لـمراسلنا الـخاص: إنّ الدعايـة «العروبيـة» القائمـة على العاطفة الدينية واللغوية فقط، والسائرة بعناية الـجامعة العربية هنا، التي أصبحت فرعاً لـمكتب فخري البارودي، وخاضعة لتعليمات فؤاد مفرج، شريك فخري البارودي تـحوّل أفكار السوريين عن الاشتغال بقضية وطنهم السوري والدفاع عن جزئه الـجنوبي إلى الغرق في حلم العروبة الذي يريهم إمبراطورية مـمتدة من جبال طوروس إلى الـمحيط الهندي ومن بلاد فارس إلى حدود موريتانية الغربية. وعوضاً عن أن يقوم السوريون في الولايات الـمتحدة حيث لهم مكانة أدبية ومالية، ويُفهموا الرئيس روزفلت أنّ قضية فلسطين هي قضية بلادهم ووطنهم الذي لا يـمكن أن يحيا إلا بدورته الاجتماعية والقومية التامة، وأن يبيّنوا له أنّ تقسيم ذلك الوطن إلى مقاطعات عديدة وتوجيه كل مقاطعة بواسطة السلطات الأجنبية توجيهاً لا قومياً خاصاً، قد سبّب هجرتهم إلى هذه البلاد وسلخهم عن وطنهم العزيز الذي يتوقون إليه دائماً، عوضاً عن أن يقوموا بعمل عظيم من هذا النوع، نراهم يطبلون لكتابٍ وجّهه ابن السعود إلى روزفلت أو كلمة فاه بها السويدي أو أي رجل من الأقطار الشقيقة.
ونراهم مسيّرين في فوضى هذه الدعاية العربية آناً والإسلامية حيناً، دون أن يفكروا أنّ القضية هي أولاً قضية وطنهم السوري.
وعامة الشعب هنا لا يـمكن أن تدقق وتدرس الأمور كما هي، بل تسير بعاطفتها الطيبة وتؤيد كل ما يقوله الـمتزعمون، وتدفع مالاً لا تعرف كيف ينفق.
فـ «الـجمعية العربية» هنا قد جمعـت منذ سنتين إلى اليوم أربعة وثلاثين ألف دولار لتدفع إلى لـجنة الدفاع عن فلسطين الـمجاهدة، ولكنها عوضاً عن أن تدفع الـمبلغ بعد حسم بعض الـمصارفات البسيطة فقد سببت لها الوفود العديدة مصاريف كبيرة لإقامة الـحفلات والولائم وقد حوّلها فخري البارودي إلى محطة إذاعية عن العروبة وقرب تـحقيقها.
هكذا نرى السوريين النابهين والـمخلصين يسيرون مع هذا التيار العروبي تاركين بلادهم يجزئها الأتراك والفرنسيون واليهود والإنكليز، منتظرين أن تتم أعجوبة غريبة: فتتألف الإمبراطورية العربية بين عشية وضحاها، وفي هذا الانتظار تلفظ الأمة السورية أنفاسها بين الـجهل والاستعمار. وكل يوم نرى وفداً جديداً آتياً لـجمع الإعانات وللقيام بالدعاية لفلسطين ولا نعلم حقيقة مِن قِبَلِ مَن وبالنيابة عن مَن يأتي هؤلاء «الوطنيون». بالأمس جاء فخري البارودي يرافقه شريكه فؤاد مفرج، ثم جاء السيد جميل بيهم ورفيقه، واليوم يصل الريحاني ولا نعلم من يصل غداً. إننا رغم وجود بعض الـمخلصين بين هؤلاء القادمين كالسيد جميل بيهم، لا نرى بداً من التساؤل عما إذا كانت هذه الفوضى ستدوم وعما إذا كان يجب أن نسكت عنها إلى النهاية.
إنه معلوم أنّ فخري البارودي وشريكه فؤاد مفرج هما صاحبا شركة خاصة تُدعى «مكتب فخري البارودي للدعاية والنشر»، وهذه الشركة التجارية الاستثمارية، الـمستثمرة عواطف بعض السوريين الطيبة، لا تـمثل مقاماً رسمياً في البلاد بل تعمل لـحسابها. والـمعلوم أنّ الريحاني كان قبل هذه الزيارة منزوياً في الفريكة يشتغل في التأليف، في تأليف كتاب عن لبنان كما تقول الهدى، وها نحن نراه يظهر بغتة على مسرح الدعاوة لفلسطين والعرب، فقد أصبحت قضية سورية الـجنوبية أغنية محزنة «يغنيها» كلٌّ على «ليلاه»، وحقلاً إستثمارياً مشاعاً يـمرح فيه الـمتاجرون بالوطنية حسب أهوائهم ومعارفهم الشخصية. أمَا حان للمؤسسة القومية أن تقف أخيراً في وجه الانتهازيين الذين يتخذون من الطوارىء والـحوادث وسائل لظهورهم ولـمنافعهم!