أخيراً، وبعد تهيئة نفسية كبيرة للشعوب والـجماعات الـمتمسكة بالتقاليد الكاثوليكية، هاجمت راجمات الـمحور الأنكلوسكسوني مدينة رومة التي ينعتونها بالـمدينة الـخالدة. فحدث رد فعل كبير في أنحاء متعددة من العالم وخصوصاً في العالم اللاتيني. وخفّ قداسة البابا لزيارة البيع التي أصابتها القنابل، وأرسل رسالة إلى رئيس أساقفة رومة يظهر فيها استنكاره التدمير والفتك بواسطة رجم الـمدن بالقنابل. وقد عدّت جبهة الـمحور الألـماني - الإيطالي رسالة البابا تشنيعاً على الـمحور البريطاني - الأميركاني وزعمت جبهة هذا الـمحور الأخير أنّ كلام البابا عام يشمل ما تقوم به قواتها وما تقوم به قوات أعدائها على السواء.
إنّ الدارس الـملاحظ، الـمطّلع على ما آل إليه قبر الـمسيح ومدينة الناصرة ومدينة أنطاكية، ليستغرب جداً هذه الـمسيحية الـجديدة التي جعلت كرسي الرسول بطرس في رومة أهم من كرسيه في أنطاكية وفوق صليب الـمسيح على الـجلجلة، وكنيسة سان لورنزو أعلى قدراً من قبر الـمسيح ومن كنيسة القيامة.
هذا من الوجهة الدينية، أما من الوجهة الـمدنية والثقافية، فإن الذين حزنوا كثيراً على آثار الفن البديع، يجب أن يتذكروا آثار الفن البديع في قرطاجة، وكيف أنّ الرومان أحرقوها ودمروها وسلبوها بقسوة وفظاعة ندر مثيلها. ويجب أن يتذكروا دموع شفيون الأفريقي التي وصفها الـمؤرخ فوليبيوس حين رأى ذلك القائد مصير قرطاجة وتذكّر مصير إيليون قبلها وجزع لـما يـمكن أن يحلَّ برومة فيما بعد.
الـحقيقة الـمجردة عن العواطف الـخاصة والـميول في هذه الـحرب هي أنّ رومة كانت أقسى عاصمة من عواصم الفتح وأنّ فاتـحيها كانوا أرحم لها منها للعواصم التي تـحلُّ تـحت نقمتها.
لا نريد بهذا التعليق تـحبيذ رجم الـمدن بالقنابل والفتك بسكانها، ولا التشفي بضرب رومة. ولكننا نريد أن لا يحسب العالم كرسي أحد الرسل الـمسيحيين أعظم من كرسي الـمسيح نفسه، والشفقة على الآثار الفنية في رومة أفضل من الغيرة على الآثار الفنية والتاريخية في دمشق والقدس وأنطاكية والناصرة وصور وصيدا.
في صقلية: - إنسحبت قوات الألـمان والطليان من غرب الـجزيرة وجنوبها تـحت ضغط البريطانيين والأميركان والكنديين. ويظهر أنّ الطليان والألـمان سيحاولون الثبات في رأس الـجزيرة الشرقي الشمالي الذي يشبه زاوية مثلث. وهذا الرأس صالح كثيراً للدفاع ويـمكن الثبات فيه مدة طويلة لتعذر القيام بالـحركات الالتفافية عليه ولقربه من شواطىء جنوب شبه الـجزيرة الإيطالية.
في روسية: - يستمر الألـمان وحلفاؤهم هناك في سياسة الدفاع، بينما الروس يثابرون على خطة الهجوم، ولم يحدث تغيّر ذو بال في حالة الـخطوط، وقد حاول الروس مهاجمة بعض شواطىء نروج بحراً وإنزال قوات فيها فأحبطت مساعيهم الـحاميات الألـمانية التي قاومتهم في البر وفي البحر والـجو.
آخر الأخبار عن الـمسألة الإيطالية
تـمطرنا الشركات البرقية والرسائل والتعليقات الصحفية الإنترناسيونية بوابل من الأخبار والإشاعات اختلط فيه صحيح الأنباء بفاسدها. وليس ذلك غريباً في طبيعته فمثل حادث انسحاب موسوليني يفسح مجالاً واسعاً للدعاوات وللاستغلال. وكما تورطت صحف كبرى في الكلام على انتهاء الفاشستية، كذلك سارعت صحف كبرى إلى نشر أخبار عن حل الـحزب الفاشستي في إيطالية. فجميع هذه الأخبار يجب أن ينظر إليها بتحفظ شديد.
الشيء الوحيد الواضح الآن، باتفاق أخبار الـجبهة الأنكلوسكسونية وأخبار الـمصادر الألـمانية والإيطالية، أنّ انسحاب موسوليني لم يجرِ بسبب حدوث ثورة في الشعب، ولا بناءً على حركة قلب حكومة، بل استناداً إلى قرار اتخذه الـمجلس الفاشستي الأعلى، في 24 يوليو/تـموز الـمنتهي للنظر في الـموقف الـحاضر وسماع تقرير رئيس الـحكومة، بأكثرية 19 صوتاً مقابل 6 أو 7 أصوات.
إتخذ الـمجلس الفاشستي قراره بناءً على اقتراح قدّمه العضو دينو قرندي الذي كان سفير إيطالية السابق في لندن. وخلاصة الاقتراح أن يُرفع طلب إلى الـملك ليتخذ بنفسه التدابير التي يراها أصلح.
الظاهر حتى الآن أنّ إيطالية ستتابع الـحرب. وترد أخبار أنّ قوات ألـمانية جديدة تدخل إيطالية من الـحدود الشمالية لـمساعدة القوات الإيطالية على الدفاع.
ومع أنّ الـحكومة الـحاضرة ليست فاشستية فلم يتخذ قرار بحل الـحزب الفاشستي. ومـما لا شك فيه أنّ مسألة إنقاذ الـموقف الـحربي هي الـمسألة الأولى التي تنصرف الـحكومة الـجديدة إلى حلها. ولا يوافق في هذه الـحالة إثارة الـمشاغبات السياسية الداخلية. وقد حظّرت الـحكومة إنشاء صحف جديدة منعاً لإيجاد أسباب للشقاق الداخلي.
إنّ الـمجلس الفاشستي الأعلى ترك الـموقف وهو لم يتعرض إلا لقليل من حرب الأعصاب. وفي مقال الزوبعة أوضح وصف لـحالة الـحزب الفاشستي ونشأته وقواعده، ففيه يجد القارىء سر التشعث الذي أصاب مجلسه الأعلى في ساعة الشدة التي لم يكن ذاك الـمجلس يتوقعها، على ما يظهر.
برقية أخيرة عن رومة في 28 تقول إنّ الـحكومة حلّت الـحزب الفاشستي.