«إذا فاتتنا فرصة الـحرب، وقد كان في عزمي ألا تفوتنا وأن نحارب، فيجب ألا تفوتنا فرصة السلم الـمقبلة. يجب على السوريين أن يلتفوا حول نهضتهم، وأن يقفوا موقفاً واحداً بقيادة واحدة ونظام واحد، ليحرزوا الـحقوق التي تطالب بها حركتهم القومية الاجتماعية.»
(من دائرة الإنشاء: نعيد في ما يلي خطاب الزعيم، الذي ارتـجله في حفلة أول مارس/آذار في كوردبة بقدر ما وعت الذاكرة وبالاستناد إلى ما دوّنه أحد الرفقاء من هذا الخطاب:
نهض الـزعيم للكـلام الساعـة الرابعـة والعشـرين تـماماً من منتصف ليـل آخر فبـراير/شباط وأول مارس/آذار فاشرأبت الأعناق نحوه وشخصت إليه الأبصار وأصيخت الـمسامع. فذكّر الـحاضرين بفضل الـجمهورية الأرجنتينية في هذا الاجتماع وسائر الاجتماعات التي تـحيي في السوريين وطنيتهم وقوميتهم، قال:) «ليس الفضل في حدوث هذا الاجتماع القومي، في هذا الـمكان، عائداً إلى إرادتنا العامة فقط، بل إلى الـجمهورية الأرجنتينية التي أظهر رجال إدارتها حزماً وشعوراً نبيلاً نحو مقاصدنا وعقائدنا القومية، وإنى لعلى يقين، أنّ هذه الرحابة الكبيرة ليس مصدرها الغفلة ولا الـجهل أو التجاهل، بل الرأي الـحكيم والنفس النبيلة التي تشعر مع شعب عظيم في محنته. لذلك أطلب منكم، أيها الرفقاء والأصدقاء، أن تشاركوني بشرب نخب الأمة الأرجنتينية الكريـمة. (ورفع الزعيم كأسه فنهض الـجميع ورفعوا كؤوسهم وشربوا. ووضع الزعيم كأسه وعاد الـجمهور إلى الـجلوس.
إستأنف الزعيم الكلام، فقال:) «سمعتم قول الصديق والـمحبذ القومي الكبير عبود سعاده أني تلقيت بصدري جميع الـمحن وحملت وحدي الاضطهاد وجميع الصعوبات والآلام. فلا بد لي من إكمال قوله بذكر موقف معاونيّ في إدارة الـحزب السوري القومي الاجتماعي وجميع الرفقاء الذين آزروني ووقفوا معي في ساعات الشدة العظيمة، وثبتوا في مراكزهم وأنا بعيد عنهم، وتعرضوا لأشد الأخطار وأعظم الـمحن في سبيل حفظ الروح القومية وإنقاذ شرف الأمة. فهؤلاء الأبطال تلقوا أحكام الـمحكمة العسكرية سنة 1940 وهم في قبضتها. وإذا كانت هذه الـمحكمة قد حكمت عليّ بعشرين سنة سجناً وعشرين أخرى إقصاء، فلم تكن أحكامها القاسية الظالـمة أخف وطأة بكثير عليهم. فأحكامها عليهم بلغ بعضها 15 سنة سجناً و15 إقصاء لكبار الـمسؤولين، وبعض الأحكام بلغت عشرة وعشرة. فهذه الأحكام الـجائرة التي أصابت معاونيّ في الوطن لم تلوِ من إرادتهم ولا من عزائمهم، ولم تضعف شيئاً من قوتهم الروحية العظيمة التي سجلت لسورية صفحة فخر ومجد في تاريخها الـجديد، الذي بدأته الـحركة السورية القومية الاجتماعية. من أجل ذلك أرفع كأسي وأدعوكم إلى مشاركتي في شرب نخب هؤلاء الأبطال الكرام. (فنهض الـجمهور وشارك الزعيم في نخب أبطال الـحركة القومية الاجتماعية.
بعد أن وضع الزعيم كأسه وعـاد النـاس إلى مجالسهم، أجـال الزعيم نظره فيهم، وقـال:)
«أيها الرفقاء القوميون الاجتماعيون، أيها الـمواطنون،
«منذ نحو ثماني سنوات، أي بعد مضي ما يزيد على سنتين على نشوء الـحزب السوري القومي، وبعد أن كنا بلغنا بضع مئات، جعل الرفقاء قاعدة عامة لهم، أن يشتركوا معي كل سنة اشتراكاً عاماً في ذكرى يوم ولادتي، ليحملوا إلى نفسي هذا الشعور الـجميل باشتراكهم معي في عقيدتي القومية الاجتماعية، وفي تفكيري وعملي وجهادي، وليؤكدوا لي أنّ العمل العظيم الذي وقفت عليه حياتي كلها قد وجد نفوساً جديرة بعظمة النهضة السورية القومية الاجتماعية وأنّ الوعي القومي، الذي جعلت أول همي إيقاظه، قد أصبح حقيقة فاعلة في كيان الأمة، وأنّ الأمة قد ابتدأت تسلك طريق العز والـمجد الـمحفوفة بالـمخاطر بإيـمان حي يغلب الـمشقات، وعزيـمة صادقة تـحمل آلام الـجهاد بلذة، وأخذت تسير إلى النصر الأخير واثقة من حقها الأصلي والتاريخي ومن مقدرتها على بلوغ أمانيها.
«كان أول اشتراك قومي اجتماعي عام في ذكرى ميلادي أول أدلة تولّد وحدة الشعور في الـمجموع القومي الاجتماعي. وصار استمرار هذا الاشتراك عاماً بعد عام، البرهان القاطع على أنّ الوحدة الروحية بيني وبين رفقائي تزداد متانة مع مرور الأيام، وأنّ رابطة الـجهاد القومي أصبحت أقوى رابطة تـجمع القوميين الاجتماعيين حول زعيمهم ليكافحوا معه كفاحاً تهان فيه أجسادهم وتعتز به نفوسهم! (هتاف شديد وتصفيق حاد).
«لقد شئتم، أيها الرفقاء والأصدقاء، أن تـحيوا في النزالة السورية في هذه الـمدينة هذا الإيـمان القومي العظيم الذي يجمعنا شعباً واحداً وعقيدة واحدة ومصلحة واحدة وإرادة واحدة وقيادة واحدة، وأن تبرهنوا للعالم أنّ النهضة السورية القومية الاجتماعية ليست حديث خرافة، وأن تؤكدوا لي إشتراككم معي وتأييدكم لي في ما قمت وأقوم به لـمصلحة أمتنا وحياتها وحقوقها (تصفيق). فثقوا، أيها الرفقاء والـمحبذون، أنّ هذا الشعور الـحي الذي تظهرونه يحتل مكانه السامي في قلبي وأؤكد لكم أنّ هذه الـمظاهرة الروحية الكبيرة لن تذهب عبثاً ولن تكون أقل قدراً من النفوس الكبيرة التي قامت بها.
«إنّ الذين يجهلون حقيقة أمر الـحزب السوري القومي الاجتماعي لا يدركون الـمعنى العميق الواسع لهذا الاجتماع ولا يفهمون الـمدلول العظيم الـمتعلق به، لأنهم يجهلون أنه في هذا اليوم، كما في السادس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني الذي هو يوم ذكرى تأسيس الـحزب السوري القومي الاجتماعي، يجتمع في الوطن وفي الـمغترب عشرات الألوف ومئات الألوف من السوريين الذين اعتنقوا الإيـمان القومي الاجتماعي ليثبتوا وحدتهم الروحية والعملية في العقيدة والشعور والـجهاد (تصفيق).
«ليس هذا الاجتماع الذي تـحيونه هنا سوى واحد من ألوف الاجتماعات التي تـحدث في هذا اليوم لتبرهن للعالم أنّ الأمة السورية العظيمة التي كانت صريعة قد نهضت، وأنّ الـحركة السورية القومية الاجتماعية قد أخذت توحد صفوف الأمة لـمغالبة اللصوص الذين اقترعوا فيما بينهم على حقنا في الـحياة والارتقاء (هتاف شديد متكرر).
«هذا هو الـمعنى العميق الواسع لاجتماعنا الآن هنا في كوردبة. إنكم تـجتمعون هنا لتضموا إرادتكم إلى إرادة مئات ألوف القوميين الاجتماعيين الذين أشعر وأعلم أنهم معنا في هذا الاجتماع، كما أننا معهم في اجتماعاتهم. إنه اجتماع أمة حية هذا الاجتماع وليس اجتماع أفراد، ولولا أنه اجتماع قومي باسم الأمة والوطن، ومن أجل قضية الأمة والوطن، لـما وجد في قلبي الـمحل الرفيع الذي يتبوأه.
«سمعتموني أقول إنّ هذا الاحتفال السوري القومي الاجتماعي وأمثاله يدل ويبرهن على أنّ الأمة السورية قد ابتدأت تسلك طريق العز والـمجد الـمحفوفة بالـمخاطر وتسير إلى النصر الأخير. وقد يتساءل عدد كبير من الذين يبلغهم هذا الكلام ولـمّا يجد الإيـمان القومي الاجتماعي سبيلاً إلى نفوسهم: كيف يكون ذلك ونحن لا نبصر غير الذل مخيماً على الأمة والشقاء محدقاً بالوطن، والـجيوش الأجنبية تسرح وتـمرح في سهولنا وهضابنا وأوديتنا، وهذه الـحرب الطاحنة تدمر وتهلك وتقتل الأمل في الصدور؟ فأقول: إنّ تـحت الرماد لناراً، وإنّ تـحت طبقات الذل والـخنوع لقوى جديدة وعوامل جديدة تتهيأ ليوم عظيم مشهود، وإنّ وراء النيات لعزائم تفني الأسباب ولا تفنى وتـحوِّل الأزمنة ولا تـحوَّل!» (هتاف متواصل وتصفيق).
(تطرّق الزعيم، بعد ما تقدم، إلى ذكر الاضطهادات والسجون والـمقاومة التي اضطرت الـحركة القومية لـمواجهتها واحتمالها، وأبرز معنويات هذه الـحركة العظيمة وقوة مناقبها ومؤهلات رجالها. وقال إنّ سلسلة الإضطهادات والسجون والـمعارك العنيفة أدت إلى سلسلة انتصارات هامة أحرزها الـحزب السوري القومي الاجتماعي). «كان أول انتصار وأبرز جميع الانتصارات الهامّة ذاك الذي أحرزه الـحزب السوري القومي بقوة عقيدته ودقة خطته السياسية على شرع دولتين كبيرتين إتفقت أغراضهما على سحق إرادة الأمة السورية وإذلال نفوس أبنائها، أعني قانون الـجزاء العثماني الـجائر والقوانين الـجائرة التي سنّتها دار الـمفوضية الفرنسية باسم الانتداب. فقد علمنا، لعظم دهشتنا ونحن موقوفون لدى اكتشاف أمر الـحزب السوري القومي الاجتماعي، أنّ الـمواد التي سنحاكم بـموجبها في الـمحكمة الـمختلطة ليست مقتصرة على مواد مراسيم وقرارات الـمفوضية الفرنسية الظالـمة كمواد القانون الـمسمى «قانون قمع الـجرائم» وغيره من القوانين الـجائرة التي تـحرّم الاجتماعات وحرية الفكر بل تتعداها إلى مواد قانون الـجزاء العثماني، أي قانون الدولة التي كان يتهمها الأوروبيون بالوحشية!
«في الـمحكمة الـمختلطة انتصرنا على مجموع مواد هذه القوانين الظالـمة الـمتحدة ضدنا، وأثبتنا حق أمتنا في مـمارسة حقوق الـحرية والـمصالح القومية، مهما يكن من أمر الثمن الذي دفعناه بسرور وفخر لقاء ذلك» (هتاف وتصفيق شديد).
(كان الزعيم يتكلم بحرارة وسرعة في هذا الـموقف متدفقاً بالكلام الزاحم بعضه بعضاً، فلم يـمكن تدوين كلامه بالترتيب والدقة. وقد استطرد من النقطة الأخيرة إلى بيان معنويات الـحركة السورية القومية وقوة مناقبها وصحة مبادئها، وقال: إنه يكرر رده على ادعاءات أصحاب الأغراض السياسية الـخصوصية الـملتوية وتبيان فساد حججهم. وأكد وأثبت النزعة الدينية الـمستترة بستار «العروبة» والنزعة الدينية الأخرى الـمختبئة وراء سخف «القومية اللبنانية» الزائفة. وفي إظهار بطلان دعوى أصحاب «القومية اللبنانية» قال الزعيم):
«يدّعي أصحاب هذه النظرية أنّ لبنان كان دائماً قطراً منفصلاً ومستقلاً، وأنّ لا دخل له في سورية، وأنّ أصله فينيقي منحصر في لبنان، فأحيلُ هؤلاء القوميين الدينيين على كتاب دينهم، على إنـجيلهم. فالإنـجيل يسمّي فينيقية التي دخلها الـمسيح حين زار صور وصيدا، فينيقية سورية وليس فينيقية لبنان. إقرأوا إنـجيلكم، أيها الـمسيحيون اللبنانيون، وافهموه ففيه شهادة صادقة ضد الدعوى الباطلة التي يقول بها ذوو الأغراض الـخصوصية والـمخدوعون. لا تصدقوا تلك الأوهام. إنّ حياة أهل لبنان ورقيهم وتقدمهم ليست في الانعزال وتصغير الوطن وإمكانياته، بل في الوطن السوري الذي لبنان بقعة من بقاعه. إنّ الذين يقولون إنّ الـحركة السورية القومية عدوة لبنان هم أعداء لبنان العاملون على سد أبواب التقدم في طريق أبنائه.
«إنّ موقف الـحزب السوري القومي الاجتماعي من ضوضاء «العروبة» الدينية التي تضيع فيها الشخصية السورية ومصالح السوريين في الـحياة والتفوق، ليس بأقل من موقفه في صدد الـمسألة اللبنانية. إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتوحيد جبهة الشعوب العربية ما أمكن. أما غيرة هذا الـحزب على كرامة العالم العربي وتعاون أقطاره، فأمر ثابت في صلب خطته السياسية. وإني أكرر هنا ما قلته سابقاً، إنه متى كان الـموقف متعلقاً بكرامة العالم العربي كله فنحن جبهة العالم العربي وسيفه وترسه ونحن حماة لغة الضاد ورافعو لوائها» (تصفيق شديد).
(واستطرد الزعيم إلى حالة سورية الـحاضرة فوصف خطورة التطورات السياسية في العالم وعلاقة سورية بها وأشار إلى الأخطار العظيمة الـمقبلة، فقال:) «إذا تركت سورية الفرص الـحاضرة والآتية قريباً تـمرّ بلا فائدة لها، فليس من باب الـمبالغة القول، إنه يكون في ذلك القضاء على أمل سورية بالـحرية إلى أجيال وأجيال، وقد يكون في ذلك القضاء على الأمة السورية قضاء مبرماً. فإن خطط الاستعمار التي ذرّ قرنها منذ نحو عقد من السنين ترمي إلى غير أهداف الاستعمار الـمعروف حتى الآن. إنّ هذه الـخطط تهدد الأمـم التي تقع في براثن الاستعمار بالفناء الأكيد. إنّ إدراكي كل خطورة الـموقف جعلني أصرف قسماً كبيراً من اهتمامي لتنظيم الـحركة السورية القومية الاجتماعية وإعدادها للحرب. كنت أقصد أن نخوض غمار الـحرب لإثبات حقنا. ولكن هذه الـحرب فاجأتنا قبل وصول استعداد الـحركة القومية الاجتماعية إلى الـحالة التي تسمح بالإقدام على هذا الفعل الـخطير. قد سبقت هذه الـحرب استعداداتنا بنحو أربع سنوات كانت ضرورية لتحريك الـمجاميع السورية في الـخارج وحشد ما أمكن من القوى السورية ضمن الـحدود وعبر الـحدود، ولاتّخاذ التدابير السياسية اللازمة. ولكن إذا فاتتنا فرصة الـحرب وقد كان في عزمي ألا تفوتنا وأن نحارب، فيجب ألا تفوتنا فرصة السلم الـمقبلة. يجب على السوريين أن يلتفوا حول نهضتهم، وأن يقفوا موقفاً واحداً بقيادة واحدة ونظام واحد ليحرزوا الـحقوق التي تطالب بها حركتهم القومية الاجتماعية.
«إذا نظرنا إلى ما بعد الـحرب الـماضية وجدنا أنّ نهوض بعض الشعوب الصغيرة، نسبياً، كان مـمكناً بفضل انتهاك قوى الدول الكبرى واستنزاف دمائها في الـحرب. ولو كانت سورية ذات نهضة قومية صحيحة قبيل الـحرب الـماضية لـما كانت تركت فرصة ما بعد الـحرب تـمرّ بدون تـحقيق عملية النهوض القومي واكتساب السيادة القومية. وبعد هذه الـحرب ستحدث فترة تكون فيها قوى الأمـم الكبرى منهوكة، وفي هذه الفترة ستأتي فرصة كبيرة القيمة لـمجهود الـحركة السورية القومية الاجتماعية. إنّ ما لم تقدر سورية اللاقومية على فعله بعد الـحرب الـماضية، ستقدر سورية القومية الاجتماعية على فعله بعد الـحرب الـحاضرة. ففي سورية اليوم، ومنذ أكثر من عشر سنين، نهضة قومية اجتماعية تقوم بها أعظم منظمة قومية في شرق الـمتوسط وفي الشرق الأدنى كله، هي منظمة الـحزب السوري القومي الاجتماعي التي أنقذت شرف سورية في هذه الـحرب وتعرف كيف تنقذ حقوق الأمة السورية بعد الـحرب.»
(ختـم الـزعيـم خطابـه بالهتـاف بحـياة سـوريـة ثلاثاً فأجابه الرفقاء القوميون الاجتماعيون مرددين الهتاف معه ثلاثاً وشاركهم الـجمهور بالهتاف بحياة سورية وحياة سعاده).