ملاحظة المنشىء ــــ كان للمذكرة التي وضعها باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين نعمة ثابت وقعٌ قوي في الجمعية الأممية وتناولتها لجنة الانتدابات الدائمة بشيء كثير من الاهتمام والتدقيق. وقد حملت المذكرة اللجنة المذكورة على إعادة النقاش في مسائل سورية التي جعلت لها المذكرة وجوهاً جديدة وقيمة جديدة لم تكن لها من قبل. وهذا يشهد للحزب السوري القومي الاجتماعي ورجاله بأهمية العمل الذي يقومون به، وبمبلغ رسوخ القضية القومية الاجتماعية، وصواب النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تناولوا بها شؤون سورية وشؤون الانتداب.
وقد اهتمت لجنة الانتدابات بتسجيل مناقشتها في صدد مذكرة الحزب السوري القومي الاجتماعي وبإجابة الأمين نعمة ثابت جواباً رسمياً يدل على خطورة الوثيقة الحزبية وعلو قيمتها. وفي ما يلي نص جواب الجمعية الأممية.
جنيف في 12 فبراير/شباط 1938
حضرة السيد
وفاقاً لقرار اتخذه مجلس جمعية الأمم في 28 يناير/كانون الثاني 1938 أتشرف بأن أعلمكم أنّ لجنة الانتدابات الدائمة قد أقرت خلال دورتها السادسة والثلاثين النتيجة التالية بصدد عريضتكم المؤرخة في 12 أغسطس/آب سنة 1936 «إنّ اللجنة» بعد أن درست العريضة المؤرخة في 12 أغسطس/آب سنة 1936 الواردة من السيد نعمة ثابت ــــ بيروت التي تمثّل وثيقة ذات قيمة، كما درست ملاحظات الدولة المنتدبة، تعتبر أنها تتناول مواد تناقشت فيها اللجنة مرات كثيرة، وستتناقش فيها أيضاً عند تطور الانتداب.
«وترى أنه لا مجال لأن تقدم بشأنها توصية خاصة في جمعية الأمم».
إنّ هذه النتيجة قد صدقها مجلس عصبة الأمم، وإني مقدم إليكم طيّه نسخة عن التقرير الذي قُدِّم إلى لجنة الانتدابات الدائمة بصدد عريضتكم. وهذا التقرير ينطوي على محضر الدورة السادسة والثلاثين للجنة (وثيقة 551 م 388 ــــ 1938 ــــ 6 الصحايف 167 ــــ 170).
وتفضلوا أيها السيد بقبول خالص احترامي
مدير شعبة الانتدابات
أ. دي هول
نسخة عن محضر الدورة السادسة والثلاثين للجنة الانتدابات الدائمة (وثيقة س 551م 388 ــــ 1938 ــــ 6 صحائف 167 ــــ 170).
الملحق 17
سورية ولبنان
عريضة مؤرخة في 12 أغسطس/آب 1936 من السيد نعمة ثابت ــــ بيروت
ــــ تقرير المسيو بالاسيوس ــــ
إنّ عـريضة السيـد نعمـة ثـابت مؤرخـة في 12 أغسطس/آب 1936 وقد أحيـلت بواسطة الحكومة الفرنسية إلى جمعية الأمم في 30 أكتوبر/تشرين الأول 1937، أما الفترة التـي انقضت بين هذيـن التاريخين فناتجة في الغالب عن أنّ العريضة لم تحوّل مبـدئياً بطـريقة نظاميـة. والعريضة هي مذكـرة طويلـة باللغـة الإنكليزيـة (مذكرة الحزب السوري القومي) تشـرح الموقف والتقديرات والحلول التي يرتأيها الحزب للحالة الناتجة من العام 1922 إلى السنة التي كتبت فيها المذكرة.
إنّ صاحب العريضة، وهو ممتلىء إيماناً بالحاضر وناظر في الحملة المجرّدة على حزبه دليلاً على أهمية الحزب وحيويته يقدّر قدر الخط الفاصل الذي يفصل الأحداث الاقتصادية والاجتماعية التي تكيّف منذ عدة عصور في البلاد السورية الضمير القومي الذي تنبّه وتقوّى منذ فرض الانتداب، ويذكر الأساليب والأعمال التي يقول إنّ الجمهورية الإفرنسية لجأت إليها بدوافع إستعمارية لتمنع هذه الحركة التحريرية.
ويعتبر الكاتب أنّ جمعية الأمم مسؤولة ما دامت هذه الأمور جارية، وما دام الانتداب لا يتفق لا روحاً ولا نصاً مع المادة 22 من صك الانتداب، ولا سيما فقرتيه
الأولى والرابعة. على أنه هو وأخوانه في العقيدة السياسية لا يريدون مناوأة العصبة، وإنما يريدون أن يعينوها فيما إذا خدمت أمانيهم القومية وهدفهم التحريري الذي قررت سورية، سورية كلها ــــ سورية الداخلية ولبنان ــــ العمل على تحقيقها مهما كلفت من التضحيات.
والكاتب الذي يزعم أنه تبنّى في هذه الاعتبارات وجهة نظر إيجابية بل وعلمية، يقسم مذكرته المستفيضة إلى فصول وأقسام أوجزها كما يلي مشبعاً جهد الطاقة طريقة سرده إياها:1 ــــ العوامل الاقتصادية.2 ــــ العوامل السياسية.3 ــــ الحلول القومية.
ــــ 1 ــــ
إنّ محاولة تعليل البؤس الاقتصادي في سورية بالأزمة العالمية الكبرى التي يجب مع ذلك أن نحسب لها حساباً، هي إخفاء أو عدم رغبة في جلاء الأسباب الأساسية في الفوضى الاقتصادية الكبرى التي تعانيها سورية، وفي إفلاسها الاجتماعي، والنتائج التي لا مندوحة عنها لنظامها الاغتصابي.
ويلحّ صاحب العريضة على رغبته في تقديم دراسة معززة بالوثائق، فيورد في هذا الفصل كما في الفصول الأخرى من مذكرته البراهين والمستندات التي أتاحها له كتاب ظهر في عام 1936 للأستاذ سعيد بك حماده من الجامعة الأميركية في بيروت باسم النظام الاقتصادي في سورية.
إنّ الأمراض العميقة والمعضلة التي تتألم منها الثقافة والنظام الحكومي في سورية ترجع في أكثر ظروفها إلى تقسيم هذه المملكة إلى عدة دول، فإن التقسيم ونفقات الإدارات الحكومية تسبب خراب البلاد وتزجها في الفوضى. حتى أنّ المارونيين أنفسهم الذين كانوا وحدهم طلاب الانفصال والذين كانوا مجمعين، كما يظهر، على ذلك بسبب خوفهم من أن يكونوا أقلية مسيحية في العالم الإسلامي، قد أصبحوا اليوم لا يفكـرون كتفكيرهم السابق، إنّ التقسيم بنوع خاص مضرّ بنظام الضرائب. وإنّ الجدول المبيّن في الصفحة السابقة يثبت فساد جباية الضرائب المباشرة في الجمهورية اللبنانية، فالأغنياء والمتنفذون يتهربون من هذه الضرائب ولا سبيل إلى تحصيل البقايا المتراكمة عليهم. وهناك عبث ظاهر في الأنظمة والأساليب، ثم إنّ تخمينات الثروة في كل سورية أصبحت قديمة وهي سابقة للعام 1922، ومع أنّ الإيرادات قد زادت، ففرض الضرائب ظل على الأساس القديم ولم تراعَ فيه النسبة، والنظام العقاري هو أيضاً سيِّىء ورجعي، وبما أنهم لا يريدون إزعاج راحة الملاكين والأقوياء، لا يدخلون تحسينات فنية وعلمية على الزراعة، كما أنهم لا يفكرون إلغاء أشكال الاستثمار التي لا تزال متّبعة منذ القرون الوسطى.
القسم الثاني
وينتقد مرسل العريضة بنوع خاص نظام جعل الفرنك أساساً لنقد البلاد، في حين أنه لا ضرورة مالية، توجب ذلك، وفي حين أنّ موجودات الذهب في سورية تكفي لأن تؤمن لها نقداً سليماً، مستقراً، مستقلاً، فقد ربط هذا النظام البلاد بنقد الدولة المنتدبة على ما فيه من تقلبات واضطرابات وأخطار. ثم يستشهد بما جاء في الكتاب الآنف الذكر، ويذكر بأن «لجنة الانتدابات الدائمة قد حسبت حساب هذا الخطر وأيَّدت الرأي القائل بأن السياسة النقدية للدولة المنتدبة تمنع تهيئة البلد السوري لممارسة استقلاله ــــ هذا الاستقلال الذي لا يمكن أن يتم إلا إذا استقلت سورية في الميدان المالي والنقدي.. لقد كان هدف ربط النقد السوري بالفرنك إنقاص النفقات، نفقات للجيش في سورية. وفي الوقت الحاضر نرى النقد السوري يمثل قرضاً من سورية في سورية لفرنسة وهذه الحالة يزيدها حرجاً، وفي رأي صاحب العريضة، السياسة المصرفية وسياسة الاعتمادات والمونوبولات التي لا تخدم المصلحة العامة ولا تنتج إلا زيادة ثروات الشركات التي هي قوية كلها وتتمتع بالخيرات والامتيازات.
ويشير صاحب العريضة أيضاً إلى تشريع العمل فيذكر أنه مفقود تقريباً ولا صلة بينه وبين المشاكل الصناعية في العصر الحديث الذي تعرض فيه قضايا عملية دقيقة جداً. وقد حدث في البلاد اضطرابات وظهرت ميول لتشكيل نقابات. والتنظيم الحالي سيِّىء جداً والسلطات، والحكومة اللبنانية خصوصاً يظهرون في هذا الصدد معارضة عمياء ورجعية إلى أقصى حد.
ــــ 2 ــــ
يذكر صاحب العريضة أنه في عام 1922 شرح المسيو فيكتور بيرار في مجلس الشيوخ السياسة الفرنسية في سورية كما يلي:
«مما هو ثابت وأكيد أنه قد طُبِّق في سورية نظرياً وعملياً مبدأ «فرِّق تسد» فقد جزئت سورية إلى عدة دول لا مبرر لوجودها وأثيرت الجماعات بعضها ضد بعض
وأحييت المنازعات الدينية إلى حد لم يْعرف له مثيل في ماضي الأيام، إسألوا السوريين أياً كانوا فرأيهم مجمع على أنّ وجودنا في سورية أتى بنتيجة رهيبة، فقد هيج الأحقاد الدينية».
كل ما في سورية من الوجهة السياسية، في نظر صاحب العريضة، عليه طابع الإقطاعية، وسوء الإدارة التركية والإكليريكية، أما المظاهر الحديثة وإدخال أدوات المدنية الجديدة فلم تستخدم لتقوية الأمة، بل لتأخير تطورها ونموها، ولتشويهها واستثمارها والاعتداء على حياتها. إنّ الحزب السوري القومي قد عانى كل أنواع الاضطهاد لأنه جاهر بهذه القضية.
ويورد صاحب العريضة قصاصات من التيمس التي انتقدت في مناسبات عدة سياسة الدولة المنتدبة. ويذكر أنّ الأمور تبدلت وتبدلها يظهر على وضح النهار عندما يرى المشاغبون والموقوفون أو المبعدون مرتدين يوماً ثوب الزعماء الوطنيين، ومتعاملون مع الحكومة الإفرنسية.
ويدرس صاحب العريضة درساً وافياً ومفصلاً نظام الصحافة والإدارة السياسية والدفاع القومي والأمن العام، فيستنتج أنّ الأولى مستعبدة، والثانية سيئة الاتجاه، إذ أنفق في سنوات 1929 ــــ 1932 على إدارة العدلية 29 في المئة من الموازنة بينما لم ينفق على الصحة والمعارف والآثار سوى 8 بالمئة، وانتقد أخيراً عدم وجود جيش قومي.
ويرتأي صاحب العريضة بوجه خاص أنّ السياسة اللبنانية، بميلها إلى الانفصال الذي يعارض القومية، وأنّ المفاوضات مع وزارة الخارجية التي يمثّلها المسيو فيانو، وكيل الوزير، هي مخالفة تماماً لمصالح سورية، وأنّ الصلة بين السكان ومساحة الأرض تثبت أنّ الانفصال هو انتحار، فإن هضاب لبنان لا تستطيع أن تغذي بمحاصيلها الضئيلة 93 من السكان في الكيلومتر المربع بينما سورية التي هي بمعدل 9 أشخاص للكيلومتر المربع هي ذات أراضٍ خصيبة وبحاجة إلى السكان.
ــــ 3 ــــ
وبعد أن درس بدقة العوامل الجغرافية والاقتصادية، والاجتماعية والثقافية والتاريخية يصرّح صاحب العريضة بأن القومية السورية هي عمل لا يقاوم ولا سبيل إلى نكرانه وأنّ الحزب السوري القومي يمثل هذه القومية، وهو يطمح إلى إقرار نظام «فدرال» ويعارض في الحدود الوهمية القائمة ويعرض على السلطات المنتدبة فرصة ممتازة لاستعادة ثقة الأهلين، ويقول إنّ مبادىء الحزب متناسقة مع روح الانتداب.
إنّ زعيم الحزب المسيو أنطون سعاده يمد يده لمصافحة الأجنبي، فقد صرّح يوم 2 يونيو/حزيران 1935 في اجتماع عام قائلاً:
«يجب أن نعترف بأن مصالح سورية تجبرها على إيجاد علاقات ودية مع الدول الأجنبية، ولا سيما مع الدول الأوروبية، أما الشيء الذي لا نرضى به أبداً فهو مبدأ الدعاوة الأجنبية.
فالروح السوري يجب أن يظل حراً ومستقلاً».
وإليـك المبادىء الثمانية العامة والمبـادىء الخمسـة المتعلقة بالإصلاحات والتي يجب على أعضاء الحزب التقيد بها.
المبادىء الأساسية
المبدأ الأول ــــ سورية للسوريين والسوريون أمة تامة.
المبدأ الثاني ــــ القضية السورية قضية قومية مستقلة كل الاستقلال عن أية قضية أخرى.
المبدأ الثالث ــــ القضية السورية قضية الأمة السورية والوطن السوري.
المبدأ الرابع ــــ الأمة السورية هي وحدة الشعب السوري المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل التاريخ الجلي.
المبدأ الخامس ــــ الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية وهي ذات حدود طبيعية تميزها عما سواها تمتد من جبال طوروس في الشمال إلى قناة السـويس في الجنوب شـاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة ومن البحر السوري في الغرب إلى الصحراء في الشرق حتى الالتقاء بدجلة.
المبدأ السادس ــــ الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة.
المبدأ السابع ــــ تستمد النهضة السورية القومية روحها من مواهب الأمة السورية وتاريخها القومي والسياسي.
المبدأ الثامن ــــ مصلحة سورية فوق كل مصلحة.
المبادىء الإصلاحية
المبدأ الأول ــــ فصل الدين عن الدولة.
المبدأ الثاني ــــ منع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء القوميين.
المبدأ الثالث ــــ إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب.
المبدأ الرابع ــــ إلـغاء الإقطـاع وتنظيم الاقتصـاد القومي على أسـاس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة.
المبـدأ الخامس ــــ إعـداد جيش قـوي يكـون ذا قيمـة فعليـة في تقـريـر مصير الأمة والدولة.
إنّ كـل هـذه التعـليمات تصطـحب بـروح حماسة الشباب والانقياد العسكري، والأهداف العظيمة للمستقبل.
وتقول الدولة المنتدبة في الكتاب الذي أرفقته بالمذكرة أنها لا تستطيع تقديم ملاحظات عليها دون أن توجه إلى عصبة الأمم درساً عن معظم المسائل السورية واللبنانية التي درست قبل الآن من لدن لجنة الانتدابات الدائمة، وأنها، رغم ذلك، مستعدة لتقديم إيضاحات إذا طلب منها ذلك.
فبصفتي مقرراً، أرى أنه ليس من الضروري إبداء إيضاحات خاصة، فبالطبع قد درست مراراً وستدرس باستمرار القضايا التي تتحدث عنها المذكرة. وهذه المذكرة هي في نفسها وثيقة تعرب عن إيمان أفضل كثيراً من النقد، وتمثّل قوة، ومن الخطأ أن لا يحسب لها الحساب الواجب، على الرغم من أنّ الوقت الحاضر لا يأذن لي بأن أخصها بتوصية لدى مجلس العصبة، وأني أقترح بالنتيجة اتخاذ القرار التالي:
«إنّ اللجنة بعد أن درست العريضة المؤرخة في 12 أغسطس/آب 1936 الواردة من السيـد نعمة ثابت ــــ بيروت التي تمثّل وثيقـة ذات قيمـة كما درست ملاحظات الدولة المنتدبة:
تعتبر أنها تتناول مواد تناقشت فيها اللجنة مرات كثيرة، وستناقش فيها أيضاً عند تطور الانتداب.
وترى أنه لا مجال لأن تقدم بشأنها توصية خاصة إلى جمعية الأمم».