نشرنا في العدد 33 من هذه الجريدة، خبر موت السيد فؤاد خليل مفرج، سكرتير مكتـب فخـري البارودي للدعايـة والنشر والعامل في «جمعية الجامعة العربية» في الولايات المتحدة. ولـمّا كان هذا الشاب من الذين عملوا في شؤون الوطن السياسية وادّعوا العمل لقضية أسموها «العروبة» فقد رأينا أن نلخص فيما يلي ترجمة أعماله:
تخرّج السيد فؤاد خليل مفرج من الجامعة الأميركانية، القسم العلمي، سنة 1935. وكان قبل تخرّجه يتردد على إدارات بعض الصحف ويكتب فيها وهي البرق للشاعر بشارة الخوري والبيرق لأسعد عقل وهذه الأخيرة شبه إكليريكية وتعمل لتأييد مواقف البطريركية المارونية. وكانت كتاباته من الأدب التخبطي العادي.
أشيع أنه اشترك في ما سموه «مؤتمر قرنايل لعصبة العمل القومي» وهو الاجتماع الذي بحث فيه أفراد هذه «العصبة» أمر حرق تآليف الدكتور طه حسين، لأنه عدَّ العرب في جملة الغزاة الذين تألمت منهم مصر. وحرق كتب حسين أشبه شيء بكسر مزراب العين. فالذين قرروا هذا القرار لم يقصدوا غير الاشتهار بعمل من الأعمال التي تحدث ضجة. وفي سنة 1934 عرف مفرج بوجود الحركة السورية القومية في الجامعة الأميركانية فتآمر مع رصيفه السيد جبران شامية، وكان هذا أيضاً طالباً في الجامعة، للوقـوف على أسرار هذه الحركة. فانضم السيد جبران شامية إلى الحزب السوري القومي ووقف على تشكيلاته الأولية ونقل ما وقف عليه إلى صديقه مفرج، الذي أخذ يعمل على تأسيس حركة مثلها، فوضع شبه مبادىء «عروبية» حذا فيها حذو مبادىء الحزب السوري القومي وقَسَماً يشبه قَسَم الحزب. وأخذ يوهم بعض الشبان في بلدته برمانا أنه يمثل حركة قومية خفية لها قوة عظيمة وفروع في طول البلاد. فافتضح أمره في صيف سنة 1935 وتبيّن لبضعة الشباب الذين اغتروا بما زينه لهم فساد أمره. فوقع في حيـرة بين أن يلتجىء إلى الحزب السوري القومي الذي أخبره صديقه شامية بخبر اجتماعه العام الكبير الذي عقد في أول يونيو/حزيران 1935، وألقى فيه الزعيم أول خُطبه الحزبية السياسية، أو أن يلتجىء إلى «الكتلة الوطنية» التي رأى بالاختبار أن لا سبيل إلى الدخول في صفوفها العليا. وبعد محاولة خائبة أجراها ليحمل «الكتلة الوطنية» على الاعتقاد بمقدرته على تنظيم صفوفها، وسلاحه ما وقف عليه بواسطة صديقه شامية من تنظيم الحزب السوري القومي، عاد فعوّل على دخول هذا الحزب. وكان قد تخرّج في ربيـع هذه السنة وقررت الـجامعة الأميركانية استخدامه معلماً إذا لم يجد شغلاً خارجها. وقد وجد صعوبة كبيرة في دخول الحزب السوري القومي، لما كان يعرفه القوميون من محبته للظهور وإعجابه بنفسه، ولكنه أعلن إقلاعه عن سلوكه هذا المسلك واعترافه بصحة مبادىء الحزب السوري القومي وبمقدرة سعاده وزعامته وأنه لن يكون إلا أميناً لهذه المبادىء وللزعيم، فاستحصل الذين توسطوا لإدخاله على ترخيص بذلك فأقسم مفرج يمين القومية وعاهد على العمل بإخلاص لنجاح الحركة السورية القومية.
كان السيد مفرج قد اتصل، قبيل دخوله الحزب السوري القومي وبواسطة أحد القوميين من أصدقائه الناصحين له، بالسيد فخري البارودي الذي جاء بيروت يبحث عن شاب يستخدمه لتنظيم أعمال مشروع الفرنك الذي أنشأ له مكتباً عرف «بمكتب فخري البارودي للدعاية والنشر». والظاهر أنّ السيد مفرج لم يكن قد تخلى عن غروره إلا موقتاً وأنه كان يتحين الفرص للعودة إلى تخيلاته. كان يتخيل أن يصير زعيماً عظيماً وسياسياً خطيراً تطبق شهرته العالم. وهذا كان هدفه الأسمى. فحاول أن يجمع بين انتظامه في الحزب السوري القومي والعمل في مكتب البارودي. فاصطدم بالقرار الذي أصدره الزعيم بعدم مساعدة هذا المكتب الخاص الذي أنشأه فرد لغاية خاصة به. فوقف حائراً لا يدري ما يصنع. وكان أنّ السلطة اكتشفت أمر الحزب السوري القومي واعتقلت الزعيم وأعضاء مجلس عمُده فخاف السيد فؤاد مفرج من سلوك هذا السبيل الوعر ورأى الفرصة سانحة لإهمال قرار الزعيم ومتابعة العمل مع فخري البارودي فطرده الحزب من صفوفه. فأخذ ينظّم مكتب هذا الأخير بحسب ما تعلّمه من الحزب السوري القومي من شؤون التنظيم. فأشار على البارودي بإكساب مكتبه صفة عامة وتسميته «المكتب العربي للدعاية والنشر» ففعل البارودي. ثم أخذ يقسم هذا المكتب المحدود إلى غرف وهمية. ثم رأى أن يدخل على مكتب البارودي لفظة القومي الذي حببها إلى الناس الحزب السوري القومي فسمى المكتب «المكتب القومي العربي» ثم رأى أنّ هذا الشكل، ضعيف وليست له قوة الحزب السوري القومي، فنقل لفظة «القومي» من موضعها وجعل التسمية هكذا «المكتب العربي القومي للدعاية والنشر» وأخذ يستعمل أموال هذا المكتب للإذاعة وكان في إذاعاته يقلد إذاعات الحزب السوري القومي وعبارات الزعيم وبلاغاته، حتى أنه حاول أن يقلد مؤلَّف الزعيم نشوء الأمم فأعلن أنه يؤلف كتاباً باسم نشوء القوميات.
سعى السيد مفرج، بعد طرده من الحزب السوري القومي، لمناوأة هذا الحزب بكل قوّته وقوة فخري البارودي و«الكتلة الوطنية»، حتى صار «مكتب» فخري البارودي لا يعمل غير النشرات التي يقصد منها محاربة الحزب السوري القومي وعقيدته. والسيد مفرج هو الذي زوّر كـراساً بانتحالـه اسم «عـاصم الـموصلي» وحشـاه أكاذيب قصد بها تأويل مبادىء الحزب وخطته تأويلا سيئاً. وقد طبع مكتب البارودي ألوفاً كثيرة من هذا الكراس المزور بالمال المجموع باسم المشاريع العامة ووزعه في الوطن والمهجر. وبلغنا أنه كان دائباً على إنشاء كراريس أخرى لا غرض منها غير وقف امتداد الحركة السورية القومية.
قـدم السيد مفرج الولايات الـمتحدة في الظاهر للعمل مع البارودي لمعرض نيويورك وفي الباطن ليسبق زعيم الحزب السوري القومي إلى أميركة ويخدع المهاجرين. فاتصل «بالجامعة العربية» المنشأة لخدمة فلسطين وأخذ يستعملها «لعروبته» وعروبة البارودي. وصار يستعمل في خطبه تعابير سعاده عينها، موهماً الناس أنّ هذه التعابير من ابتكاراته. وآخر خطاب ألقاه في الاجتماع الذي عقدته «الجامعة العربية» في فلنـت مشيغن، فيه هذه العبـارة «يجب أن لا ننسى أن يكون جل اعتمادنا على أنفسنا. فسوف لا يتذكرنا في وقت الخطر سوانا وسوف لا تنفعنا إلا عُدَّتنا وصبرنا وثباتنا واتحادنا، فاستثمار كل قوى ومزايا الأمة شرط أساسي بهذ السبيل. وهنا نشير إلى أهمية تنظيم الصفوف وتكوين رأي عام قوي في البلاد تذوب عنده كل الاختلافات والفوارق أياً كان نوعها» وهي عبارة مأخوذة كل معانيها وجلَّ ألفاظها من خطب الزعيم ونداءاته وبلاغاته التي لم يكن لها أموال ولم تمكن الظروف من طبع عشرات الألوف منها وتوزيعها. وإنّ من يقرأ خطاب أول يونيو/حزيران 1935 وإيضاح الزعيم عن نشأة الحزب ودفاعه في المحكمة والبلاغ الأزرق يجد كل المصادر التي استند إليها فؤاد مفرج للظهور بمظهر صاحب رسالة.
إننا نـأسف لأمثال فؤاد مفرج الذين يكون كل عملهم في التدمير ولو أنهم يصرفون جهودهم في غير الغرور لكان أجدى لهم ولوطنهم.