عزيزي نصوح،
وردتني البرقية بعد ظهر 20 الـجاري وقد سبقت البريد بيوم. ولم يقلقني ورودها كثيراً، لأني لم أستشعر من عبارتها وقوع أي أمر، ولكني تيقنت أنّ الـمشادّة تشتدّ وتأخذ دوراً جديداً. فهنالك جماعة ذات مصلحة تريد أن ترى الزعيم مقضياً عليه على كل حال. ثم وردني البريد مساء اليوم الثاني فقرأت فيه تقرير رئيس الـمجلس الأعلى والتقارير والكتب الأخرى الواردة معه، وتقرير منفّذ البقاع ومنفّذ دمشق ومفوض داخلية الشام، وسأكتب هنا بصورة مختصرة ملاحظاتي في الهامّ في الـمواضيع وأترك الإسهاب في بعض الـمسائل إلى أن تكون قد ترتبت كيفية الـمراسلة بيننا.
إني أرسل هذا الكتاب بطريق فلسطيـن. وقد رأيت إرساله ضرورياً، خصوصاً بعد قراءة نبذة البشير التي فعلت حسناً بإرسالها إليّ في الـحال. فهذه النبذة تدل على الاتـجاه الـجديد للمؤامرة على سلامتي. وأعتقد أنّ الـمصدر لإثارة مسألة فتح تـحقيق جديد في قضية مطبعة الرابطة وتأديب الغريّب، التي قام بأمورها أعضاء من الـحزب تبيّـن أنهم أقدموا على تلك الأمور بدافع غيرتهم على حزبهم، منهم جورج حداد - نـجيب الصائغ وشركاؤهما. وإني أرى أنّ محاولات جدية ستوجه في هذا الاتـجاه، لأنّه الاتـجاه الوحيد الذي له قابلية إعادتي إلى قبضة أعداء قضيتنا وذوي الـمصلحة في انهيار الـحزب السوري القومي.
إنّ هذا الاتـجاه، إذا وجد مجرى عملياً، كان من الأساليب الشائنة في الـحرب السياسية القائمة بيننا وبين خصوم القضية القومية. وإني أريد أن أوجه نظركم جميعاً إلى خطورة هذه الـمناورة الـجديدة لإلقاء القبض عليّ، حتى ولو كنت قد أصبحت خارج الـحدود، فإنه اتـجاه يحرج مركزي كثيراً على ما أظن. ولذلك أقول إنه يجب عليكم اتخاذ جميع التدابير الآيلة إلى إحباط هذه الـمناورة، ومنع هذا الاحتيال القضائي الذي يحاول خصومنا التذرع به للتمكن من الزعيم. وهذا يعني أنه يجب القيام باتصالات سياسية وقضائية توجد سداً في وجه هذا الاحتيال على العدل.
حالـما قرأت خبر البشير شعرت أنّ مركزي قد تـحرّج منذ الآن، وفكرت في الانتقال إلى مكان قريب من هنا إلى رودس، ولكن نفاذ الـمال أبطل هذه الإمكانية، ولو كان معي مال كاف للانتقال لانتهزت فرصة عند الساعة التاسعة صباحاً وهي فرصة لا تصح إلا مرة في الأسبوع. والآن يجب عليّ أن أنتظر أسبوعاً كاملاً ومع ذلك فلست أدري إذا كان الـمال الذي سأتسلمه بالبريد القادم يكفي للانتقال.
كنت قد أرسلت كتاباً إلى عزيز ثابت بواسطة [جبرائيل] مالك في مصر أطلب منه فيه إمدادي ببعض الـمال. وقد وردني أمس كتابان بالطيارة الواحد من مالك والآخر من مدير فرع مصر، ويقول مالك إنّ عزيزاً في شبه جزيرة سيناء يقوم بـمهمة أوفدته لها شركته وغير معروف موعد رجوعه إلى مصر.
وقد خابرت في البريد الـجوي الأخير السيد باسيلا ليمدّني ببعض الـمال بسرعة. وكنت أنتظر أن يـمدّني نايف [قعوار] بشيء من بيع الكتاب، ولكن حتى الآن لم يردني شيء. كنت أتوقع، ولا أزال، أن يردني شيء من [أسد] الأشقر. وقد وردني مع رسالتك الأخيرة رسالة مختومة برسم البريد الـجوي ففتحتها فإذا هي من أسد الأشقر وتشتمل على كتابيـن في تاريخ واحد. الأول تهنئة لي بخطاب أول مارس/آذار الذي يقول أشقر إنه صيّر بعض الأعداء قومييـن ملتهبيـن.
وفيه أنّ خالداً يتألم من وجوده هناك، وأنّ أحواله التجارية غير حسنة إذ قد خسرت تـجارته هذه السنة. وأسد يقول إنه سيعـوض عليـه مـن بيـع كتـاب نشوء الأمـم.
يقول أسد إنه حرام أن يبقى خالد في أفريقية، وإنه يفكر باصطحابه معه إلى الوطن، إذ إنّ أسداً قد ابتدأ يصفّي أشغاله، والظاهر أنه أثّر فيه كتابي الذي يقال إنّ التحري صادروا نسخة منه. وهذا الكتاب يفتح أمامي إمكانية عملية ذات وجهيـن: إما اصطحاب أسد وخالد معي في سفرتي إذا قُدِّر لي القيام بها، وإما إرسالهما إلى الوطن كبدل لبعض العامليـن وسند قوي في العمل. ومهما يكن من الأمر فإنّ تعليماتي السابقة بخصوص الشخصيـن اللذين طلبت أن يستعدا لـمرافقتي تظل قائمة الآن بانتظار تعليماتي النهائية.
إذا لم تأخذ الـمحاولة التي تشير إليها البشير أي وجه عملي، فإنّ برنامج الرحلة يـمكن أن يسير بانتظام، ولكن إذا حدث العكس فيصبح عليّ الالتجاء إلى برنامج آخر وهو ما سأكتبه بالـجفر. كنت من زمان طلبت من الأميـن [عبدالله] قبرصي أن يعطيني قائمة لها علاقة بإمكانيات الـمحاولة الـمنشورة في البشير، ولكنه نام على طلبي كما نام على كل الأمور التي لها علاقة بحياة الزعيم وتنفيذ خططه. فهو لا يعرف أن يصدع بالأمر، وله تقديراته الـخصوصية التي يسمح لنفسه أن يجعلها تتعارض مع تخطيط الزعيم، فيعرّض هذه الـخطط للفشل، إنّ هذه القائمة تكون ضرورية لي احتياطاً ضد الـمؤامرة السافلة الوارد خبرها في البشير.
في كتاب أسد هذه الفقرة «مدرسة قومية: كثيرون هم الأقارب والأصحاب القوميون الذين سيوكلون إليّ أمر أولادهم في الوطن، فهل بالإمكان الاتفاق مع مدرسة من الطبقة الوسطى على استخدام معلميـن ومعلمات من الـحزب، ونحن نقدّم لها تلامذة عديدين لا يقلّون في بادىء الأمر عن الـخمسيـن؟ أو لعل بالإمكان تأسيس مدرسة قومية؟» وفيه أيضاً فكرة إخراج فيلم قومي يضع له تصميماً جميلاً وسأجيبه عليه.
إذا حدث تطور جدّي في مسألة إعادة فتح القضية الـمشار إليها في البشير يجب إبلاغي برقياً لكي لا أؤخذ على حيـن غرّة وفي هذه الـحال يكون اتـجاهي [أوروبة] ونعمة [ثابت] يعرف.
تقرير الـمجلس الأعلى: تقسيمات الـمناطق - لا يـمكن أن يحدث خلاف حول هذه الـمسألة إلا بإهمال دستور الـحزب. ففي الـمرسوم الدستوري عدد 2 الـمادة الثانية نص صريح على هذه القضية ونظرية الأميـن ثابت هي الصواب في تفسير الـمسألة والصلاحية بصرف النظر عن الدستور.
اللجنة التنفيذية: تدبير حسن ولكنه سيتضارب من بعض الوجوه مع العمل في الـمناطق.
توجيهاتي: يجب زيادة الاستعداد للطوارىء. وإذا كان الـخصوم سيلجأون إلى وسائل غير مقبولة ويستعملون اللؤم فيجب الاحتياط لإحباط جميع مؤامراتهم والوقوف موقفاً عاماً هذه الـمرة، لأنّ الصراع هذه الـمرة أساسي وفاصل لأنه يتناول مؤامرة تدبّر للقضاء على الزعيم ومنع النهضة القومية من الاستفادة من ابتكاره وتخطيطه، ويجب أن يوجه الأعضاء إلى هذه النقطة وتقوية استعداداتهم لـجميع الطوارىء والأحداث.
سأعود إلى الكتابة حالـما أطمئن إلى الـحالة وطرق الـمواصلة. وقبل أن أختم أقول إنّ أسد يشير في كتابه الأخير إلى شوق الناس إلى كتاب نشوء الأمـم، فيجب إرسال العدد مهما كلف الأمر ومهما كان نوع الاستعانة. كذلك يجب إرسال عدد إلى الولايات الـمتحدة والـمكسيك والبرازيل وإلى صحف الـمهجر.
أخبرني إذا كانت رسالتي الـمؤرخة في 15 - 16 الـجاري قد وصلت. سلامي لك وللعائلة.
ولتحيى سورية.