بيروت في 28 مارس/آذار 1947
أيها الشعب اللبناني
وعدتك في بياني السابق، الصادر في 6 مارس/آذار الـحاضر، ببيانات تالية توضح حالتك وتعالج الأدواء التي جلبها عليك، تعسّف الأطباء الدجالين. فهذا بيان ثانٍ أوجهه إليك إتـماماً للوعد.
لا يخدعنك الضجيج.
ليس الـمقصود ما يوهمه الضاجون بضجيجهم.
لا حملة هنالك على الكيان اللبناني ولا قول بإلغاء هذا الكيان، بل هنالك تصريح عميق الـمعنى أخفاه الضاجون لأن كتمان الـحق عندهم من الإيـمان.
ذاك التصريـح العميـق الذي يريد الضاجـون أن يحجبـوه عنـك هـو قولـي في خطابي في الثاني من الشهـر الـحاضـر: «إنّ الكيـان اللبناني هو وقف على إرادة الشعب اللبناني.»
هو وضع حق تقرير مصيرك في يدك لأنك أنت وحدك لبنان وأنت وحدك الكيان اللبناني ولا يجوز لقوة في داخل هذا الكيان أو خارجه أن تلغي إرادتك وسيادتك.
فإذا لم تكن أنت مرجع الأمر الأخير في لبنان، فأين عزّك، وأين كرامتك، وأين استقلالك؟
وما هو الاستقلال الذي نلته؟ أهو استقلال الثلوج على الكنيْسة وصنين وفم الـميزاب وحرمون، وهذا كان دائماً وأبداً مستقلاً، أم هو استقلال الصخور والتراب والنبات، وهي أيضاً مستقلة من قبل، أم هو استقلالك أنت أيها الشعب لتكون حراً في تقرير مصيرك واختيار أي وضع تريده؟
إني أقول إنّ استقلالك هو في سيادتك وحريتك، وإنّ كل شيء في لبنان إنـما هو لك، أنت صاحبه وأنت صاحب الـحق في التصرف به.
والدجـالــون يقولـون إنّ محـض مـا هـو حــدث يقيــدك فـلا حريـة لك غيـر حريـة الإذعـان!
أعود فأقول لك، أيها الشعب اللبناني، إني منك ولك وإني مستعد لـحماية سيادتـك من كل إرادة خبيثة تريد أن تـحرمك الـحرية والـحق وأن تكبّلك بقيود الـخنوع والذل.
أنت وحدك صاحب هذا الكيان، هو وقفٌ عليك.
كل من يقول غير ذلك هو عدوك وعدو كيانك، لأنه عدو سيادتك وحريتك.
لا يخدعنك الضجيج!
هو باطل يراد به باطل!
هو ستار من الدخان يحجب الـحقيقة عنك. فما هي هذه الـحقيقة؟
هي فساد الإدارة،
هي الغش والـمكر والبرطيل،
هي التكالب على الـحكم،
هي البطالة وما تـجرّ من خمول وفساد أخلاق،
هي الـمهاجرة التي تبتلع الكثير من خيرة شبابك،
هي أرامل لم يـمت رجالهن بل هاجروا،
هي ثكالى لم يـمت أبناؤهن بل هاجروا،
هي أيامى لا رجال لهن لأنهم هاجروا،
هي الأرض بور!
هي الفوضى تدور!
هي العامل يرزح والفلاح يجوع!
هي الطائفية والـحزبيات الدينية بلاء الأمة وعلة الانحطاط،
هي الإقطاعية الـملتفة على جسم الأمة كالأفعى،
هي هضم حقوق وأكل أموال الفقراء،
هي هبوط الـمناقب وصعود الـمثالب،
هي سماعي صوت استغاثتك ومجيئي لـمعالجة أدوائك.
هذه هي الـحقيقة.
فما أبعد ذلك الضجيج عنها!
هو ضجيج الذين يريدون أن يخفتوا أنينك ويخنقوا صوتك!
هو ضجيج الذين لا عيش لهم إلا باستنزاف قواك وامتصاص موارد حياتك!
هو ضجيج الذين يريدون جرّك إلى انتخابات جديدة وأنت معصوب العينين، والـحقيقة مستورة عنك بستار مصطنع من الدخان، فتسجّل هناك مدة جديدة من استمرار الشقاء بيدك!
هو ضجيج الذين يريدون أن يفرّقوا بينك وبين الـحق والإنقاذ، وأن يحجبوا عنك اليقين!
هو ضجيج مؤامرة مدبّرة!
هي مؤامرة عليك لا عليّ، إذ ليس لي شيء أطلبه لنفسي وكل ما أطلبه، كل ما وقفت نفسي عليه هو: خير الأمة.
فإلى البيان التالي أيها الشعب!
أنطون سعاده