ينشـأ في بـلادنا «حزب» أو كتلة أو شركة سياسية بالتواطؤ مع إرادات أجنبية معيّنة، وأحياناً بإيعاز دولة محتلة وتأييدها، وتكلف هذه الكتلة أو الشركة أو «الـحزب» بالعمل للمصلحـة الأجنبيـة الـمحتلة أو ذات النفـوذ أو الطامعة في نفوذ أو في استعادة نفوذ مفقود، وتـمنح الـمساعدات الـمادية والـمعنوية للقيام بـمهمتها، فتصير هذه الشركة أو الكتلة أو «الـحزب» ذات حول وطول، لأنها «مسنودة من دولة قوية» ويشمّ الـمواطنون الـمحتاجون إلى الـمنافع والـمتململون من ضيق نطاق العيش والـحياة رائحة العطور الأجنبية فيسعون للتثبت من حقيقة الإمدادات والـمساندة الأجنبية، حتى إذا تأكد لهم الأمر، التفوا يؤازرون «أرباب الهمم الوطنية» ودهاقنة السياسة القومية الذين اكتشفوا الـحكمة التي أخفيت عن الـحكماء والعقلاء وأعطيت للجهال!
ويخـرج دهقـان من دهاقنتنا السياسييـن في مهمة أو في نزهـة «للترفيـه» فيزور بعض عواصم السياسة الإنترناسيونية كلندن وواشنطن وباريس وموسكو. فيبلغ بدهائه النادر الـمثيل إلى صلة وثيقة مع أولياء الأمر هناك. فيوعزون إلى عمالهم، في هذا الوطن الـمنكوب بهم - وما أكثرهم في مدننا الكبيرة وعائلاتنا الشهيرة! - فتبتدىء الدعاوة الـمرتبة لذاك السياسي الوطني العظيم وتنثر، في سبيل الدعاوة له، أوراق الـمصارف ومنافع الشركات التجارية ومصالح الإدارات الوطنية. فيوقن الناس أنّ نـجم السياسي العظيم طالع، وأنّ في تأييده والسير في ركابه ما يبشر بـمنافع ومراكز وخير جزيل. فيصير أصحاب الـمنافع «شعباً» يـمثّله الداهية السياسي الكبير.
الـمشَكَّلة [حزب الكتائب] التي تنشأ في بلادنا للتعاون مع الإرادة الأجنبية ضد إرادة الأمة، وتعلن في مبادئها الأساسية أنَّ التعاقد والصداقة مع الدولة الـمحتلة هما أسـاس وجـودها وغـايته تسمى «منظمـة وطنية عظيمة» وتصير حامية لبنان من أبنائه البررة الثائرين في وجه الاحتلال الأجنبي والإرادات الأجنبية.
والـحزب الذي ينشأ من الشعب - من صميم الشعب - ليحمل آلام الأمة الـمجروحة في شرفها وكرامتها التي مزق الأجانب وطنها ويحارب حرب شرف الأمة وكرامتها، هذا الـحزب يصبح خارجياً وأجنبياً لأنه لا ينعم بـمساعدة أجنبية ولا يقدر أن ينثر أوراق مصارف مالية ذات اليمين وذات اليسار.
قال أحد الأفاضل الـحكيمين لأحد أعضاء الـحزب القومي الاجتماعي: «إسأل الزعيم إذا كان حاصلاً على مساعدة إنكلترة فإني أكون مستعداً لـمؤازرته والعمل معه!»
بعض الأفاضل والـحكماء يظنون أنّ للزعيم هذا الـمقدار من الـحكمة والـحنكة. ما أبعد هذه الظنـون عن الـحقيقـة! إني أعرف بساطة الزعيم وجهله قواعد السياسة العملية التي تربى عليها أبناء أجيال عديدة من العبودية والذل والـمسكنة، وهم يحملون شهادات عالية فيها.
«السياسة العملية» الـجارية في سورية، في هذه الدولة السورية الصغيرة، كما في الدول السورية الأخرى، هي سياسة الشركات والكتل والدهاقنة - هي السياسة التي تُصَيِّر الـمصالح القومية مصالح أجنبية والإرادة الأجنبية إرادة قومية!
إنّ الزعيم، في سذاجته السياسية، يزدري تلك السياسة العملية ويحتقر هذه الشركات والكتل وهؤلاء الدهاقنة العظام. إنه يحتقر الكثير من أرباب «السلطة الرابعة» في الدولـة الذين أصبحوا من مهرة الغوّاصيـن في بحـر تلك السياسة العملية. ومقابل ذلك هو يؤمن بالشعب إيـماناً عظيماً ويعتقد أنّ تعاليمه القومية الاجتماعية ستولد وعياً حاداً في الأمة السورية، وأنّ وجدان الأمة سيتحرك، بل هو يقول إنّ الوعي قد ابتدأ، وأنه آخذ في الامتداد، وإنّ النهضة القومية الاجتماعية قد ابتدأت تزمجر، وإنّ النفوس النبيلة ستنتصر في الأخير على «السياسة العملية» ودهاتها ودهاقنتها.
متى صـار الأجنبي صاحب الشأن الأول في البلاد، ومتى صارت الإرادة الأجنبية هي الإرادة القومية التي يرجع إليها دهاقنة «السياسة العملية»، صارت الإرادة القومية إرادة أجنبية وصار الـحزب الذي يعبّر عن الإرادة القومية العامة حزباً أجنبياً!
مع ذلك فإنَّ قوة خفية تدفعني إلى مشاركة زعيم الـحركة القومية الاجتماعية إيـمانه بالشعب وبانتصار الأجمل والأنبل والأعز على الأقبح والأرذل والأذل!