عزيزي
أرى أنك قد حولت مباحثاتنا القومية الشفوية إلى وجه كتابيّ.
فلا أستطيع أن أتـجاهل الوجهة الـجديدة الدقيقة التي تقصدها. وإني أنزل عند رغبتك، وأستعيذ بالقوة العاقلة من تخابثك.
تسـألنـي مـا مـوقفي من الـمسائـل العربيـة، فأقـول: إني أشعـر بأن الذين سمعوا شيئـاً عن آرائي قد التبس عليهـم موقفي حتى أنّ سوريتي قد أصبحت تؤوَّل بالفينيقيـة وبغير ذلك من التآويـل. ولعل هذا ما تقصـد إيضاحه بسؤالـك. ولست بحاجـة إلى القول إنّ الـمسألة القومية لا الـمسألة السلالية هي التي تستدعي كل اهتمامي. فذلك واضح في كـل ما أقـول وما أفعل. وإذا كنت قد رأيـت أني أصـرف كـل همي وكل عنايتي إلى خـدمة أمة واحدة من أمـم العالم العربي، أعني أمتي السوريـة، فذلك لأن أمتي أحـوج إلى عملي، ولأن لها الـحق الأول علي، ولأن الاشتغال في قضايـا هذه الأمـم، بينما أمتي جسم مشلول، يزيد بلبلة قضايا العالم العربي بلبلـة. فأنا لا أؤمن بالتضخم ولا أجد له حسنة.
والذي أراه أنّ في العالم العربي، إذا شئت، قوة واحدة يـمكنها في حال اكتمالها أن تقبض عليه وتصيّر الأغلاط الاجتماعية والسياسية والدينية التي فيه، عاملاً فعالاً في سبيل تـحقيق الغايات الكبيرة النبيلة، هي قوة الأمة السورية.
ومـا زال هـذا العنصر فـاقـد العصبية الـموحدة في ذاته - فاقد استجماع القوى الـموحدة في إرادته الاجتماعية والسياسية - أي ما زال هذا العنصر غير عالم بـمواهبه الـخاصة التي يجب أن يعوِّل عليها، ومجزءاً بين مختلف السياسات الـمذهبية والطائفية والعوامل الطبقية والشخصية، وقوى عقول شبيبته الـممتازة مبعثرة بين مختلف الآراء والعقائد، وموزعة على بيئات تخرج من متناوله ومقدوره، فلا أرى للأمة السورية خيراً ولا أرى خيراً للعالم العربي.
أعترف أني أغرقت في سوريتي حتى نسيت العالم العربي ومشاكله. ولكن مهما بالغت بالنسيان ومهما طال أمره فذلك لن يبعدنا عن العالم العربي. بل هو سيقربنا إليه. ونحـن قد استيقظنـا واستخـرجنـا مواهبنـا من مدافنها ووجدنا قوانا الـمبعثرة في إرادة واحدة نافذة. ونتائج الفعل غير نتائج القول. ولقد قربت من نقطة حساسة في نفسي لا أريد أن أسميها الآن، لا أريد أن أحدثك عما يكنّه فؤادي للعالم العربي. أريد أن أفعل واجبي تـجاه أمتي أولاً لتستطيع أمتي أن تفعل واجبها نحو عالـمها ثانياً.
إنني أؤمن أنّ الأمة السورية هي الأمة الـمؤهلة للنهوض بالعالم العربي، ولكنها لا تستطيع القيام بهذا العمل إلا إذا كانت ذات عصبية قوية في ذاتها لـجعل ثقافتها مسيطرة وإرادتها نافذة.
لقد وقفت نفسي على توحيد أمتي وتقوية معنوياتها وإبراز مواهب شخصيتها حتى تصبح الآمال التي تـجول في مخيلة رجال سورية أفكاراً قابلة التحقيق بتولد القوة الفاعلة فيها.
هـذا موقفي، عسى أن يـكـون جليـاً لـديك وأن أسمع منك ما يزيدني نشاطاً واسلم لصديقك.
بيروت في 15 يناير/كانون الثاني 1935
أنطون سعاده