منذ أوجـد الـجنرال غـورو، بالاتفـاق مع الـمراجع الإكليريكية الـمارونية وطائفة من النفعيين والرجعيين في لبنان، لبنان الكبير، وبعض الكتّاب والصحافيين اللبنانيين، الذين قبلوا هذا الانفصال وأذعنوا للإرادة الأجنبية لا يفتأون يسممون أفكار الشعب بتضليلهم وتشويشهم الـحقائق، ويحملون الـحملات تلو الـحملات على اللبنانيين الذين لم يـذعنوا للإرادة الأجنبية، ولم يقبلوا فكرة الانفصال واختراع «القومية اللبنانية»، ناعتينهم تارة بالـخيانة وطوراً بالـمروق من «الوطنية» وبغير ذلك من النعوت.
وصـارت هـذه الـوقـاحـة حـيـلـة مـن حـيل التعيـش عند الصحـافيين الذين كان من نكد الدنيا وسوء طالع الشعب أنهم دخلوا الصحافة بدون كفاءة ليكونوا وسيلة من وسائل البلبلة والفوضى، وليزيدوا طين الأمور القومية بلّة. فلا يكاد الواحد منهم يصطدم برأي لبنانيين أحرار يرفضوا ما فرض على الشعب في لبنان من قِبل إرادة أجنبيـة، حتى ينعـي عليهـم «الـمروق من الـوطنيـة»، أو «خيـانـة الـوطـن»، أو «تفريق كـلمـة اللبنـانيين»، أو غيـر ذلك. وأكـثر ما تـكـون غيـرتـه «الـوطنيـة» على منافعه الـخصـوصـيـة من انتشـار جـريـدتـه بـاسـم الـوطـن الـديني الـذي صـار من دعـاتـه لـمصلحة الإرادة الأجنبية.
ولـكـي لا يظـل الكـلام مطـلقـاً بـدون شـواهـد وأمثـلـة تسـاعـد غير الـمتخصص على معرفة واقع الأمر، نقول إنّ صاحب جريدة متلبننة في هذه الـمدينة ساءه عدم إقرار رافضي الانفصـال بالقـوميـة اللبنانيـة الـمخترعة حديثاً بعد الـحرب الـماضية، فراح يحمل عليهم ويتهمهم مباشرة، أو مداورة، بالتخلي عن «الواجب الوطني» ويقول إنه يقصد من كلامه «إرجاعهم إلى رشدهم».
وهـذا الـداخـل على الصحافـة والسياسـة، وليس الوحيد من نوعه، يظن أنّ السفسطة والتخليط والهفت دعامات قوية يـمكن أن تقوم عليها قضية شعب أو يقرر بها مصير أمة. وإليك مثالاً من هفته وسفسطته:
«وعندمـا كنت أسـأل الواحد منهم (أي من الذين لا يصرّحون بلبنانيتهم) «إذا أردت أن تسافر إلى خارج البلاد الأرجنتينية، أو ترغب أن تثبت شخصيتك تـجاه الـمحاكم في الـمعاملات الرسمية، فماذا تكون شهادتك القانونية؟» فكان يجيب على سؤالي له «بأنها تكون لبنانية» ومع هذا كله فهو ينكر، بدون أن يعرف فظاعة نكرانه، «بأنه» لبناني».
ويتوهم هذا الهفّات أنّ القومية التي هي روح الشعب وشعوره بشخصيته تقوم على مثل هذه الـمسائل وعلى الـحالات العرضية الواقعة. ويظن، فوق ذلك، أنّ الواقع العارض يلغي الإرادة العامة وحرية الرأي، وأنه يـمكن تـجريد أمة من شخصيتها بـمجرّد تقرير إرادات أجنبية تغيير هذه الشخصية. وهذا الهفّات، الذي يريد أن يحاسب الناس بهفته وثرثرته يعرف، أو لا يعرف، أنّ ما يقوله يناقض ليس فقط الـحقائق الأساسية التي تبنى عليها شخصيات الأمـم، بل والـحوادث الراهنة التي لم يرفض علمه الواسع الـموافقة عليها وقبولها.
من هذه الـحوادث إعلان السوريين قبل الـحرب العالـمية الـماضية وفي أثنائها وبعدها موقفهم من تركية. فجميع السوريين، ومنهم اللبنانيون، كانوا يحملون هوية عثمانية. والـمغتربـون منهم في الأرجنتين كانوا إذا أرادوا الانتقال إلى خارجها أو إثبات شخصياتهم تـجاه الـمحاكم في الـمعاملات الرسمية يضطرون للحصول على شهادات قانونية تركية. وهذا هو سبـب إطلاق الأجانب لفظة «توركو» على السوريين. ومع ذلك فجميع الســوريين، ومن ضـمنـهـم اللبنـانيـون، كانوا يرفضون الشخصية التركية ويتمسكون بشخصيتهم السورية.
إنّ الاختلاف في الدم لا يؤثر في حقيقة هذا الـمثل. فالـمعروف أنه لا توجد أمة واحدة في العالم من دم واحد في الأصل. ولو شاء السوريون الاندماج في الأتراك واعتناق القومية التركية لكانوا يُعرفون الآن بأنهم أتراك أقحاح. والسبب الذي منع السـوريين مـن أن يـكـونـوا أتـراكـاً هو عينه الذي يـمنعهم من أن يكون بعضهم لبنانيين، وبعضـهـم فـلسـطينيين، وبعضهـم أردنيين، وبعضهـم غير ذلك. وهذا السبب هو أنّ هذه النسبات أوجدتها إرادة غير إرادتهم وفُرضت عليهم فرضاً بالقوة. فالأتراك أعطوا السوريين جوازات سفر تركية غصباً عنهم، والفرنسيون أعطوا بعض السوريين جوازات سفر لبنانية غصباً عنهم. «فالدولة اللبنانية» لم يعلنها مجلس تأسيسي لبناني منتخب من الشعب، بل أعلنها قائد جيش أجنبي محتل بالتواطؤ مع بعض الـمؤسسات الدينية والإقطاعيين والنفعيين.
هذه هي حقيقـة نشـوء هذه «القومية» الـمخترعة وهي حقيقة تاريخية لا جدال فيها ولا سبيـل إلى النكـران والـمماحكـة. وحقيقـة أخـرى من الـحقـائـق الـمـؤلـمـة الـمتعلقـة باختـراع «القـومية اللبنانية» هي اعتقال أعضاء مجلس إدارة لبنان ونفيهم جميعاً إلى جزيرة كرسكة ثم نقلهم إلى باريس حيث تـمكن أحدهم السيد سليمان كنعان من الفرار بحيلـة لطيفـة خـدع بها شرطة العاصمة الفرنسية، على ما هو مشهور، وقد ألقت فرنسة القبض على أعضاء الـمجلس الإداري اللبناني لأن هذا الـمجلس قرر عدم قبول سياسة الفصل التام بين لبنان وبقية سورية، ولأنه عزم على تنفيذ قراره بـمخابرة حكومة فيصل([1]) في الشام والاتفاق معها على خطة واحدة، وتقديـم مذكرة إلى الـحكومة الفرنسية نفسها بقرار الـمجلس.
ولكن لقطاء السياسة والـمتعيشين بالصحافة لا تهمهم الـحقائق. وصاحب التهجم على فئة من كـرام اللبنانيين الذين يرفضون ما تقرره الإرادة الأجنبية في البلاد لا يرى فرقاً بين دولة يعلنها شعب حي بـمطلق إرادته، ودولة يعلنها قائد جيش محتل وتفرضها القوة الـحربية الأجنبية على الشعب.
وأغـرب من كـل ذلك في أمر هذا الهفّات الصحافي أنه ينكر على السوريين الذيـن يـلومون أصحـاب الدعوة الانفصالية في لبنان ما يجيزه لنفسه ومن كان على خطله في تعنيف اللبنانيين الذين يؤيدون الوحدة السورية، وينكرون الانفصال اللبناني الـضارّ بالسـوريين جميعهـم من لبنـانيين وشـاميين وفـلسطينيين وكيليكيين. وكان الأحرى بهذا الصحافي الـجاهل أن ينصرف إلى التجارة أو الزراعة فيربح مالاً من غير إلـحاق أضرار بالـمجموع.
ليس هذا الصحافي الهفّات الوحيد من نوعه في الـمسائل القومية. فهنالك عدد غير قليل من أمثاله، وبعض هذا العدد ليس على درجة الـجهل والـحماقة التي هي عليها ذاك الواغل على السياسة، ولكنه قد يكون على درجة أعلى من النفاق. وفي مقدمة هذا العدد السيـد سـلـوم مكـرزل صـاحـب «الـمطبعة السورية» وصاحب جريدة الضلال التي تسمى الهدى الـمتلبننة. فهذا الصحافي الذي كان صاحب مجلة تصدر بالإنكليزية وتسمى العالم السوري كان يقول إنّ مجلته أنشئت «لـخدمة السوريين قبل كل شيء»، وهو يعني بالسوريين اللبنانيين أيضاً. وقد كتب مقالة بالإنكليزية في مجلته الـمذكورة صدر في عدد سبتمبر/أيلول 1930 يقبّح فيها التقسيم الذي أحدثه الأجانب في سورية ويؤكد وحدة سورية التاريخية والـجغرافية ومن أقواله في الـمقالة الـمذكورة التي لم يطل عليها العهد قوله:
«إننا لا نوافق على أن يقال لبناني سوري، أو فلسطيني سوري، أو سوري عربي. فسورية في نظرنا وحدة جغرافية مستقلة ونحن ملزمون حتماً بالاعتراف بها. من سورية جئنا وباسمها يجب أن نُعرف».
ومـع أنّ صـاحب هذه الـمقالة لا يقصد غير حقيقة القومية التاريخية والـجغرافية كعلم، إذ هو يقول في الـمقالة عينها «إننا في أميركة أميركيون قبل كل شيء»، فهو هو نفسه يريد اليوم إنكار هذه الـحقيقة ويطالب بوجوب القول «لبناني سوري»، أو لبناني وسـوري، ويحـاول أن ينكر على الأستـاذ حبيب كاتبه قوله إنه سوف لا يعرّف مستعمراتنا في أميركة بغير الإسم السوري.
ومثل هذا الـمنافق في الوطنية والقومية يوجد عدد غير يسير، منهم السيد شكري الـخوري صاحب جريدة أبو الهول الـمحتجبة التي كانت تصدر في سان باولو البرازيل. فهذا الصحافي غير الـمثقف ظل يضج ويصخب في جريدته على الذين لم يقبلوا اختراع «القومية اللبنانية» من اللبنانيين ويتهمهم بالـخيانة لوطنهم. وكان أسفه ما كتبه من هذا القبيل ما وجّهه إلى زعيم الـحزب السوري القومي الاجتماعي وأعضاء هذا الـحزب اللبنانيين، ولكن هذا الشخص لم يكن أو لم يصر لبنانياً إلا بعد أن ظهرت نية فرنسة، أثناء الـحرب الـماضية وبعدها، على تـجزئة سورية. ففي رواية ألّفها هذا الشخص وطبعها سنة 1904 وتدور حوادثها بين أبي يوسف ونـمر كتب صاحبها «بياناً صغيراً» في مقدمة الرواية أرّخه في 15 فبراير/شباط 1904 قال فيه:
«أيها القارىء الكريـم، إن كنت من البارعين في القراءة، أو من الذين يهجئون الكلام تهجئة، فإنك سوري تعرف لهجة سورية العامية. فاقرأ هذا الكتاب بذات اللهجة التي تـحنّ إليها وتـحبها، الخ».
ولو قال اليوم هذا القول أي لبناني آخر لـما وفي قاموس التعابير السفيهة بـما كان يقتضيه تـحمس السيد الـخوري وهوسه.
ونغمة الـحملة على الذين لم يقبلوا فكرة الانفصال اللبناني من اللبنانيين تعزف في أكثر الصحف التي أنشأها أو يديرها أصحابها بقصد التعيش من النعرة الدينية التي يحاول الإكليروس الـماروني خاصة تدجيلها بصبغة «قومية لبنانية» يتزعم القائلين بها روحيـاً غبطـة البطـريـرك الـماروني. وقـد قـرأنا مؤخـراً لأحد عازفي هذا النغم مقالة لشخص إسمه إلياس الـخوري الـمرّ نشرها في جريدة الهدى وفيها يسمّي إنكار انفصال لبنان وانفراده بقومية خاصة، مستحدثة «مكابرة» وينعت اللبنانيين الذين لا يقرّونها بنعت «متعنتين».
ومن الـمتلبننين الذين يدخلون على النغم الانفصالي تلحينات جديدة صحافي في البرازيل يُعنى بالقريض إسمه شكر الله الـجر. فهذا الصحافي الأديب حسب القياس اللاقومي، كان يصدر مجلة في ريو دي جانيرو إسمها الأندلس الـجديدة فلمّا قررت الـحكومـة البرازيليـة منع صـدور الصحف بلغات أجنبية في البرازيل اتّفق مع الكهنة الـمرسلين الـموارنة في بوينُس آيرس على طبع مجلته باسم جديد في مطبعتهم في هذه الـمدينـة. فسماهـا الزنـابق وعـرّفها للناس بأنها «مجلة أدبية مصورة لا تتدخل مطلقاً بالشؤون السياسية». ولكنه لم يكن أميناً في تطبيق صفة الـمجلة. فنشر في بعض أعداد سنة 1941 مقالة طويلة قسمها على بضعة أعداد بعنوان «معضلتنا وكيف نحلّها...». وفي هذه الـمقالة يقول الكـاتب صـاحب الـمجلـة الـمذكورة إنّ «الـحل الوحيد لـمعضلتنا لن يكون إلا بوطنين عربيين: أحدهما مسيحي وآخر إسلامي (محمدي)» وهو يجعل العنوان الفرعي هكذا: «لبنان وطن مسيحي عربي ــــ سورية (الشام) وطن إسلامي (محمدي) عربي». وعروبة لبنان الـمسيحي ليست من مبتكرات هذا الأديب اللاقومي فهي آخر لـحن ألّفه مشعوذو السياسة في لبنان كالأستاذ بشارة الـخوري (الشيخ) الذي قام سنة 1937 يصرّح بأن لبنان عربي نكاية بالأستاذ إميل إده الـمتفرنس، واستمالة للمحمديين في لبنان لينتخبوا قائمته.
يا ليت السيد شكر الله الـجرّ اكتفى بأن يعدّ نفسه «شاعراً وأديباً ينتظر خلوده على «يد» اللغة العربية»، كما يقول في الـحلقة الأخيرة من مقالته الـمذكورة آنفاً الـمنشورة في عدد نوفمبر/تشرين الثاني الـماضي من مجلة الزنابق. ففي الأدب والشعر لا يحتمل أن يتعرض لتضليل فئة من الشعب، بوعي أو بغير وعي. فالـموضوع ليس موضوعه وأفكاره فيه أولية (بريـمتيف) لا تليق بعصر الاختصاص الراقي الذي نعيش فيه. وإذا كان شعبنا، نظراً لضعف ثقافته وكثرة عدد الأميين فيه، يُعدّ كأنه لا يزال في حالة القرون الوسطى، فليس من الضروري أن يُعمى الـمتعلمون فيه عن قوة الـحقائق العلمية ووجوب إعطاء القوس باريها في كل أمر من الأمور الفنية أو العلمية الاجتماعية أو السياسية أو غيرها.
وكان الأحرى أن لا يتعمّد السيد الـجرّ خدع قرّاء مجلته بإلقائه ستار عدم التدخل مطلقاً في السياسة على نياته ومقاصده السياسية التي يظهرها أمام القرّاء ببساطة تبدو كأنها بريئة، في حين أنها تخفي أغراضاً لا يدري أحد أين منتهاها، كما يتضح لأهل التحقيق من عبارته الساذجة الآتي نصها:
«... وأمام هذه الـحوادث والأخطار الـمحدقة بنا يجب أن يكون لنا كمهاجرين حق بإبداء رأينا واحترام شعورنا، وكونه لا جمعيات لنا ولا قناصل ولا صحافة تـمثّلنا، فتَكرَّم وفوِّض هذه الـمجلة التكلم باسمك وثق من إخلاصها لقضيتك ومن صحة تفكير مديرها، الخ». (الزنابق بين قرائها ــــ عدد نوفمبر/تشرين الثاني 1941).
ونعود الآن إلى الـمسألة اللبنانية البحتة. ولا نخاطب الـمتعيشين بالصحافة، فهؤلاء لهم أغراض لا تـمتّ إلى الـمصلحة الشعبية بصلة. فنقول إنّ التفكير في مصير الـمسيحيين في سورية، أو فيما يجب أن يؤول إليه أمر جبل لبنان الذي تقطنه أكثرية مسيحية ساحقة، هو أمر يؤدي إلى آراء متباينة ومذاهب مختلفة لا يجوز الاستناد إلى ما أقرّته الإرادة الأجنبية في صدده لتسفيه رأي الـمخالفين لـما أقرّته هذه الإرادة. فمن الوقاحة الـمتناهية أن يحسب جهّال القضايا الاجتماعية ــــ السياسية أنّ لبنان هو فئة الإكليروس الـماروني والأرثوذكسي وما وراء ذلك من فئات إغريقية ورومية وسريانية وأرمنية، أو فئة الـموظفين في الـمجلس النيابي أو في الوزارة أو في القضاء، أو غيرهم من أصحاب الـمنافع الـخصوصية من الانفصال اللبناني. إنّ لبنان هو الشعب. والشعب اللبناني لم يُستفْتَ في أمر انفصاله واختراع قومية خاصة به. وإذا كان بعض اللبنانيين قد قبلوا ما قررته لهم الإرادة الأجنبية بالتواطؤ مع الإكليريكيين والإقطاعيين مستعبدي الشعب، فذاك أمرهم وحدهم ولا يعني شيء منه البعض الآخر من اللبنانيين وهم أكثرية الشعب، وليس فيه ما يجيز لهم حسبان لبنان ملكاً خاصاً بهم يفرضون فيه ما تشاء أهواؤهم، ويدّعون باطـلاً أنه لا حق لأحد غيرهم أن يكون له اعتقاد آخر وموقف خاص مـما تـجريه الدعاوات الأجنبيـة في وطننـا، وما تـرمي إليه من تفسيخ روحية الشعب السوري وتفكيك أجزاء الوطن السوري، وإزالة كل إمكانية داخلية أو خارجية لقيام الأمة السورية ومطالبتها بصوت واحد بحقها في الـحياة والارتقاء.
إنّ أولئك الذين يطلبون من الآخرين أن يحترموا آراءهم ومعتقداتهم، يجب عليهم أن يتعلموا احترام آراء غيرهم ليعرفوا كيف يحترمون آراءهم وكيف ينتظرون أن يحترم غيرهم آراءهم.
إنّ الشعب اللبناني لم يلفظ كلمته في مسألة الانفصال التام وإنشاء قومية جديدة له. ولذلك فالقومية الأساسية التي كان يعرف بها ــــ القومية السورية لا تزال تنطبق عليه كل الانطباق. ومن لم يشأ من اللبنانيين تغيير قوميته الأصلية ومن تنبّهَ منهم لـحقيقة هذه القوميـة الصحيحـة من جراء تعاليم الـحزب السوري القومي الاجتماعي فلا يجوز أن ينعت بالـمكـابرة والتعنّت وفقد الرشد والـمروق من الوطنية والـخيانة وغير ذلك من النعوت، بل من الوقاحة والقباحة إطلاق هذه النعوت عليه التي يصح أن تُردّ على الذين أطلقوها، وأكثرهم من الذين بان نفاقهم واتضحت شعوذتهم وظهرت مآربهم.
يـوجـد أفـراد من اللبنانيين اعتقدوا بإخلاص، تـحت تأثير الدعاوات الأجنبية الـمبثوثة في كتب وصحف بالعربية والفرنسية وغيرهما من اللغات، أو برأي خاص، أنّ أفضل حالة للمسيحيين في سورية إيجاد دولة مسيحية في لبنان. وهذا الاعتقاد السليم البسيط، مع أنه لا يحلّ مسألة الـمسيحيين في كل سورية، هو على الأقل، اعتقاد مبني على نية سليمة سببه الاقتتال الديني الـماضي. ويـمكن الأخذ والرد مع أصحابه لإقناعهم بغلط اعتقادهم والتبيّن لهم أن لا حلَّ لـمشاكل سورية الدينية والاجتماعية غير حل القومية الاجتماعية التي تفرض إنشاء كيان يكون فيه جميع أبناء الأمة أحراراً متساوين في الـحقوق والواجبات. إنّ هؤلاء ليسوا من نفسية أوئك الـمنافقين والـمشعوذين ولهم حديث غير حديث أولئك.
[1] فيصل الأول: الإبن الثالث للملك حسين بن علي، نودي به ملكاً على العراق في 23/8/1921 بعد فشل ملكه على الشام نتيجة فشل مشروع معاهدة "فيصل-كليمنصو"، وتطور الأحداث التي انتهت بمعركة ميسلون.