إنّ الانحرافات العقائدية والنظامية التي حصلت أثناء غياب الزعيم، تركت أثراً فوضوياً في نفوس بعض الـمنضمين إلى الـحزب في الـمدة الـمذكورة، الذين لم توضح لهم النهضة القومية الاجتماعية وأسسها على الوجه الصحيح فصاروا فريسة للتأويلات الانحرافية التي خرجت بالقيم الـحزبية عن حقيقتها.
ولـمَّا كانت الإدارة الـحزبية تـحت إشراف الزعيم تأخذ اليوم دور العودة «إلى النظام» كما هو مشروح في افتتاحية العدد الـماضي من النشرة، فإن التدقيق في روحية الـمسؤولين والرفقاء يـمتد من الـمركز إلى جميع الفروع الـحزبية.
وعملاً بهذا التدقيق استدعت عمدة الداخلية هيئة منفذية بعلبك إلى بيروت لدرس الـمسائل الإدارية وحالة الـمنفذية. فقدِمت الهيئة بيروت في غير الـموعد الأول الذي كان مضروباً فلم تـحظَ بـمقابلة العميد الذي يقوم الآن بجولة إدارية في محافظة اللاذقية. فاستقبلها الزعيم في مكتبه وكان ذلك يوم الاثنين الواقع في 19 يناير/كانون الثاني الـماضي. وبعد أن اطلع على حالة الـمنفذية وسير الأعمال ألقى على الـمنفّذ العام بعض الأسئلة في ما يتعلق بفهم النهضة القومية الاجتماعية وقيمها. وبعد جواب الـمنفّذ العام، ألقى الزعيم شرحاً مسهباً في قيمة الـحزب القومي الاجتماعي ورسالته الـمبينة في الـمبادئ وفي الشروح الأولى كخطاب الزعيم 1935، ثم أوضح للمسؤولين واجباتهم والـحالة النظامية التي يجب عليهم التمسك بها.
في السادس والعشـرين من ينايـر/كانون الثاني الـماضي تلقت عمدة الداخلية رسالة من حضرة منفّذ بعلبك العام تفيد أنّ العضو الـمعيّن ناظر إذاعة في تلك الـمنفذية الـمدعو سهيل فريجي، الذي انتمى إلى الـحزب سنة 1938 وهو طالب في «الـجامعة الوطنية» في عاليه، والذي أظهر في الـمدة الأخيرة ترجرجاً في عقيدته وروحيته، أرسل إليه بالبريد الـمضمون رسالة يعلنه فيها ما يأتي:
«...يؤسفني جداً أن أتقدم منكم معلناً انسحابي من الـحزب القومي السوري الاجتماعي للاختـلاف الظـاهر بيني وبيـن حضرة الزعيم، في تعريف وتـحديـد صلاحيات الزعيم والتي لم يعد مجال للبحث فيها وإعادة النظر بتحديدها لأنها لا تقبل ولا تؤمن بالتحديد. فأرجو أن تعتبروا بياني هذا بـمثابة انسحاب نهائي مع البقاء على تقدير أهداف الـحزب وتفضلوا...» وتقول رسالة حضرة الـمنفّذ العام إنّ الشخص الـمذكور قد أرسل إلى بعض الصحف يعلن فيها انسحابه.
إنّ كتاب الـمدعو سهيل فريجي إلى الـمنفذية العامة يدل على نوع روحيته وعقليته. إنه يتحدث عن «خلاف بينه وبين حضرة الزعيم في تعريف وتـحديد صلاحيات الزعيم» وهو قول باطل من كل الوجوه. فمن الوجه الـحقوقي صلاحيات الزعيم معيّنة في الدستور الذي يحلف العضو حين دخوله على الـخضوع له واحترامه، ومن الوجهة التاريخية لم يتقدم الشخص الـمذكور إلى الزعيم بكتاب أو طلب مقابلة أو سؤال. وهو لم يطرح سؤالاً واحداً على الزعيم في الـمقابلة التي سمح بإجرائها مع هيئة منفذية بعلبك في مكتبه فيكون ادعاؤه «الاختلاف مع الزعيم» ادعاءً باطلاً ولا وجود له إلا في مخيلته.
وقد نظر في تصرف سهيل فريجي الـمذكـور، وفي خروجه على الدستور والنظام: وفي اتخاذه لنفسه حق فسخ اليمين والعقد بينه وبين الـحزب من جهته وحده فتقرر طرده لثبوت حنثه بيمينه وخروجه على النظام.
وقد صدر مرسوم الزعيم بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني 1948 بطرد الـمذكور من صفوف الـحزب القومي الاجتماعي.
والعبرة التي يجب أن تؤخذ من هذا الـحادث هي عبرة نتيجة الـجهل. فالـجهل وحده هو الذي يجيز لـمثل سهيل فريجي الـخلط بين الـخروج على الدستور والـحنث باليمين من جهة و«الاختلاف مع الزعيم» من جهة ثانية. كل ذلك هو نتيجة الفوضى التي عمل لها الـمتلاعبون بالعقيدة القومية الاجتماعية وبالنظام، الذين صاروا يصورون للأعضاء أنّ الزعيم منفصل عن العقيدة والنظام وأنّ قيمته في الـحزب هي قيمة فرد من أفراده فقط!
إنّ القوميين الاجتماعيين هم يقين وإيـمان وقوة فلا مجال للضعف والترجرج والشكوك بينهم.
إنّ الـميعان عيب يجب أن يتنزه القوميون الاجتماعيون عنه.