بقلم أنطون سعاده
جاء موضوع توقيف الرقيب [أكرم] طبارة والـجنود الذين كانوا معه من قِبَل الدرك اللبناني لأنهم قتلوا فاراً متهماً بالـجاسوسية يدعى كامل الـحسين ضمن حدود الـجمهورية اللبنانية، وما تلا التوقيف من أزمة علاقات بين الـحكومتين اللبنانية والشامية، فرصة سعيدة لعمال التفريق والتفكيك القوميين، يغتنمها العاملون بقصد منهم لتحقيق الـمهمة الرئيسية التي كلّفتهم الثقافة والتوجيه الأجنبيان القيام بها، ويغتنمها العاملون بلا قصد وبغباوة عظيمة لزيادة التخبط والفوضى في الشؤون القومية.
في مقال سابق نشر في كل شيء، فصّلت العوامل النفسية التي تدفع الـمثقفين في ثقافة السياسة الأجنبية الاستعمارية في لبنان إلى العمل بكل قواهم على تقطيع الوحدة القومية وزيادة التفسيخ الروحي الذي ولدته الـحزبيات الدينية وتـحويله إلى نتيجة نفسية كاملة تعني للدول الأجنبية الطامعة في الاستعمار الـمباشر: تـمزيق الأمة السورية تـمزيقاً نهائياً يجعلها غير قابلة النهوض في وجه الـمطامع الغريبة، وتعني للذين وجّهتهم الثقافة الأجنبية الاستعمارية وجهة «القوميات الدينية»: إنتصار أمراضهم النفسية على حقيقة الأمة ووحدة الشعب. (ص 309 - 312 أعلاه)
توليـد الكـره في لبنـان للإسـم السـوري الذي حملـه آبـاؤنـا وأجـدادنا إلى أقاصي الأرض والذي خفقـت له قـلوبهم ومثـل شخصيتهـم هو الغـرض الأول من أغـراض «القومييـن الطائفييـن» الذين يعيشون في الطائفية، ومن أجل الطائفية أنكروا الطائفية وبدَّلوا إسمها فسمّوها «قومية»!
كم هي سعيدة للقوميين الطائفيين في لبنان فرصة قتل شرطة الـجيش الشامي لرجل فار متّهم بالـجاسوسية لـمصلحة اليهود ضمن حدود الـجمهورية اللبنانية التي يسميهـا القوميـون الطـائفيـون حـدوداً «طبيعيـة»! فهؤلاء الطائفيون الذين لا يفهمون للسيادة معنى غير الـمعنى الطائفي الذي يفهمونه وجدوا السيادة اللبنانية قد هددت، والكرامة اللبنانية قد أهينت، ووجدوا أنّ الذين ارتكبوا تينك القباحتين هم «سوريون» أجانب عن «اللبنانيين»، وأدركوا أنّ وضع هذه الصورة «أمام الشعب» يزيد في قوة الـموضوع الطائفي القومية، ويأتي بنتيجة باهرة في الاستمرار في تسميم الشعب بالكره لقوميتهم الأصلية عن طريق التلاعب بالأسماء والصفات وعن طريق تسمية الصنعي بالطبيعي وتسمية الطبيعي بالوهمي!
إيجاد الكره يولّد الـحقد ويقيم العداوة. والقومية الدينية هي أبداً في حاجة إلى العداوة لتعيش. العداوة هي الهواء الذي تتنشقه الـحزبية الدينية، هي الأوكسجين الذي بدونه تختنق!
الـحـادث الاضطـراري البسـيـط صـار حـادثـاً تعمـديـاً يجب أن يقيم الأرض ويقعدها. فالسيادة اللبنانية قد انهارت لأنّ جنوداً من جيش الشام، الذي هو جيش واحد من الـجيوش السورية التي منها جيش لبنان الواقفة أمام مآرب اليهود، تعقبوا في أرض إخوانهم اللبنانييـن رجلاً وجدوا أنه يهدد سلامة الـجيشيـن الشامي واللبناني بالتجسس لـمصلحة اليهود!
أي حادث خرق السيادة القومية كما خرقها هذا الـحادث الـخطير؟ هل كان احتلال اليهود لنحو خمس وعشرين قرية لبنانية خارقاً حرمة السيادة القومية في لبنان كما هي الـحال في قتل جاسوس ضمن الـحدود اللبنانية؟ كلا. هذا هو منطق القومية الدينية والسيادة الطائفية عند الذين لا يرون في لبنان غير ملعب لشهواتهم وعنعناتهم الـخصوصية السائرة نحو إهلاك الشعب!
هؤلاء الـخصوصيون الطائفيون يصرّون دائماً على أن يكون لبنان لبنانهم هم وحدهم من دون اللبنانيين القوميين الذين يرون السيادة القومية التي هي واحدة للبنانيين والشامييـن تخـرق من قِبل اليهـود والـمطـامـع الأجنبيـة لا من قِبل جنود ينفـذون أمراً عسكرياً في تعقب فار من قبضة الـجيش السوري.
في الشام فئة تلذ لها العداوة الداخلية، كما تلذ للفئة الـمذكورة في لبنان. فإنّ بعض طرق معالـجة الـموضوع في الشام كانت مساعدة لطرق معالـجة الـموضوع بروح التفرقة والتقاطع في لبنان. وبتبادل التّهم تـجد الروح الـخبيثة الزيت للنار!
إني أقدّر كل التقدير الاستياء الذي أحدثه في الروح الـخبيثة رأي الـحقوقييـن القوميين الاجتماعيين اللبنانيين في حادث اعتقال الـجنود الشاميين. فإنّ هذا الرأي الصادر عن قوميين اجتماعيين لبنانيين ينزع من عمال التقاطع والتفكيك القوميين وسيلة جر الناس في لبنان في طريق الـحقد والعداوة مع أبناء أمتهم في الشام!
إنّ الذين رموا أحجارهم في آبار آبائهم وأبنائهم يضجون لأنّ آبارهم أصبحت ملأى بالـحجارة! لا بأس. فليس ضجيجهم بـمانع أحجار القومية الاجتماعية من سد آبار الـحزبية الطائفية والقومية الدينية!
إنّ لبنان يهلك بالـحزبية الدينية ويحيا بالإخاء القومي.