نشرنا في عدد سابق (ص 168 أعلاه) خبر الاعتقالات التي أجرتها السلطة الاحتلالية في وطننا، وأذاعت بها بلاغاً اشتمل على «الأسباب» الداعية إلى تلك التدابير المشؤومة التي أرسلت عدداً من رجال الحركة السورية القومية إلى السجن من جديد. وقلنا آنئذٍ إنّ الاصطدام حاصل بين الحزب السوري القومي الاجتماعي والسلطة المحتلة لأسباب جوهرية تختلف كثيراً عن الأسباب الواردة في البلاغ الاحتلالي.
ادّعـى المفـوضـون الاحتـلاليـون أنّ مـا دعاهم إلى اعتقـال بعض كـبـار القوميين الاجتماعيين وغيرهم من المشتغلين بشؤون سورية السياسية هو «وجود مستندات خطيـرة»، وهي النغمة القديمـة التي استعملت في جميع اعتقـالات الحزب السوري القومي الاجتماعي الماضية، ويضاف إلى عبارة «المستندات الخطيرة»، عبارة «العمل بإيحاء برلين ورومة» القديمة أيضاً.
أما المستندات الخطيرة فقد كان شأنها، ولا يزال، أشبه شيء بالغول، أو العنقاء، تسمع بها ولا تراها ولا تعرفها. وأما «العمل بإيحاء برلين ورومة» فهو كالعمل «بإيحاء لندن وباريس» ويجب أن لا يؤخذ فيه البريء بجريرة الأثيم.
يوجـد عمـال لبـرلين في وطننـا والحـزب السـوري القـومـي الاجتماعي يعرف بعضهم. ويوجد عمال لرومة في وطننا والحزب القومي الاجتماعي يعرف بعضهم. ويوجد عمال للندن في وطننا والحركة القومية الاجتماعية تعرف بعضهم. ويوجد عمال لباريس أو لفيشي أو لديغول في وطننا ونحن نعرف عن بعضهم. ويوجد عمال لتركية وعمال لروسية وعمال لدول أخرى في وطننا. وجميع من عدَّدْنا ليسوا من الحركة السورية القومية الاجتماعية، أما السوريون القوميون الاجتماعيون فسيماؤهم في وجوههم وغايتهم واضحة كالشمس في رابعة النهار. لا يجيئهم الشك من أمامهم ولا من خلفهم ولا من عن جانبهم. وجميع الشكوك التي حاولت الإشاعات المغرضة والمأجورة إثارتها على الحزب السوري القومي الاجتماعي اضمحلت بالسرعة التي اقتربت بها من هذه النهضة الجبارة الرائعة. وهذه المحاكمات السابقة والتحقيقات التي زادت على عشر مرات كلها كذّبت جميع ما حيك حول حزب الأمة السورية من الترهات والأباطيل المدعومة بالبراطيل.
إنّ ما يطلبه السوريون القوميون الاجتماعيون من القوات المحتلة ليس مستوحى إلا من حق الشعب السوري في الحياة الحرة والارتقاء. وهو طلب معتدل، كما أنه طلب عادل ويتلخص في هذه الكلمات القليلة: إنّ القوات البريطانية والقوات الفرنسية القليلة التابعة لديغول التي احتلت شمال سورية وأقامت مقام قوات فيشي التي ألقت سلاحها، وإنّ مراجع عليا بريطانية أعلنت كما بصوت واحد أنّ بريطانية وحلفاءها ينزلون عند رغبة الشعب السوري في لبنان والشام في المصير السياسي الذي يختاره الشعب، وأنّ ممثلي بريطانية وديغول مستعدون للمفاوضة مع ممثلي الشعب السوري في لبنان والشام، وأنّ للشعب ملء الحرية في اختيار الانفصال أو الاتصال. وقد بدا للكثيرين أنّ هذه التصريحات الخطيرة تفتح باب عهد جديد يزيل أسباب التصادم الماضي بين مطاليب السوريين القومية العادلة وسياسة الانتداب الاستعمارية. ولكن الواعدين لم يحققوا وعدهم، بل عمدوا إلى إبقاء القديم على قِدَمه غير ملتفتين إلى إرادة الشعب ولا مهتمين لوجوب استفتائه. وأقاموا عليه فزاعات جديدة وقديمة لا تعبّر عن إرادة الشعب ولا تمثّل شيئاً من مطامحه. فما يطلبه الحزب السوري القومي هو العودة إلى إرادة الشعب في تقرير مصيره واحترام نهضة الشعب السوري القومية. وعلى هذه القاعدة كل تفاهم وتبادل منافع ممكن فلا يوجد ظرف واحد من الظروف أبى فيه الحزب السوري القومي الاجتماعي التفاهم عى أساس وحدة الشعب السوري القومية وسيادته الفعلية على مقدّراته.
هذه المطاليب الصريحة الجلية تختلف كثيراً عن الدعاوات السامة التي يقوم بها مـأجـورون للإرادات الأجنبيـة وللمنافع الإقطاعية والفردية المتواطئة مع الإرادات الأجنبية على امتصاص دم الشعب.
إنّ الدعاوات المغرضة التي سمّت نفسها «ديموقراطية» حاولت أن تضع زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي والسيد شكيب أرسلان في حالة واحدة، وكل مدرك مطّلع يعرف يقيناً أنه لا وحدة في الغاية ولا في العمل بين الزعيم والسيد شكيب أرسلان وهذا دليل على خبط المأجورين وتضليلهم.
الحزب السوري القومي الاجتماعي له قضية قومية اجتماعية واضحة ولا تتعلق إلا بالشعب السوري وحالته ومصيره. أما الأفراد غير المسؤولين المشتغلون في المسائل السياسية السورية والعرب فلهم شأن آخر يعنيهم وحدهم ولا يعني شيء منه الحزب السوري القومي الاجتماعي. إنّ وضع الحزب القومي الاجتماعي في صف الأفراد الخابطين في السياسة هو خطأ كبير وتدبير قبيح ورمية مشوية.