(- مـمنوع الدخول،
هكذا بادرني الـحارس الواقف من الصباح إلى الـمساء على بوابة منزل الزعيم وهو يقطّب ما بين حاجبيه، وينظر إليّ بطرف عينيه نظرات حذرة، مشككة ويقيسني من رأسي إلى قدميّ، كأنه يريد أن يعرف كم هو وزني؟ وما هي وظيفتي؟ ومن أنا؟ وماذا أريد؟
- ولكنني صحفي يا سيدي،
فيهز رأسه ويتمتم كلمات لم أفهمها، ويغيب برهة ثم يعود إليّ وجبينه لا يزال مقطّباً ويقول لي بلهجة ناشفة جافة كأنها خارجة من قبر: تفضل.
ودخـلت فإذا الزعيم بجبهته العالية وقامته الـمنتصبة يستقبلني بابتسامة هادئة لطيفة، وأتقدم منه وأصافحه فيشدّ على يدي بحركة عصبية عنيفة وهو يقول: أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً:)
- أما بعد السلام والتهنئة فقد جئت لآخذ حديث منكم لـجريدة الـمعرض.
- تفضل.
س - أي شعور خالـجكم حين انكشاف أمر الـحزب؟
ج - لم يكن هذا الشعور فجائياً، فقد كنت متوقعاً حدوث مثل هذا الأمر، وأول ما فكرت به هو ردّ الفعل الذي يـمكن أن يحدث في مختلف جهات الـحزب، وما قد يولّد الـخوف من أن يكون القبض على أركان الـحزب قد أنهى الـمسألة، ولكن ثقتي بالنجاح لم تتزعزع.
س - أي شعور خالـجكم ساعة خروجكم من السجن؟
ج - الشعور بالانتصار على تـجربة كانت خطرة.
س - الآن وقد فك الـحجز عنكم، فهل أنتم مستعدون للنضال في سبيل الـمبدأ الذي اعتنقتموه؟
ج - بدون شك لأن مبادئنا هي مبادىء الـحياة ومصالح الـحياة وإرادة الـحياة.
س - ماذا كان موقف الشباب منكم بعد خروجكم من السجن؟
ج - لاحظـت بعـد خـروجي من السجن أنّ معنوية أعضاء الـحزب أصبحت أضعافاً من القوة التي كانت قبلاً، ولاحظت أيضاً أنّ إثارة الإشاعات حول حزبهم ومبادئه كانت عاملاً في شحذ أفكارهم وجلاء عقائدهم.
س - ما هو موقفكم من الـحلف العربي؟
ج - لا تتضارب القومية السورية مع فكرة إيجاد جبهة عربية تؤمن صيانة مصالح الأمـم التي تشترك بها، ونحن مستعدون كل الاستعداد لدرس أي مشروع معيّن واضح لهذه الغاية يؤمن مصالح هذه الـجبهة من غير أن يعرّض حقاً أساسياً من حقوق سيادة أمتنا وحياتها، بل نحن على استعداد لوضع مشروع من هذا النوع في أول فرصة مناسبة.
س - ما هو رأيكم في الـمفاوضات السورية؟
ج - أعتقد أنّ ابتداء الـمفاوضات في بيروت سنة 1936 على أساس كان صالـحاً سنة 1928 من الـخطوات السياسية العرجاء، ولا أعتقد أنّ الـمفاوضات من الـجانب السوري كانت منذ بدئها مجهزة تـجهيزاً فنياً كافياً لتحقيق مـمكنات الـحالة السياسية، وأعتقد أنه كان يجب إتـمام بعض الشروط الضرورية لتأمين الـجبهة القومية قبل سفر الوفد؟
س - ألا تشعـرون بصعوبـة العمـل في هـذه البلاد التي عملت على قتل روحيتها عوامل عدة؟
ج - لا أنكر أنّ هناك صعوبات كثيرة ناتـجة عن اتباع أساليب سياسية عتيقة أفسدت معنوية جزء كبير من الأمة، ولكن النهضة الـجديدة ترتكز على قوى من الأمة جديدة وموارد من قوّتها الـجديدة ولي الثقة بانتصارها.
س - من هم السوريون الذين تعتبرونهم يشكلون أمة؟
ج - هم كـل العناصر الـجنسية التي أصبحت مع مرور الزمن تشكل الـمتحد الاجتماعي السوري بعامل الـحياة الـمشتركة في البيئة السورية.
س - ما هو موقفـكم من الهجـرات الأجنبيـة كالأرمـن واليهـود والأشوريـين وما شاكـل؟
ج - كل هجرة تكون خطراً على معنوية الأمة أو ترمي إلى خلق أمة إلى جانب الأمة السورية هي خطر محاربته واجبة، إننا ضد الهجرات الكبيرة التي لا تبرح مستبقية خصائصها والتي لها مبادىء أساسية تنافي الاندماج في جسم الأمة.
س - ما رأيكم في الأقليات؟
ج - إنّ مبدأ فصل الدين عن الدولة، الذي هو مبدأ من مبادئنا، يجعل التكلم عن الأقليات الدينية نوعاً من التفنن في الكلام أو في حصر الكلام ضمن حدود روحية معينة.
س - هل لكم ما تقولونه بـمناسبة حوادث سورية الـجنوبية ووعد بلفور؟
ج - كان أول عمل قمت به بعد خروجي من السجن أن أرسلت برقية أحيّي فيها شهداء سورية الـجنوبية... إنّ نهضة الـحزب السوري القومي ستؤمن بقاء سورية للسوريين وتوقف امتداد العناصر الـخطرة في البلاد. أما وعد بلفور فهو من أغرب الوعود الأثيمة الـمنافية لـحقوق الأمـم، ولا أعرف أنّ التاريخ سجّل أغرب من هذا الوعد.
(وهنا دخل الـحارس يخبره بقدوم وفد من السيدات، فودّعته شاكراً وخرجت، فإذا بـمندوب جريدة الأيام الدمشقية جاء أيضاً ليأخذ حديثاً لـجريدته.)