(ما اتّسع وقت حضرة الزعيم بعض الاتّساع إلّا وأمّ فرعاً من فروع الـحزب أو مؤسّسـة من مؤسّسـاته يحوطها بعنايته ويغمرهـا بـرقابته. ووقت الزعيم أبداً تـملأه الأعمال والـمقابلات. ومن جملة الـمؤسّسات التي زارها في مثل هذه الأوقات الـخاطفة «مدرسة الفريكة الوطنية» التي يرأسها ويديرها الـمربّي القومي الاجتماعي الرفيق الـمناضل جورج مصروعه. كانت الزيارة نهار الأحد 25 يناير/ كانون الثاني 1948 تلبية لدعوة الرفيق مصروعه ورغبة الطلاب الـمتشوقين إلى رؤية الزعيم.
كلمة حضرة الزعيم
وكانت كلمة الزعيم للطلاب دليلاً واضحاً على إحاطته بطبيعة النفس البشرية على تنوعها بتنوع الفئات البشرية. فهي جامعة بين العمق والسلاسة، بين وضوح الغاية وجلاء الأسلوب. وقد شاء حضرة الزعيم أن يكلِّم الطلاب بلغة الـحياة الرفيعة. وإنّنا ننقلها قدر الإمكان وبقدر ما وفق مسجلها أثناء ارتـجال الزعيم لها في تسجيلها):
رفقائي الطلّاب
هذه هي الزيارة الثانية أقـوم بها لـمدرسة بعد عودتي إلى الوطن. وهي الزيارة الثانية لـمدرسة بعد العهد القومي الاجتماعي، على الإطلاق، ما خلا زيارة أولى كانت بين انتهاء العهد الـماضي وبداية العهد الاجتماعي إلى «الـجامعة الوطنية» في عاليه. تلك كانت زيارة تكلمت فيها إلى طلاب ولكن بغير صفة النهضة القومية الاجتماعية ومن غير أن يكون هناك انتظار أو تـحسس لوجود النهضة. الزيارة الثانية كانت في أواخر السنة الـمدرسية الـماضية للطلاب الاجتماعيين في الشوير. هذه كانت الزيارة الأولى في العهد القومي الاجتماعي. وهذه هي الثانية.
إني أشعر بسعادة كبيرة لوجودي في الـمدرسة يحيط بي طلاب تلاميذ، طلاب حياة جديدة وتلاميذ فكر جديد مؤسس لـحياة جديدة. أنتم التلامذة الصغار، أنتم كلكم، لستم تلامذة يتعلمون القراءة والكتابة. أنتم تتعلمون القراءة والكتابة توصلاً لشيء وراء ذلك- إلى معرفة الـحياة الـجميلة من الـحياة القبيحة، حتى تعرفوا أنّ الـحياة الـجميلة تتميز بقوّتها، والقوة بالبطولة، بالشهامة، بالسيرة الـحسنة والأخلاق الطيبة، التي تـجعل الـجميع فرحين عندما يرون أحداً يـمارسها، حياة كلها عز وكلها خير. ونحن نتعلم القراءة والكتابة لنعرف أين طريق الـخير وطريق العز لا أن نكون كميات مهملة لا معنى لها في الـحياة. هناك قصص كثيرة تـجعل التلميذ الصغير يرى الطريق الـحسنة التي يجب عليه أن يسلكها، وأحسن القصص هي التي يأخذها الإنسان من تاريخ بلاده.
فإذا فهمنا أنّ القراءة والكتابة هي واسطة للوصول إلى الـخير والعز والـحياة الـجيدة الـحسنة، نفهم جيداً كم يجب أن نـجتهد لإنهاء هذه الواسطة والوصول إلى الأحسـن- إلى ما نـريد- إنّ ما نـريد يختلف بكثير عمّا هو اليوم. وعلينا أن لا نأخذ قدوة من الشيء الذي كان موجوداً حتى ابتداء النهضة- لأن كل ما وجد قبل النهضة بكل أسف ليس جميلاً- قبل النهضة مثلاً نكاية أهل الضيعة ببعضهم البعض- هو جميل لـمن لا يعرفون ما هو الـجميل في الـحياة- لكي يأتي الأجنبي ويسرح ويـمرح في البلاد بينما أبناء البلاد الواحدة يهتمون بتحطيم بعضهم البعض. هذه صورة تـجعلنا نترك الـحياة القديـمة لنصل إلى حياة جديدة لأنّنا أبناء عائلة واحدة، وبهذا نتّحد لنقاتل (أحسن)، أعداء بلادنا الذين يأخذون بلادنا من غير قتال.
إنّ حياتنا الـمقبلة سوف تكون غير هذه الـحياة- وكيف يتم الوفاق بين أبناء العائلات العدوة بين بعضها منذ سنين. إنّ عقلية الـجيل الـماضي لم تفهم الـحياة القومية الـجديدة، عقلية لا تصلح لنا. علينا أن نبحث عن حياة جديدة تختلف عن حياة الـماضي فيها تعاون على الـخير وعلى قتال كل من يريد أن يحوّل بلادنا إلى مسرح يعيشون عليه. إنّ علينا أن نصلح حياة الأبناء وعندما يرى هؤلاء مجتمعاً أحسن يتعلمون من أولادهم الـمحبة واعتبار أنفسنا أمة واحدة ووطناً واحداً، يكونون قد فعلوا أحسن شيء يـمكن أن يصنعوا في حياتهم الباقية.
إنّ غـايتنـا هي الوصـول إلى حياة أجمل وأسمى، إلى حياة تبرز لنا الـحياة والـجمال والقوة لتكوين الأمة العظيمة التي تبني مجداً.
سمعتم أنّ بلادنا جميلة جداً ولكن لا أعلم إذا كنتم قد سمعتم أنّ بلادنا يجب أن تكون أجمل مـما هي عليه. إذا نظرتـم إلى هذه الطبيعة حول الـمدرسة رأيتم مسحة من الـجمال صغيرة تقدر أن تكون أحسن وأجمل. فبدلاً من الصخور نرى غابات تشع منها الـحياة تعطي للإنسان مواداً يستفيد منها بدلاً من أن تكون جامدة جافة للعين.
سروري الـخاص هو وجودي في مدرسة مديرها من العاملين الـمفكرين في الاتـجاه والتوجيه الـجديدين، وإنّ الطلبة منها، نفسها صافية تـحب السير في الـمسالك الـجميلة- لأن العلم بلا غـايـة شبيـه بالـجهل- وغـايـة العالم هو جعـل الـحياة جميلة مجيدة حلوة.
(وبعد تنـاول حضرة الزعيم طعام الغداء على مائدة الرفيق جورج مصروعه صاحب الـمدرسة ومديرها عاد إلى بيروت لاستئناف الـمحاضرات التي يلقيها كل أحد بعد الظهر في الندوة الثقافية للحركة القومية الاجتماعية.)