تفرح الإدارة الـحزبية بكل نشاط يقوم به رفقاء في العقيدة والنظام في أية ناحية من نواحي النهوض القومي الاجتماعي. وترعى الإدارة الـحزبية كل نشاط من هذا النوع بعين التقدير والتشجيع، وتغتبط حين ترى رفقاء النهوض القومي الاجتماعي يأتون أعمالاً محسوسة تدل على روحيتهم القومية الاجتماعية وعلى ما تنتظره الـحركة القومية الاجتماعية منهم من نشاط وعمل في سبيل قضية الأمة والوطن.
من هذا القبيل كان اغتباط الإدارة القومية الاجتماعية بخبر النشاط القومي الذي ظهر من رفيقيـن قومييـن اجتماعييـن في حقل اختصاصهما، هما الأميـن الدكتور عبد الله سعاده والرفيق الدكتور عفيف عبد الوهاب إذ اهتما بالاشتراك مع شركائهما في مستشفى ميناء طرابلس، بإنشاء مستشفى في صور لإسعاف جرحى معارك فلسطين، وبخبر نشاط الرفيقة الـممرضة الآنسة جميلة فاضل التي اندفعت بكل روحيتها القومية الاجتماعية للعناية بالـجرحى.
وقد شاءت عمدة الإذاعة أن تظهر اغتباط الـحزب بالنشاط الذي يقوم به هؤلاء الرفقاء، الذي اعتبرته أحد الـمظاهر الـمعبرة عن روحية القوميين الاجتماعيين الذين يبادرون بحافز عقيدتهم وإيـمانهم إلى فعل كل ما في مقدورهم في أية ناحية كانت في متناولهم لـخدمة أي جزء من أجزاء قضيتهم السورية القومية الاجتماعية العظمى. فوزعت العمدة بياناً على الصحف تظهر فيه حمية الرفقاء الثلاثة لـمساعدة جرحى فلسطين وحمية شركائهم في مستشفى الـمينا الذين تضامنوا معهم في فكرة إنشاء مستشفى في صور لـمعالجة الـجرحى. وقد تلطفت جريدة بيروت بنشر خبر إنشاء مستشفى صور كما وردها من عمدة الإذاعة في عددها الصادر في 25 مايو/ أيار الـماضي. وهذا نصه:
«القوميون الاجتماعيون ينشئون مستشفى في صور للمساهمة في مساعدة جرحى فلسطين»
«أنشأ السادة الأطباء عفيف عبد الوهاب وعبد الله سعاده وريشار جبارة وجوزيف يـمين ودانيال كاتبة مستشفى في صور لـمساعدة جرحى الـمعركة الدائرة في فلسطين. يتسع الـمستشفى لـخمسة عشر سريراً مجهزاً بجميع الآلات الـجراحية اللازمة لإجراء عمليتين جراحيتين في وقت واحد وبجميع الأدوية والضمادات والوسائل الطبية ومختبر كيميائي حديث التجهيز.
«يقوم على أعمال الـمستشفى بالـمناوبة الأطباء الـميامين الـمذكورين. وقد بدأ العمل منذ صباح الـجمعة الفائت في 21 الـجاري الطبيب القومي الاجتماعي عفيف عبد الوهاب والدكتور عبد الله سعاده منفّذ عام الكورة للحزب القومي الاجتماعي والدكتور ريشار جبارة أحد وجهاء منطقة الـجنوب، مع عدد واف من الـممرضين والـممرضات وعلى رأسهم الـممرضة القومية الاجتماعية الآنسة جميلة فاضل ومساعدتها الآنسة مريانا حلال.
«كما وأنّ الوجيه الثري السيد عادل عبد الوهاب قد تبرع بنفقات الـمستشفى فدفع ثلاثة آلاف ليرة كدفعة أولى على أن يستمر عمل الـمستشفى حتى إحراز النصر في الـمعركة القائمة بفلسطين ضد الصهيونية الـمجرمة والاختلاطات السياسية الغريبة».
يظهر من هذا البيان لكل ذي بصيرة صحيحة أنّ إدارة الـحزب لم تعلن إلا حقيقة ناصعة لا غبار عليها وأعطت كل ذي حق حقه. فهي قد ذكرت أنّ إنشاء الـمستشفى في صور هو عمل طوعي قام به أصحاب مستشفى ميناء طرابلس وأعطت أسماء الأطباء أصحاب الـمستشفى وذكرت من هو قومي اجتماعي منهم ومن ليس قومياً اجتماعياً وذكرت إسم عم أحدهم الذي تبرع بـمساعدة مالية معتدلة لتحقيق مشروع إنشاء مستشفى في صور لإسعاف جرحى فلسطين، أي كل التفاصيل التي تهم كل من اشترك بطريقة ما في تـحقيق فكرة إنشاء مستشفى للجرحى في صور.
بدلاً من أن يلاقي نشر البيان الـمتقدم اغتباط الرفيق الدكتور عفيف عبد الوهاب كما لاقى اغتباط غيره بإظهار صفة الروحية القومية الاجتماعية الـممتازة، التي يفرض أن تلازم كل منتمٍ إلى الـحزب السوري القومي الاجتماعي بوعي وعزيـمة صادقة، فقد رأى حضرته في نسبة عمله وعمل رصيفه ورفيقه الأمين الدكتور عبد الله سعاده ورفيقته الـممرضة الآنسة جميلة فاضل، إلى الـحمية القومية الاجتماعية خطأ عظيماً ارتكبته جريدة بيروت فأسرع إلى إرسال «تصحيح» لرواية الـخبر الذي نشرته والذي كان نسخة البيان الذي أرسلته إليها عمدة الإذاعة في الـحزب القومي الاجتماعي. وهذا نص «تصحيح» الدكتور عفيف عبد الوهاب، كما نشرته جريدة بيروت في عددها الصادر في 28 يونيو/ حزيران الـماضي:
«مستشفى صور لا علاقة له بالقوميين
«تلقينا من حضرة الدكتور عفيف عبد الوهاب الرسالة التالية:
تـحية واحتراماً، أما بعد فقد نشرت جريدتكم الغراء في عددها 3046 الصادر بتاريخ 25 أيار 1948 خبراً تـحت عنوان «القوميون الاجتماعيون ينشئون مستشفى في صور» مفاده أنّ الـحزب القومي الاجتماعي قد أنشأ مستشفى لـمعالـجة جرحى فلسطين الشهيدة. أرجوكم أن تأخذوا علماً بأن الـمستشفى الـمذكور قد أسس بواسطة أطباء مستشفى الـمينا في طرابلس وبـمعاونة السيد عادل عبد الوهاب الـمالية وليس للحزب القومي الاجتماعي أي علاقة بالـمستشفى سوى انتماء طبيبين من أطبائه للحزب الـمذكور وهما الدكتور عبد الله سعاده والدكتور عفيف عبد الوهاب. راجياً تصحيح النبأ في أول عدد يصدر من جريدتكم الغراء وتفضلوا بقبول فائق احترامي».
الدكتور عفيف عبد الوهاب
يتضح من قراءة التحامل الـمتقدم أنّ الدكتور عفيف عبد الوهاب لم يصحح شيئاً من الـخبر الذي نشرته جريدة بيروت نقلاً عن إذاعة عمدة الإذاعة، بل بالعكس شوه صحة الـخبر تشويهاً متعمداً وأظهر الـحزب الذي يعترف هو بأنه ينتمي إليه بـمظهر الـمستغل ونسب إليه ما لم يرد شيء منه في بيان عمدة الإذاعة أو الـخبر الـمنشور في جريدة بيروت. فالدكتور عفيف عبد الوهاب يقول في تـحامله على الـحزب إنّ مفاد الـخبر الذي نشرته جريدة بيروت هو «أنّ الـحزب القومي الاجتماعي قد أنشأ مستشفى لـمعالجة جرحى فلسطين الشهيدة» غير أنّ الـخبر الذي نشرته جريدة بيروت والذي يزعم الدكتور عبد الوهاب «تصحيحه» وهو بالفعل يشوهه تشويهاً قبيحاً لا يعزو إلى الـحزب القومي الاجتماعي إنشاء أي مستشفى لـمعالـجة جرحى فلسطين وليس في نص الـخبر ما يستفاد منه هذا التأويل الفاسد الذي يتبادر إلى الذهن من نص تشويه الدكتور عبد الوهاب أنه تعمد إلصاقه بالـخبر ليوهم الناس أن الـجريدة ادعته وليجوز له نفيه. ولو أنّ خبـر عمدة الإذاعة الذي نشرته جـريـدة بيروت اشتمل على مـا يزعمـه الدكتور عبد الوهـاب في «تصحيحه» التشويهي لـجاز له السعي لتصحيحه بالطرق الـحزبية النظامية التي تـحفظ كرامة الـحزب ومنزلته وليس بالطريقة الـمعيبة التي لـجأ إليها الدكتور عبد الوهاب فتعمّد تشويه الـخبر ليتعمّد الـحط من منزلة الـحزب الذي يقول إنه ينتمي إليه!
كل عبارات التصحيح الواردة في رد الدكتور عبد الوهاب لم تنقض حقيقة واحدة من حقائق الـخبر الذي أذاعته عمدة الإذاعة وتكرمت جريدة بيروت بنشره بحذافيره. فالدكتور عبد الوهاب يرجو الـجريدة أن تأخذ علماً بأن الـمستشفى قد أسس بواسطة «أطباء مستشفى ميناء طرابلس وبـمعاونة السيد عادل عبد الوهاب الـمالية» فأي شيء جديد في كلام الدكتور عبد الوهاب وأين يختلف عما ورد في الـخبر الأول. إنّ تصحيح الدكتور في هذا الصدد هو أقل تفصيلاً من الـخبر الأصلي الذي أورد أسماء أطباء مستشفى الـميناء واحداً واحداً ولكنه يظهر أنه يريد إبراز إسم مستشفى الـميناء في طرابلس الذي لم يرد في الـخبر الأصلي بسبب عدم معرفة عمدة الإذاعة إسم الـمستشفى الذي أسسه الأطباء الـمذكورون أو بعضهم في طرابلس، على الأرجح.
إنّ مفاد عنوان الـخبر الأصلي أنّ القوميين الاجتماعيين ينشئون مستشفى في صور لـمعالجة جرحى فلسطين لا غبار عليه. فوجود طبيبين أساسيين في شركة أطباء مستشفى الـمينا في طرابلس من الـحزب القومي الاجتماعي يجيز القول تـماماً إنّ القوميين الاجتماعيين أنشأوا مستشفى الـجرحى الـموقت، وإن يكن هذا الإنشاء حدث بالاشتراك مع أطباء آخرين وبـمساهمة عم الدكتور عفيف عبد الوهاب الـمالية.
الظاهر من كلام الدكتور عفيف عبد الوهاب أنه لا يحسب اشتراكه والأمين الدكتور عبد الله سعاده في إنشاء الـمستشفى الـموقت في صور لـمعالجة جرحى فلسطين واشتراك الرفيقة جميلة فاضل في العناية بالـجرحى تعبيراً عملياً عن عقيدتهم القومية الاجتماعية وعملهم لتطبيقها، بل يفضّل عليه إلـحاق الأذى الـمعنوي بحزبه.
فإذا تساهلنا، لاعتبارات، في تقدير مدى أذية هذا الطعن العلني الذي يوجهه الدكتور عفيف عبد الوهاب إلى «حزبه» فلا يـمكن النظام القومي الاجتماعي التساهل فيه من الوجهة النظامية البحتة حتى ولو بلغ بنا التساهل حد حسبان التشويه والطعن العلنيين «جهلاً بسيطاً صادراً عن طيبة قلب»! إنّ الدكتور عفيف عبد الوهاب، بصفته عضواً في الـحزب القومي الاجتماعي، كان يجب عليه، قبل الإقدام على تشويه الـحقيقة وطعن الـحزب من حيث يدري أو لا يدري (على اعتبار أنه لا يدري) أن يستشير رؤساءه في الـحزب والـمسؤولين عن إدارته. وإن كان هنالك، حقيقة، أي غلط في الـخبر فليدل الإدارة الـحزبية عليه لتتلاقاه بالطريقة اللائقة. هذا إذا كان هنالك حسن نية. هذا أقلّ ما ينتظر من أي قومي اجتماعي يفهم عقيدته ونظامها واليمين التي أداها يوم انتسب إلى الـحزب.
إنّ الـحزب القومي الاجتماعي عملاً بخطته التهذيبية العالية وبقواعد عمله الـمتينة حفظ للدكتور عفيف عبد الوهاب أكبر درجة مـمكنة من الكرامة بـمناسبة الانتخابات النيابية الـماضية. فقد قرر الدكتور عبد الوهاب ترشيح نفسه للنيابة بصفة شخصية بحتة ضارباً عارض الـحائط بانتمائه إلى حزب يجب أن يحارب في سبيل عقيدته وأن يتقيد بنظاميته. وباشر مفاوضاته الانتخابية من غير إطلاع الـمركز. ولكنه وجد أخيراً أنه لا بد له من إطلاع الإدارة الـحزبية على ترشحه لكي لا تعتبر الإدارة الـحزبية ترشحه اللانظامي خروجاً على القضية القومية الاجتماعية ونظام الـحزب وتـحرمه الأصوات القومية الاجتماعية في الشمال. وقد وجد من الإدارة الـحزبية كل تساهل في هذا الصدد. وبعد الـمناورات الانتخابية الأولى وجد الدكتور عبد الوهاب أنّ الضرورة الانتخابية نفسها تقتضي أن يكون ترشيحه عن الـحزب القومي الاجتماعي. فقبلت الإدارة الـحزبية العليا تساهلاً منها اعتباره «مرشحاً حزبياً» في الشمال.
في كل الأغلاط التي ارتكبها الدكتور عفيف عبد الوهاب توخت الإدارة التساهل وحفظ كرامته وتسهيل إصلاح أغلاطه بطرق تـحفظ كرامة النظام وكرامة العضو. فلم تعلن الإدارة الـحزبية أنه لا علاقة لترشح الدكتور عبد الوهاب بالـحزب القومي الاجتماعي حين كان ترشحه شخصياً بحتاً بلا معرفة الإدارة الـحزبية، بل بالعكس سهلت له كل الاتصالات ولم تصحح أي خبر يـمكن أن يـمس تصحيحه بـمركزه الانتخابي، بل كانت تشير عليه بـما يحسن أن يتخذه من الـمواقف كلما أمكنها ذلك وكلما رأت أملاً في التحسين.
والظاهر أنّ الدكتور عفيف عبد الوهاب حسب أنّ تلك كانت «واجبات» الـحزب نحوه. وأن لا واجبات عليه نحو الـحزب الذي يرتبط به بيمين تربط شرفه وحقيقته ومعتقده!