كان لتعليقنا في العدد الماضي بالعنوان الآنف على بعض أعمال الشعوذة الأدبية ــــ التجارية وقعٌ وصدى في أوساط المجموع السوري في هذه البلاد. ولم يَخْفَ إلا على القليلين غير المطّلعين على السوابق أنّ التعليق المذكور مختص «بحفلة تكريمية» أقيمت في مدينة كوردبة للمدعو يوسف الغريب، الذي ترجم بعض كتب جبران خليل جبران إلى الإسبانية ترجمة غير منقودة وغير معروف مبلغ انطباقها على الأصل. وجميع الذين يعرفون هذا الشخص لم يَخْفَ عليهم أنه هو المقصود من كلام الزوبعة في العدد الماضي، إذ هو هو بائع الوسكي لممثلين إنكليز وهو هو الذي يزيّن مكتبه التجاري بصور إلال(1) الحرب البريطانية ويوزع منشورات إذاعة بريطانية.
وقد وردنا من كوردبة أنّ الحفلة المذكورة كانت مسخرة لا وجه حقيقي لها. والذين قـاموا بها غشوا الناس غشاً كبيراً إذ استعملوا إسم جمعية «روضة الآداب العربية» بدون مسوّغ قانوني. فهذه الجمعية متوقفة أعمالها النظامية منذ شهور. ولم تجرِ جلسة لهيئتها الإدارية للنظر في أمر الحفلة المذكورة ولم تحضر الحفلة الهيئة الإدارية للجمعية التي استعمل اسمها بغير حق. وكل ما في الأمر أنّ عضوين من أعضائها وهما اللذان ذكرهما «الأستاذ» المحتفى به تواطآ معه على استعمال إسم الجمعية فادّعى أحدهما أنه «سكرتير» الجمعية وليس هو سكرتيرها، بل ناموسها هو السيد حكمت نحـاس الذي لم يستشر في الأمر. وقد بلغنا أنه حالما بلغ ناموس الجمعية الحقيقي ما أذيع قابل نائب الناموس، الذي هو أحد المتواطئين على الحفلة والذي دوّن اسمه في وظيفة الناموس من قبيل الانتحال، وبلّغه عدم موافقته على هذه الشعوذة، وأنه لولا ضنّه بالجالية من عار يلحقها لرفع دعوى عليه لانتحاله وظيفته.
هذه هي حقيقة هذه «الحفلة التكريمية» التي «تردد كثيراً» المحرك لها لتكريم نفسه «قبل أن يعطي كلمته النهائية» بقبول هذه الحيلة التي سمّاها «مظاهرة»، ولا مظاهرة فيها غير مظاهرة نائب قنصل بريطانية في كوردبة، وهي مظاهرة لها مغزاها، لأنها من عامل وظيفة حكومية وليست من ممثل معهد ثقافي.
وبلغنا أيضاً أنّ بعض أصحاب المنزلة من المجموع السوري في كوردبة الذين حضروا «المأدبة» تأسفوا لما علموه بعد المسخرة من أنّ جمعية «روضة الآداب العربية» لم يكن لها رأي في الأمر ومن تدخّل الدعاوة الأجنبي لدولة تحتل الوطن احتلالاً وتهدي نصفه إلى اليهود.
إنّ الأدب الـزائـف الذي انفضح لم تبقَ له غير هذه الأعمال الزائفة يحاول أن يغطي بها حقيقة زيفه. وإنّ الارتفاع في الأدب الزائف لا يكون إلا إلى أسفل.
إننـا كنـا نود أن يكون صاحب المأدبة الزائفة ذا أدب صحيح يستحق الاهتمام، وأن تكـون له أخـلاق الأديـب الصحيح ومناقبه، أن ينتظر تقدير الناس والمؤسسات الثقافية من تلقاء أنفسهم، وأن لا يقبل خدع الرأي العام بهذه الوسائل الشائنة.
إنّ الحـركـة السـوريـة القوميـة الاجتماعية لا تنبذ أحداً إلا لسبب جوهري من العقيدة أو النظام أو الأخلاق والمناقب، وقد تحقق ذلك في جميع حوادث الطرد بدون شذوذ حادث واحد.
(1) إلال: جميع ألَّة وتعني أداة الحرب.