يشهد هذا الاجتماع على أنني قد آمنت حقاً، وأنني عملت حقاً بإيـمان. آمنت أنّ الأمة السورية فن وإبداع لا مادة يتصرف بها فنان مبدع، آمنت أنها أمة فن، أمة خلق، أمة تنظر إلى الكون نظرة فاهمة، واعية، مدركة، فيها قوة التسلط على الكون، قوة التسلط على ما يقدمه الكون، فتستخدمه في فنها للسمو والـجمال والـخير. ابتدأ الإبداع بالوعي والإدراك والفن، فلا إبداع إلا بوعي وفن وإدراك. وهذا الوعي الذي يسير بنا من حضيض سقطت إليه هذه الأمة، متجرّدة عن حقيقتها وضاع فيه وجودها، إلى مرتبة تستعيد فيها حقيقتها وقوّتها، ونظرها الفاهم، وإمكانياتها العظيمة، متحررة من قيود الظلم والانحطاط، فتنهض قوة عظيمة تريد أن تقبض على ما حواليها، وأن تـحارب كل قوة تـحاول اعتراض طريقها وصدّها. إنّ هذه النهضة تـمثّل انتصاراً على اللاوعي، تـمثّل انتصاراً على الـجمود، إنها نهضة تعيد الذات إلى حقيقتها، تعيدها لتكون قوة فاعلة لا مادة يُفعل فيها، فهي، من هذه الناحية تـمثّل انتصاراً روحياً عظيماً هو الشرط الأول في سبيل الانتصار الـمادي. إننا بهذه النهضة قد انتصرنا على اللاوعي لأننا حركة لا عدم، فالعدم ليس معناه انعدام الـمادة الـجامدة بل معناه انعدام الـحركة. والـحركة نشاط وتقدم، وشرط الـحركة في الانسانية أن تكون حركة ذات قصد. وإننا، نحن وحدنا، هذه القوة الـجديدة في هذه الأمة الفتية، بعد شيخوخة، قد نهضنا حركة ذات قصد.
ومن حيث أننا حركة ذات قصد، نحن نفس إنسانية حرة متحركة وقوة ذاتية فاعلة، لذلك نحن نسير ونتغلب على ما يعترض حركتنا من صعوبات. إنّ فينا جوهر الأمة، وجوهر الأمة هو الـخلق والإبداع والتفوق، وقد وصلنا إلى هذا الانتصار بعد الـمعارك التي مضت، لأننا نسير إلى ما هو أعظم من هذا الانتصار، إننا قد وصلنا إلى هنا في مرحلة من مراحلنا لا إلى الغاية التي ننشدها، نحن في الطريق إلى غاية عظمى لهذه الأمة، نسير إليها مؤمنيـن واثقيـن ببلوغها ليس لأن كل من سار على الدرب وصل، بل لأن من يصل إلى الغاية هو الذي يعرف الغاية ويعرف الدرب.
نحن قد نهضنا وارتفعنا فوق الـجزئيات الـحقيرة لأننا نعرف هذه الأمة خلوداً في آيات خالدة، فنحن نسير إلى هذا الـخلود، إلى هذه الغايات الـخالدة، هذه هي حقيقة هذه النهضة الـمؤمنة بنفسها، الـمؤمنة بشخصيتها. هذه هي حقيقتها، فإذا قلت، لو شئنا أن نفرّ من النجاح لـما وجدنا مفراً، قلت حقيقة بسيطة، فعلية، خالية من كل تبجح.