كان انهيار النظام الإيطالي بعد تسليم حكومة بدوليو للأنكلوسكسون تاماً. وكانت سرعة الألـمان في القبض على أعنّة الـحالة في إيطالية وتـجريد معظم الـجيش الإيطالي من سلاحه مدهشة.
بعد إطلاق سراح موسوليني وعوده إلى قيادة الـحركة الفاشستية التي حوّلها إلى حركة فاشستية جمهورية، حصلت فترة في شؤون إيطالية الداخلية أوجبها ضرورة درس الـموقف وتهيئة التدابير وطرق تنفيذها.
وقـد انتهـت هـذه الفتـرة بـاتخاذ مـوسوليني صفة رئيس حكومة إيطالية الـجمهورية، وإعلان عزمه على دعوة مـمثلين لوضع دستور الـجمهورية الـجديدة.
هذا ما قام به الـجانب الفاشستي، وهو أهم ما يجب النظر إليه، في الوقت الـحاضر، في تطور الـمسألة الإيطالية، لأن معظم إيطالية لا يزال في قبضة الـمحور الألـماني - الإيطالي. أما جانب الـملك والـمارشال بدوليو فلم يظهر منه شيء سوى ما ورد مؤخراً من إمكان بدوليو تشكيل وزارة جديدة.
أصبحت إيطالية مقسومة إلى قسمين بين حزبين: حزب الفاشستية الذي أعلن اعتناقه الشكل الـجمهوري، وحزب الـملكية. والـحزب الأول يقف في جانب الـمعاهدات السابقة ويحارب مع ألـمانية. والـحزب الثاني ينقض الـمعاهدات ويحارب مع بريطانية وأميركانية.
لا نقول شيئاً في الناحية الـحربية من الـمسألة الإيطالية. ونقتصر على سياسة إيطالية الداخلية.
إنّ خطوة الـملك الـخطرة بقبضه على موسوليني، وتسليم الـحكم إلى بدوليو، وتقرير مخادعة ألـمانية والانقلاب عليها، هي خطوة فاصلة قد تكون نتيجتها زوال الـملكية في إيطالية، مهما كانت نتيجة هذه الـحرب.
خرجت الـملكية الإيطالية بهذه الـخطوة عن الأصول اللائقة في الدول الـمتمدنة ذات النظام الـمتين. فقد وافقت الـملكية على محاربة الـحبشة وتـحويلها إلى إمبراطورية إيطالية، وفرح الـملك باللقب الذي أحرزه له موسوليني، أي لقب الإمبراطور، وصار يخاطب «بـملك إيطالية وإمبراطور الـحبشة.» واعترفت بهذا اللقب بريطانية نفسها، ثم وافقت هذه الـملكية على دخول الـحرب الـحاضرة، وكانت مسرورة عندما كان النصر يلوح في الشرق والغرب، حتى إذا تغيّر سير الـحرب وظهرت طلائع الـجيوش الأنكلوسكسونية في صقلية وقاربت شواطىء شبه الـجزيرة الإيطالية نفسها، خاف الـملك وخاف جمهور من كبار الفاشستيين، وحدثت تلك الـحوادث التي قلّما عرف لها تاريخ الدول مثيلاً من القبض على موسوليني والـمخابرة لعقد الهدنة سراً عن ألـمانية، وسائر ذيول هذا الانقلاب الغريب.
بعد إفـلات موسوليني من قبضة بدوليو والـملك، كان لا بد من حصول الانشقاق الأخير بإعلان موسوليني الـحكم الـجمهوري. ومـما لا شك فيه أنّ هذا التحوّل عن الـملكية ليس مجرد رغبة رجل يقود الـحزب الفاشستي في إيطالية، بل إثارة قضية يـمكن أن تشغل الشعب الإيطالي مدة هذه الـحرب وما بعدها.
كانت مسألة النظر في نظام إيطالية الـملكي هادئة إلى أن اتخذ فكتور عمانوئيل الثالث خطوته الـمشار إليها. وسواء انتصرت الـجبهة الأنكلوسكسونية أو الـجبهة الألـمانية - اليابانية، فإن مسألة الـملكية في إيطالية قد وضعت على بساط البحث. وانتهاء الـملكية يكون أكيداً إذا فازت ألـمانية، أما إذا فازت القوات الأنكلوسكسونية فقد تبقى الـملكية مدة ولكن بقاءها لا يكون ثابتاً.
الـحقيقة أنّ الضعف الكبير في الـموقف وفي الـمبادىء الذي أظهرته الـملكية الإيطالية يبرر انتقاض الفاشستيين عليها ويعطيهم الـحجة القاطعة لـمحاربتها ولإمالة الشعب الإيطالي عنها.
إنّ موسوليني تهوّر في مطامحه، كما بيّنا في مقالة سابقة، (ص 501 أعلاه) ولكن الـملك نقض مبادىء أساسية في الـحكــم والوحــدة الشعبيــة فزعزع كل ثقــة بالـملكيــة في إيطاليــة وخارجهــا.