أحسب أنّ الثورة الفكرية السورية ابتدأت بابتداء حملة عبد الرحمن الكواكبي، وأنّ كل من اطلع على طبائع الاستبداد قرأ ولا شك عبارة بهذا الـمعنى. دعونا ندبّر شؤوننا الدنيوية، ونترك الأديان تـحكم في الآخرة فقط. وأحسبه قال أيضاً ما معناه، يجب أن نقرّ الواقع الاجتماعي، وأن لا ننظر إلا إلى الواقع الاجتماعي، ومن العار أن ننتحل صفة النيابة عن الله على الأرض. وهكذا إلى آخر ما أراد أن يعنيه الكواكبي. وكان يصر، رحمه الله على «أن نترك عمل الله لله، ولا نتداخل فيه» إذ إنّ لنا كياناً أرضياً يجب أن ننشئه. وإنّ لنا كياناً سورياً، ويجب أن نعترف بعجزنا عن إمكان الاهتمام بشؤون العالم قاطبة، لأننا نفتقر بعد إلى الوسائل الـمادية. كل ما علينا الآن هو أن نحدد لأمورنا النطاق، لكي نعمل، ولكي نعطي نتيجة، علينا أن نركز أمورنا على قواعد اجتماعية. أعود فأقول، أتركوا الـحزبيات الدينية جانباً، وإننا في هذه البلاد كلنا مسلمون. وكل من أسلم لله فهو مسلم. كما أنه ليس هنالك في القوم الواحد خلاف على الـمسائل الـجوهرية. إذ إنّ الأخطار التي تهدد الكيان السوري عديدة، فبالـحزبيات الدينية وتناحرنا بالـحزبيات العشائرية لا نستطيع دفع الـخطر اليهودي. وبهذه العقلية لا نستطيع أن نواجه الصعوبات العالـمية، كما أنّ تفسخنا الداخلي مخيف. نظرة إلى الوطن والبيئة. أدرسوا سورية الطبيعية بلادنا. فبمزاياها الزراعية، وبـما فيها من كنوز صناعية باستطاعتها ـ باستطاعة هذه الأرض الـمعروفة الـحدود ـ أن تـحوي على أقلّ تقدير من 70 إلى 80 مليون... بكل سرور.
فالبلاد السورية لطبيعة شعبها تكوِّن قوة في هذا القطاع من شرق البحر الأبيض إلا أنّ ضعفها الـحالي ناشىء عن انقسام أهلها على بعضهم، غداً، ستكون نهضتنا، وستكون سورية أكبر قوة من هذا القطاع الواسع.
نهضتنا ستجعلنا سنداً للعالم العربي، كما أنه يجب أن لا نتفاءل كثيراً. خذوا رأي إخواننا الـمصريين في الـمسألة السورية، تـجدونهم يعربون في شتى صحفهم، دعوا لبنان لوحده. دعوا سورية لوحدها، وتعالوا إلى وحدة عربية.
يا تـرى هل تتنـازلون عن وحدة وادي النيل، لكي نتنازل نحن السورييـن عن فكرة الوحدة السورية؟ ألا فليسمع كل من هو ليس بسوري أنّ وحدة البلاد السورية دين أرض للسوريين. وأحسبني لن أتناول رأي الغير الان في أهدافنا وعليّ أن أوجه انتباه الـمسؤولين في الـحزب إلى الأسس الآتية:
ليكن كل منا مسؤولاً، ولن نستطيع أن نكون مسؤولين إلا إذا قبضنا على أعنّة أمورنا، وبهذا نكون مسؤولين. ونحن الـحزب الوحيد الذي يصهر جميع الطوائف، وبهذا أيضاً يكون كل فرد يعيش على أرض سورية مسؤولاً عن سورية. كما أنه نحن أقوى كتلة قومية في الوطن السوري القومي، وأنّ مفاهيم القومية بعد في طريقها إلى التبلور في الأذهان، وأنها بحاجة إلى اختمار وكفاح في سبيل انتصار الفكرة القومية.
يقول الضعفاء نحن نخاف العودة إلى سيطرة دينية، وإنني أقول بزوال هذه النظرة، نعود إلى الاجتماع والقومية.
إلا أنّ عوامل ربع قرن من الاحتلال ـ الاحتلال الفرنسي ـ كون حالة ذهنية غريبة، قد كوَّنت في الأذهان شبه ضغط نفساني خفي يجب أن يزول أمام تيار القومية الصحيحة التي لا تهدف إلا إلى الاتـحاد. اتـحاد شعب واحد منذ الأزل. الشعب السوري العريق. وهكذا بسبيل مدرسة قومية، لها قوادها، فإذا أردناها قومية، يجب أن يكون لها مـمارسة قومية اجتماعية، وانظروا إلى أي مصير رائع نهدف أيها السوريون، إنّ لنا مصيراً واحداً.
يجب أن نعترف أنّ الـحزبيات الدينية كوسيلة سياسية في هذه البلاد ليس لها أساس قومي قط، كما أنه لا يكفي أن تقول للمسيحي، أو إلى أي فرد ينتسب إلى منظمة دينية أخرى، إنك مواطن، يجب أن يشعر كل فرد على هذه الأرض بكرامة متساوية مع غيره من الـمواطنية الـمنتسبة إلى بقية الأديان، سنصل إلى أغلاط كثيرة إذا قلنا إنّ الأجنبي قد بدّل كثيراً من قوميتنا، لا، فالقومية موجودة بوجود الأرض. «فالـمسألة مسألة بلاد..» كما أنه لا يـمكن أن تقوم قضية صحيحة على نفاق. وباستطاعتنا أن نحلّ مشاكلنا الدينية بالإيـمان في كلمة الكواكبي والعمل بها. كلكم سمع بالقول «إنـما الأعمال بالنيات» أما أنا فأقول «إنـما النيات بالأعمال» شرط النية أن تترجم إلى أفعال محسوسة. وإنّ كل مجتمع يؤسس على الرياء والغش، مصيره إلى الرياء والغش. قد يتساءل البعض: «واللغة» ما دورها؟ اللغة ليس لها علاقة بالقومية، اللغة أداة تعبير عن الفكر، فتعبّر عن فكرتك بأية وسيلة شئت.
بلى إننا بحاجة إلى قواعد تعليمية، وهكذا فاللغة ليس لها من شأن عميق في الأصول القومية. إنها تدعم العقل فحسب. أما القومية فأرض، أرض واحدة، وشعب واحد.لقد اعتدت أن أكون صريحاً في كل الـمواقف،وفي كل النواحي،حتى إذا سألني أحدهم ما هي نظرتي الدينية فأقول «كوّنتها من نفسي، وأنا في عقيدتي، اجتماعي، ولست بـمسيحي أو محمدي».
ـ ما هي ملّتك؟
ـ سوري قومي أجاب.
ونحن اليوم نروم قواعد أساسية، ولا نريد أموراً فردية. أنظروا إلى التشريع الـمدني، تراه متضارباً مع التشريع الديني، فالـمسلم تراه لا يحتكم إلا إلى شريعته، وهنا ترانا قد تفرقنا إلى دول صغيرة تقوم في دولة صغيرة.
نحن أمـم طوائف، متحاربة، متنافرة. شرذمة صغيرة كاليهود، باستطاعتها أن تسيطر علينا. أيها الـمواطن إنني أنظر إليك كمواطن، فالأساس النفسي القومي يجب أن يبنى بناءً جديداً، وكل تسوية خارجية لا تـحلّ أمورنا.
(1) كما دوّنها فاتح المدرس.