السياســة
موقف إسبانية - في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الـماضي أعلن عزم وزير خارجية إسبانية، الـجنرال فرنسيسكو قومس خردانه، على زيارة إلى البرتغال، رداً لزيارة رئيس حكومة البرتغال التي قام بها إلى إسبانية في فبراير/شباط الـماضي. وفي السابع عشر من الشهر الـمذكور وردت الأنباء بسفره إلى البرتغال. وفي الـحادي والعشرين نشرت في مدريد مذكرة رسمية تشير إلى الـخطابين اللذين ألقاهما رئيس حكومة البرتغال، السيد أوليباره سالزار، ووزير خارجية إسبانية الـجنرال خردانه، في اليوم السابق. وتقول الـمذكرة إنّ هذين الـخطابين هما فاصلان «فإنه يوجد كتلة إيبريّة ثابتة ومصممة على البقاء خارج القتال الهائل الذي يجتاح العالم بأسره.»
أدت الـمحادثات بين وزير خارجية إسبانية ورئيس وزارة البرتغال إلى تأويلين بارزين. فالـجبهة الأنكلو - سكسونية وجدت فيها وفي التصريحات الناتـجة عنها إنحيازاً واضحاً إلى الـحياد، أي الإبتعاد عن مجاراة سياسة الـمحور. أما جبهة الـمحور فرأت فيها حادثاً هاماً يدل على عزم إسبانية والبرتغال الأكيد على تكميل «الاتـحاد الأوروبي» الذي تقوده ألـمانية وصدّ كل محاولة من خارج أوروبة.
فرنسة - تـجتاز فرنسة طور انحلال واسع، فقد كشف احتلال الأميركانيين والإنكليز شمال أفريقية عن مخباءات النفسية الفرنسية بعد سقوط فرنسة، فإذا هي هي قبل سقوطها - لا روحية جديدة ولا شعور جديد، الـمآرب الفردية تلعب دورها على مرسح السياسة، والثقة معدومة. ولم يظهر رجل يقدر أن يخطط لفرنسة اتـجاهاً جديداً، وتعقد عليه الآمال، وتلتف حوله القلوب.
لم يكد درلان، الـمختار خليفة لبتان، يقفز من فرنسة إلى مستعمراتها في أفريقية الشمالية ومن جانب الـمحور الألـماني - الإيطالي إلى جانب الـمحور الإنكليزي - الأميركاني حتى ظهرت الـمنافسات بينه وبين ديغول وقام حزب ديغول بحملة شديدة عليه. وحاول درلان أن يكون سياسياً وأن يقوم بلعبة عميقة. فألّف مجلس الإمبراطورية الفرنسية وصار رئيسه.
ثـم أدلـى في ديسمبـر/كـانون الأول الـماضي بتصريحات ظاهرها الرغبة الـخالصة في توحيد قيادة الفرنسيين الـمحاربين مع الـجبهة الأنكلوسكسونية وباطنها الـدعـوة لنفسـه بعد تثبيت «مجلس الإمبراطورية» وجمع عدد من الشخصيات الفرنسية البارزة حوله.
لم يطل أمر درلان. في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول الـماضي قتل في الـجزائر وهو داخل إلى مكتب عمله. وقد أذيع أنّ الذي قتله شاب في مطلع العقد الثالث من عمره. وأحيل القاتل على الـمحكمة العسكرية فحكمت عليه بالإعدام رمياً بالرصاص. وقالت الأنباء عن هذه الـمحاكمة إنّ الشاب دخل الـمحكمة وهو شبه موقن أنه لم يتمكن من الإجهاز على درلان. فلما أعلنت له الـمحكمة أنه قاتل لأن درلان مات، أظهر الارتياح وقال «يـمكنكم أن تقتلوني الآن» فقتل. ولكن لم ينشر شيء واضح عن شخص القاتل ولا عن أسباب الـجريـمة. وقد حاولت أخبار الـجهة الأنكلو - سكسونية أن تلقي ظلاً من الشبهة بالتلميح أنّ أمّ القاتل إيطالية الـجنس. أما أخبار جبهة الـمحور فتحاول إلقاء التبعة على الأنكلوسكونيين وخصوصاً على بريطانية التي تعزو إليها الأخبار الـمذكورة الرغبة في إزالة درلان، الذي حاز تأييد الولايات الـمتحدة، من أمام سياستها الـمعتمدة على ديغول.
بعد قتل درلان اجتمع «مجلس الإمبراطورية الفرنسية» وانتخب الـجنرال جيرو خلفاً له. وهو القائد الفرنسي الذي كان أسيراً وفرّ من الأسر في ألـمانية ودخل منطقة فيشي غير الـمحتلة، ثم هرب من فرنسة إلى أفريقية بالاتفاق السري مع الـمفوضين الأميركانيين الذي أرسلوا غواصة أقلّته من طولون إلى الـجزائر، فبلغها عند وصول القوات الأميركانية وانضم هناك إلى درلان وصار مرجع التنظيم الفرنسي لقوات الـمستعمرات الفرنسية.
وللآن تـجري مساع للتوفيق بين جيرو وديغول ولهذا السبب يشخص ديغول إلى الولايات الـمتحدة الأميركانية لـمقابلة روزفلت والتفاهم معه.
أمّا حـالة فرنسة عموماً فقد ضعفت كثيراً سياسياً، بعد حصول ما حصل في أفريقية وبعد إغراق جميع مراكبها الـحربية، إلا القليل منها في ميناء طولون، حين احتلت هذا الـميناء القوات الـمحورية في نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي. والـمراكب التي أغـرقـت هي معظـم الأسطـول الفـرنسـي الـذي بقي في يد فيشي وفيها أقوى الـمدرعات والطرادات الفرنسية.
الـحـــرب
روسيــة - لم يحـدث أي تطور حربي فاصــل في الأشهــر الأخيرة. وبعد إنزال قوات أميركانية وإنكليزية في أفريقية الشمالية لم تـحدث أعمال حربية هامــة. فالألـمان لم يروا متابعة الضغط على ستالنغراد لإكمال الاستيلاء عليها، كما كنا قدّرنا. والظاهر أنّ الألـمان أرادوا توفير الـمال والذخيرة والاتـجاه بسرعة لـمعالـجة الـمسألة الفرنسية ومجابهة القوات الأنكلو - سكسونية. فسحبوا جزءاً من قواتهم في الـجبهة الروسية. وحالـما شعر الروس بكف الألـمان عن الهجوم وارتفاع الضغط عنهم، ابتدأوا بهجوم مقاوم على جانبي ستالنغراد، ثم في الوسط أمام موسكو، ثم في الـجنوب في ناحية القوقاس. فتراجع الألـمان عن بعض الـمواقع. ومع كل السرعة التي أجرى الروس هجومهم بها فإن الـمواقع الهامّة التي استعادوها قليلة والـمواقع الرئيسية التي تـحفظ الـموقف لا تزال في يد الألـمان وحلفائهم.
أفريقية - بعد خرق الـجيش الثامن البريطاني خطوط الـمحور من جبهة العلمين منذ نحو شهرين، أخذ الـمارشال رومل في التراجع والانسحاب وكل همّه إنقاذ الفِرَق الـمدرعة من التعرض للهلاك في معركة غير متكافئة القوى. واستمر في انسحابه تاركاً وراءه بعـض القـوات الإيطالية التي أحاق بها الأعداء وحقولاً مزروعة بالقنابل والـمتفجرات. وتخطى حدود القيروان ودخل منطقة طرابلس الغرب والـجيش البريطاني الثامن في أثره. وفي الأيام الأخيرة أخذت تظهر بعض الدلائل على احتمال توقف الانسحاب الألـماني والثبات في وجه القوات البريطانية.
أما في الناحية الشمالية الأخرى حيث نزلت القوات الأميركانية والـجيش البريطاني الأول فبعد الاحتلال الذي كان شبه سلمي تقدم الـجيش البريطاني الأول نحو تونس وتخطى الـحدود بين الـجزائر وهذه الـمنطقة. ولـمّا قارب الـمنطقة الـجبلية أمام بيزرته وتونس، وجد مقاومة من القوات الألـمانية والإيطالية التي كانت احتلت مواقع حصينة. ومنذ ذلك الـحين، اقتصرت الأعمال الـحربية في تونس على بعض مناوشات ومعارك صغيرة، كانت اليد العليا فيها للألـمان وعلى الـحملات الـجوية على الـحصون وخطوط الـمواصلات.
في الهادىء - الـحرب في جزيرة غوادلكنال لا تزال سجالاً وفي جزيرة غينية الـجديدة يشتد الـحصار على منطقة بونه التي بيد اليابانيين، فإذا استولى الأستراليون والأميركان عليها ترتّب عليهم القيام بحملة جديدة على جبهة سلموا ولاي في الـجزيرة عينها.
وفي الـمعارك البحرية التي حدثت في جزائر سليمان، إدّعى كل فريق أنه أنزل بعدوّه خسائر كبيرة وأنّ خسائره كانت قليلة.
سوريـــة - وردت أنباء في السادس عشر من ديسمبر/كانون الأول الـماضي أنّ طيارات محورية رجمت طرابلس ومرفأ بيروت. ثم ورد خبر بعد ذلك بأيام بعودة الطيارات الـمذكورة إلى رجم الـمدينتين الـمذكورتين. ولم نقرأ بلاغاً في هذا الصدد صادراً عن الـحكومة اللبنانية أو عن السلطة الديغولية يبيّن عدد الضحايا والأضرار. ولعلَّ السبب عدم موافقة نشر غير الأخبار السارة عن «انفراج أزمة الـمعاش» وورود كميات كبيرة من الدقيق. ولكننا نعلم أنّ أزمة العيش لم تنفرج وأنّ حالة الوطن تدمي القلوب وتفتت الأكباد.
في الـجو - بعد احتلال أفريقية الشمالية أخذت القوات الأنكلو - سكسونية الـجوية تغِير على الـمدن الإيطالية لإنزال الأضرار بها وللفتّ في عضد الطليان. فحصلت أضرار كبيرة في بعض هذه الـمدن.
والألـمـان والبـريطـانيـون يتبـادلـون الـغــارات عـلـى إنـكـلـتــرة وعلى فرنســة وغــرب ألـمانيــة.
وفي الـمحيط الهادىء تغير طيارات الأمـم الـمتحدة على الـمراكز اليابانية القريبة من استرالية. وتغير طيارات اليابان على كلكتا في الهند.
في الهند - قامت القوات البريطانية في الشهر الـماضي بهجوم جزئي على حدود بورما. فتقدمت قليلاً على الساحل ثم توقفت ولا أخبار عن أعمال حربية واسعة في تلك الـجبهة.
خطب أول السنة
في مطلع هذه السنة وجّه الـملوك ورؤساء الدول الـمتحاربة خطباً ورسائل إلى الـجيوش وإلى شعوبهم وجميعها تؤكد الانتصار الأخير النهائي وتعد بعهد جديد.
كل ذلك دليل على عزم الـمتحاربين على متابعة الـحرب حتى النهاية والـجانبان يريان في الأفق إمكانيات عملية تبعث الأمل بالنصر في نفوسهم. ولكن يصعب كثيراً التسليم بحتمية انتصار أحد الفريقين انتصاراً ساحقاً على عدوّه في القريب العاجل.
نعتقد أنّ النقطة الفاصلة في أوروبة ستكون في روسية، ولكن حصول ساحة حربية كبيرة في أفريقية، قد يؤخر انتصار الألـمان النهائي في بلاد الشيوعية. فالذي نقدّره أنّ ألـمانية ستهتم بإنزال ضربة قوية بأعدائها في أفريقية في الربيع الشمالي القادم قبل أن تعود إلى توجيه جميع قواها لسحق القوات الروسية. فهل يتمكن الـمحور الإنكليزي - الأميركاني من الثبات في أفريقية أو من الاستيلاء على ما تبقى منها في يد الـمحور الألـماني - الإيطالي وتخييب خطة ألـمانية؟