سيدي الرئيس، حضرة القضاة الـمحترمين.
إذا كان الـحزب السوري القومي الاجتماعي قد آلى على نفسه تـحقيق القضية التي تـجسدت عندها الرغائب الشعبية ثم استكانت نتيجة استسلام رجالات البلاد يأساً وعجزاً للأمر الـمفعول وانصرافها من ثم للعمل من ضمنه، فمن العجيب إصرار البعض على اعتبار عمل الـحزب لهذه القضية التي تآمرت وتتآمر على التهديـم فيها عوامل واعتبارات أجنبية وداخلية. كيداً للعرب وطعناً بالعروبة.
إن كانت أمة الهلال السوري الـخصيب التي يعمل لوحدتها »الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي غير العرب وكان العرب شيئاً مختلفاً عنها فمن الثابت والأكيد أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يعمل لهذه الأمة بكل عناد وإصرار.
وإن كانت العروبة دعوة عنصرية يقصد منها توليد العصبية لعنصر معين فمن الثابت والأكيد أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي حرب على العصبيات العنصرية وكل ألوان العصبيات الـجزئية الـمهدمة لوحدة الـحياة الاجتماعية.
أما إذا كانت أمة الهلال السوري الـخصيب من العرب فإن العمل لوحدتها وقوتها وسلامتها لا يـمكن إلا أن يكون لـخير العرب وصالح العرب وعزة العرب.
وأما إذا كانت العروبة ليست دعوة عنصرية، بل رابطة لغة تـجمع أبناء الضاد ورابطة أمجاد عربية ساهمت فيها شعوب الضاد، ورابطة مصالح تشترك فيها بلدان الضاد، ورابطة تقارب يفرض تعاون دول الضاد، فليس أكثر من الـحزب السوري القومي الاجتماعي تـمسكاً بلغة الضاد التي كان للسوريين نصيب وافر من انـمائها وغناها وعبرت وتعبر عن أدق خلجات نفوسهم ومكنونات فكرهم واعتزازهم بالأمجاد العربية وقد ساهم فيها السوريون بالقسط الأوفى، وحرصاً على دعم الـمصالح الـمشتركة الناهضة بـمصالح بقية الشعوب العربية وإيـماناً بالتعاون العربي لنعزز من شأن إرادة العرب جميعاً بل وليس أكثر من السوريين القوميين الاجتماعيين مفاخرة بالدين العربي وتراثه التشريعي الشامخ وفقهه السامي العظيم وقد كان للعقل السوري ولأوضاع الـحياة السورية الـخصبة الغنية يد طولي في اخصاب شجرة هذا الفقه الباسقة وانـماء فروعه الـمديدة.
أثناء انعقاد مؤتـمر مشاورات الاسكندرية عام 1944 الذي انبثقت عنه الـجامعة العربية، تقدم الـحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان بذلك الوحيد في العالم العربي كله، من الـمؤتـمر بـمذكرة ضافية يعالج فيها القضية العربية ويحدد أسس التعاون العربي على ضوء مفاهيمه ونظرته.
في هذه الـمذكرة لفت أنظار الـمؤتـمرين إلى أن كون العالم العربي بيئات طبيعية اجتماعية متعددة يتحتم على الـمنظمة العربية الـمشتركة أن تضع في صلب أهدافها تسهيل تـحقيق كل بيئة طبيعية اجتماعية لوحدتها وسيادتها وأن كون العالم العربي عالـماً يشترك في روابط ومصالح أساسية يحتم أن تتركز أسس التعاون العربي على توحيد في شؤون الثقافة والدفاع والـخارجية في ما بين بيآتها الطبيعية، وقد فصّل الـحزب في مذكرته القاعدة التي يراها كفيلة بالوصول إلى التوحيد في شؤون الثقافة والاقتصاد والدفاع والـخارجية فيما بين العرب جميعاً وهي شؤون الـحياة الأساسية الهامة.
والـحزب السوري القومي في مذكرته هذه إنـما كان عاملاً بوحي مبادئه وتعاليمه التي أقسم كل قومي اجتماعي إيـماناً أن يتخذها له ولعائلته وشعاراً لبيته.
اسمعوا سعاده يقول في نص تعاليم الـحزب السوري القومي الاجتماعي:
»إن ايجاد جبهة من أمـم العالم العربي تكون سداً ضد الـمطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار الـمسائل السياسية الكبرى هو جزء لا يتجزأ من غاية الـحزب».
»إن سورية هي إحدى الأمـم العربية وهي الأمة الـمؤهلة لقيادة العالم العربي. وان الذين يعتقدون أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية يضلون ضلالاً بعيداً، إننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي ولكننا نريد قبل كل شيء أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بـمهمتها الكبرى».
»إن الـحزب يرى سلك طريق الـمؤتـمرات والـمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لـحصول تعاون الأمـم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الدولية».
إن الذين يتوهمون العروبة دعوة عنصرية هم وحدهم الذين يعتبرون الـحزب السوري القومي الاجتماعي عدواً للعرب والعروبة. أنه عدو كل عصبية عنصرية تـمزق وحدة الـحياة الاجتماعية وتؤدي إلى قيام ردود فعل عنصرية من ذات النوع تعمل لأوطان قومية خاصة بها وتستغلها في الارادات الاجنبية وتسخرها لاطماعها في وطننا.
بالأمس، قرأت في مجلة روز اليوسف رسالة من كاتب عراقي من أصل كردي يتحدث فيها مفاخراً مباهياً عن الاكراد في العراق وعن شعورهم الوطني ويذكر أنهم جميعهم يعملون لتحرير العراق من النفوذ الأجنبي، حتى إذا تـحرر انصرفوا إلى تـحقيق دولتهم الـخاصة الـممتدة من الـحدود التركية إلى الـحدود الروسية الايرانية.
أرأيتم، سيدي الرئيس، إلى الدعوات العنصرية وكيف تفتك في هذا الشعب فتمزقه وتـمزق وحدة أرضه لتقيم عليها أشلاء من دول متعادية متمايزة فتفسخ حيوية الأمة وحياتها على مذبح هذه العصبيات الـمدمرة.
إن الـحزب السوري القومي الاجتماعي حين يرفض قيام الولاء القومي على أساس عنصري وحين يوضح طبيعة الـحياة الاجتماعية على وحدة الأرض الطبيعية وأن الولاء لها هو كل ما ينبغي أن يتجه نحوه تفكيرنا وتنصب عليه جهودنا بقطع النظر، عن عنصرنا وطائفتنا، إنـما يحرص على أن يوقف أيدي التمزيق والدسائس الأجنبية التي ما انفكت تعمل في هذا الوطن تقطيعاً وتهديـماً.
باطل هو القول بإن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يتنكر للعروبة إذا كانت العروبة تعني،كما ينبغي أن تعني، تعاوناً عربياً رحباً فسيحاً، يضمن القوة والرفاهية لـمصالح جميع الشعوب العربية الـمشتركة فيه.
أما الذين يرون أن مبدأ الـحزب بأن سورية للسوريين والسوريون أمة تامة وبأن مصلحة سورية فوق كل مصلحة يعني إخراج العرب من سورية ويعني جعل الـمصلحة العربية تـحت كل مصلحة فهؤلاء هم العنصريون الذين يفصلون بين السوريين إلى من هم عرب بحكم العنصر ومن هم غير عرب بل سوريين، وهكذا يفهمون بالسوري كل من لم يكن من أصل عربي: إنهم هم الذين يجردون السوريين من عروبتهم لأنهم يتوهمون أن عروبة السوريين شيء يتصل بالعنصر ولا يفقهون هذه العروبة كرابطة لغة وأمجاد ومصالح تسمو على العنصرية وتزدري بها وأنها بهذه الصفة يشترك فيها جميع السوريين أيا كان أصلهم العنصري.
إن سعاده يقول: »ومتى كانت الـمسألة مسألة مكانة العالم العربي تـجاه غيره من العوالم فنحن هم العرب قبل غيرنا، نحن صدر العرب ونحن سيفهم ونحن ترسهم، ونحن حماة الضاد ومصدر الإشعاع الفكري في العالم العربي» إن عروبة السوريين القوميين الاجتماعيين ليست فقط في ايـمانهم بالتعاون العربي الفعال على أقصى نطاق مـمكن بل هي فوق ذلك كله في أمتهم في صلب مبادئهم وتعاليمهم، الزموا أنفسهم والزموا أمتهم برسالة إنهاض وتـحرير وقيادة العالم العربي كله.
إن عروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي عروبة التزامات يحملها نحو العالم العربي ويلزم أمته التي هي من العالم العربي وله بتأديتها: ولن تتمكن هذه الأمة من تأدية التزاماتها، التزامات النهوض والتحرير والقيادة نحو العز ما لم تكن قوية بذاتها، موحدة في نفسها، قادرة على تـحويل هذه الالتزامات حقائق فلا تبقى تخيلات وأحلاماً ومجرد أمنيات حالـمة.
اسمعوا سعاده يقول:
»أن شرط تعاوننا في العالم العربي هو أن نقدر على تقديـم شيء ولكي نقدر على تقديـم شيء يجب أن نكون نحن أولاً شيئاً. لا يـمكننا أن نقدم شيئاً ونحن لا شيء، لا يـمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية».
لذلك نحن نرى أن حركتنا مقوية لأمتنا للعمل والتعاون في العالم العربي لا مبعدة لأنه حين لا تكون هذه الـحركة وبالتالي وحدة الأمة، لا نكن متعاونين معاونين في العالم العربي بل نكون منساقين مجرورين.
وإذا كان في أمتنا من يرى أن نكون عالة على العالم العربي لا نقدم إليه سوى أمراضنا وضعفنا وعجزنا فله شأنه. أما نحن القوميين الاجتماعيين فقد صممنا أن تقوم أمتنا بالدور الذي قامت به إبان النهضة العربية، هذه النهضة التي ما كانت لتكون لولا دور أمتنا فيها، وقد كان دور القيادة والتوجيه وحمل العبء، ولذلك فقد صممنا على القضاء على العجز والـمرض والضعف لنتمكن من النهوض بـمسؤوليتنا والتزاماتنا وإعادة أداء دورنا التاريخي فتعود دنيا العرب دنيا أمجاد ومفاخر وعز.
ليست العروبة كل العروبة هي في كون العالم العربي بيئات اجتماعية طبيعية متعددة والإصرار على اعتبارها بيئة واحدة، فهناك عروبة أخرى هي العروبة الواقعية التي ترى العالم العربي كما هو بيئات ومجتمعات متعددة ولكنها تؤمن بأن ما بين هذه البيئات والـمجتمعات الـمتمايزة من الروابط والـمصالح هو من القوة بحيث يحتم عليها التعاون والتساند وانشاء جبهة عربية واحدة. وأصحاب هذه العروبة الواقعية يؤمنون بأن أمتهم هي التي ينبغي أن تقوم بالدور الفعال في عملية التساند والتعاون وإنشاء الـجبهة العربية وهم يعملون لتكون لأمتهم القوة والقدرة التي تـمكنها من القيام بدورها الفعال وفي ذلك قال سعاده:
»لقد حاربنا العروبة الوهمية لنقيم العروبة الواقعية وإذا كان في العالم العربي عروبة حقيقية صحيحة فهي عروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي والـجامعة العربية هي محاولة تـحقيق لـما نادى به الـحزب. نعم أنها محاولة تـحقيق ولكنها ناقصة».
هذه الـحقائق لطالـما رددها الـحزب السوري القومي الاجتماعي ولطالـما أذاعها وهي الثابتة في نصوص التعاليم التي يؤمن بها القومي الاجتماعي ومع ذلك فإن الذين يحاولون أن يثيروا الدعايات ضد الـحزب يأبون الا إعتباره عدواً للعرب والعروبة أي عدواً لنفسه.
وإذا كانت جهة الادعاء تأبى تصديقنا وتصديق أن مبادئنا تعزز العروبة الواقعية فلقد كان بودي لو كان بين يدي مقال للأستاذ أكرم الـحوراني نشر عام 1936 في جريدة ألف باء الدمشقية لأقرأه لهم وفيه البسط الكافي الوافي لعروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي الـحقيقية.
وإذا كان الـحزب حريصًا على دعم التعاون العربي وتـمتين الروابط التي تشد العالم العربي إلى بعضه البعض، فإن شرط هذا التعاون الضروري لا يكون على حساب وحدتنا القومية وعلى أساس تـجميد أوضاع التجزئة في وطننا.
ومن هنا اعتبارنا الـجامعة العربية محاولة تـحقيق لـما نادى به الـحزب ولكنها محاولة فاسدة ناقصة، فبدل من أن تقوم كما ينبغي أن تقوم على أساس الـمساهمة في توحيد البيئات الـمجزأة جاء ميثاقها يثبت هذه التجزئة نهائياً ويحرم العمل على الـمس بها كما أن سياستها ظلّت سياسة مناوئة لكل فكرة مبدئية لا للمشاريع فحسب التي تهتم بهذه الوحدة.
أذكر أنه عام 1953 وفي القاهرة اجتمعنا نحن الصحفيين السوريين بالاستاذ عبدالرحمن عزام وقد جرت مناقشة بيني وبينه فيما يتعلق بسياسة الـجامعة العربية وقد ختمها هو بحضور بعض الزملاء الصحفيين بقوله: أنني أؤمن أن كل سوري يهمل العمل لوحدة سورية أو ما نسميه نحن في مصر بلاد الشام يجرم بحق بلاده ولكننا نخاف الـمشاريع الاستعمارية.
وإذا كنا نهاجم أحياناً سياسة بعض الدول العربية والـجامعة العربية فليس لأنها تعارض في الـمشاريع الاستعمارية بل لأنها تعارض مبدأ الوحدة مدعية أن فيها تهديـماً لوحدة العرب واجتماع كلمتهم.
أن السوريين القوميين الاجتماعيين كانوا دائماً وأبداً إلى جانب مصر في مطلبها القومي السليم في وحدة وادي النيل ولم يروا في هذا الطلب يوماً من الأيام شيئاً يتنافى مع وحدة العرب لأنهم يؤمنون أن قوة مصر هي قوة للعرب وعزة مصر عزة للعرب، وكل ما يطلبون ويعملون هو أن يقابل الغير مسعاهم نحو وحدة وطنهم بنفس الفهم الواقعي والإخلاص للعروبة الواقعية.