعاده، ما عدا الحزب السوري القومي، بعد أن وصل الوطن إلى هذه الـحالة، غسلت يديها من كل هذه المشاكل وتركت الشعب يواجه مصيره.
فقط الحزب السوري القومي بقي يدافع بشجاعة وتصميم عن مبادىء القضية الوطنية الكبرى متوّجة بقضية الاستقلال.
إنّ الـحزب القـومي وانتشـاره السريع بين الشعب جعل معارضيه يتّهمونه
بالتعامل مع جهات أجنبية ولكني أصرّح اليوم كما في السابق، يقول ضيفنا بصوت عالٍ وحاد، أن لا أحد مثل السلطات المنتدبة وعمالها يعلم أنّ الحزب السوري القومي هو قضية وطنية فهو يحترم المبادىء الوطنية ويتحرك ويتوجّه على ضوء المبادىء الوطنية الصريحة. ولكن مع العلم باستقلالية الحزب وعدم تبعته للخارج وبأصالته القومية السورية، إزدادت الملاحقات وتمّ التفتيش والتحقيق من قبل السلطات حسب معلومات كاذبة من المكتب العربي المصري.
وأعطي مثلاً:
يقال إنني اليوم موجود في برلين أجري دعاية للإذاعة الإلمانية، ولكني موجود معكم في بوينُس آيرس وأتكلم مع حضرتكم، فهذه هي الاخبار التي يتداولون بها في سورية مثلاً.
لم يمكننا إلاّ أن نضحك مثلما ضحك هو الآن لأننا بالواقع أمامه من لحم ودم، يرتدي بذلة بيضاء، كلسات بيضاء، وحذاء أبيض، أسمر حادق، تلمع عيناه تحت جبين حيث يلتقي خطّان من التجاعيد موازية للحاجبين.
بعد أن ذهبت عن وجهه الابتسامة عاد إلى الكلام قائلاً:
إنّ الحزب يعلن ويؤكد أنّ كل ما يطلبه من السلطات المنتدبة هو أن تعترف بحق سورية بالحياة وبالسيادة القومية وأن تحترم حق السوريين في تقرير مصيرهم.
هذا ما نريد من فرنسة وإنكلترة.
من واجبي أن أشرح للجالية السورية مبادىء حركتنا وهي مبادىء الحركة القومية
هذه المبادىء تكوّن أساس الحقوق العامة لكافة السوريين وهي تمثّل مصالح السوريين في ما يدعى حالياً سورية، لبنان، فلسطين والاردن.
هذه المبادىء هي الإرادة العامة للأمة السورية وهي مبنية على وحدة المصالح.
كما أنّ الـحزب يفصل تـماماً بين المؤسسات الدينية والمبادىء الحزبية، ويلغي دور كافة الحواجز المذهبية وغيرها التي تنافي فكرة وحدة الشعب السوري ومساواة جميع السوريين ببعضهم دون التفرقة بين فئات المجتمع.
صلابة في المواقف
لا يمكـن أن نتخـلى عن هـذه القضيـة مهمـا تكـن الظـروف وعلينـا أن نواجـه الصعوبـات التـي تعتـرض طريقنـا، ونعمـل من أجـل أمـة بَنَـت الحضارات ونريــد أن نعـود ونبنـي حضـارات أخـرى تعتمـد الأخـوّة بيـن الرجــال (الانســان).
أعمال تاريخنا الحاضر وهو تاريخ الحزب السوري القومي تكذّب كل أقوال الدعايات الأجنبية أو المعادية للقومية السورية التي تزداد كل يوم.
هذه هي مبادئنا والتي من أجلها بدأنا الصراع. أعتقد، يقول أنطون سعاده لينهي تصريحاته: هو واجب على الجاليات السورية الموجودة في كل أنحاء العالم وخاصة في أميركة أن تهتم في هذا الوقت بالذات بالوضع الخطير الذي تمّر فيه سورية والشعب السوري وأن تهتم لأن تعتنق المبادىء التي تعتمدها هذه الحركة القومية والتي تمثّل إرادة الأمة الحية القوية ذات الثقافة العالية