وثمة مصدر أخير ورد على لسان أحد جهات الإدعاء في معرض تدليله بأن سعاده يسخر العلم للسياسة. فقد ذكر الأستاذ ساطع الـحصري في كتابه »العروبة بين دعاتها ومعارضيها» أن سعاده حين كتب نشوء الأمـم وهو كتاب علمي لم يقصد منه السياسة، ذكر ما يظهر خرافة الوهم القائل بوجود أمة صافية السلالة والقائل بالتالي بتفوق الأمة النقية السلالة على سواها الـمختلطة السلالات، في حيد يجد الأستاذ الـحصري أن سعاده في محاضرة له ألقاها على القوميين الاجتماعيين ناقض ما ذكره في »نشوء الأمـم» ذلك أنه في هذه الـمحاضرة يسخر العلم للسياسة ويدلل على هذا التناقض لأن سعاده تـحدث في الـمحاضرة عن عدم اختلاط، السوريين حين فتحوا أفريقيا، بالأفريقيين وكيف أدى هذا إلى احتفاظهم بسيادتهم وابداعهم حضارة قوية وكيف أن الفتح العربي في أفريقيا بعامل الـمبدأ الديني أدى إلى اختلاط الفاتـحين العرب بالأفريقيين فلم يمـكن أن ينشأ من الـمزيج الذي تولد من اختلاط العرب والبربر وغيرهم من أهل الـمغرب أي نهضة يـمكن أن تـحدث عظمة فنية، ذلك أنه بين رفع الأدنى وإنزال الأعلى حصل متوسط أقرب إلى الانحطاط منه إلى الارتقاء. ويختم الأستاذ الـحصري تعليقه بجملة استطرادية يتساءل فيها لـماذا يفاخر سعاده بالفتح السوري لأسبانيا وأفريقيا ولا يعتز بالفتح العربي الذي ساهم فيه السوريون. لقد وجد الأستاذ الـحصري في كلام سعاده تناقضاً مع ما استشهد بـما ورد في »نشوء الأمـم» ولسنا ندري لـماذا اجتزأ الأستاذ الـحصري جملة واحدة من محاضرة سعاده ولم يردفها بـما تابع به سعاده رأيه في هذه الـمحاضرة بالذات حين قال أن السوريين ليسوا سلالة نقية وإنـما هم مزيج من سلالات عديدة راقية فيهم العرب والآراميون والفينيقيون والـحثيون. فليس من أمة ذات سلالة واحدة إلا في قبائل أفريقيا الـمتوحشة ولكن الأمـم إنـما تكون بـمزيجها الـمتجانس.
وهذا الرأي نفسه وارد في »نشوء الأمـم» ولكن الأستاذ الـحصري حفظه الله، أحب أن يجتزئ من هنا وهناك الـجمل التي تبدو متناقضة، فهل اجتزاء الأستاذ هذا هو من قبيل تسخير السياسة للعلم أو العلم للسياسة؟ ونحب أن نؤكد للأستاذ الـحصري ولـجهة الادعاء التي أوردت تساءله عن سبب اعتزاز سعاده لفتح السوريين لأفريقيا وأسبانيا وعدم اعتزازه بفتحهم لأسبانيا بعد الإسلام وهم قد ساهموا في هذا الفتح العربي بنصيب كبير، نحب أن نؤكد أنه ليس أكثر اعتزازاً من سعاده ومن طلاب سعاده بالفتح العربي لاسبانيا، وللسوريين فيه أوفر نصيب. اسمعوا ما قاله سعاده في هذا الصدد:
»إننا نختلف ونتخاصم من أجل تعيين مصدر واحد ننتسب إليه، فالبعض يريدنا أن نعتقد أننا فينيقيون فقط وبعضنا الآخر يريدنا أن نسلم بأننا أراميون فقط وآخرون يريدوننا أن نؤمن بأننا عرب فقط، لقد قال الشاعر الانكليزي الكبير تنيسون عن أمته أن السكسون والنورمان والدانـمارك جميعهم نحن. ونحن نقول أننا جميع هؤلاء من فينيقيين وآراميين وعرب وأن لنا وراثة مشتركة بين هذه الشعوب جميعها». وبعد أن يعدد مآثر الآراميين والفينيقيين ويتساءل ما الذي يضيرنا أن يكون فينا هؤلاء، ينتقل إلى التكلم عن العرب بدورهم فيقول: »وهل يضيرنا أن يكون فينا العرب؟ والعرب برهنوا بفتوحاتهم وما أدوه للمدنية من خدمات على مقدار ما يتحلون به من مزايا تـمكنهم من القيام بأعباء الـمدنية بتفوق متى وجدوا في محيط يـمكنهم من ذلك. والعرب في الأندلس، والسوريون كانوا قسماً هاماً منهم، كانوا من أهم عوامل ترقية الـمدنية في العلوم وإطلاق حرية الفكر حتى أصبحت اللغة العربية لغلة العلم في الشرق والغرب وكثيراً ما يـمكن التحدث عن العرب وأكثره معروف لديكم ولذلك يكفي أن نكون سوريين شرفاء متحدين لدفع الشر والسعي إلى الـخير وأن نزيل العوامل الـمفرقة ونقول كما قال تنيسون في أمته، نحن نـمثل مزيجاً راقياً من هذه العناصر الكريـمة وهو مزيجنا الـخاص الذي صرنا به ما نحن».
وعلى أي حال فللأستاذ ساطع الـحصري الذي اعتمدت على بعض آرائه جهة الادعاء رأي في الـحزب وسعاده أورده في كتابه »العروبة بين دعاتها ومعارضيها» الذي ظهر عام 1952 قال: لم يظهر في العالم العربي حتى الآن حزب يضاهي الـحزب السوري القومي الاجتماعي في الاهتمام بالدعاية الـمنظمة التي تخاطب العقل والعاطفة معاً وفي التنظيم الـحزبي الذي يعمل بلا انقطاع في السر والعلن.
ولقد استطاع الـحزب أن يوجد تياراً فكرياً سياسياً قوياً جداً، في سورية الشام (ولبنان)» ويتابع الـحصري قوله: »أسس سعاده الـحزب السوري القومي لـمحاربة الطائفية والنزعة الانعزالية اللتين لاحظتهما في لبنان». ويتابع الـحصري قوله في مكان آخر من الكتاب هذا: »وإذا أردت أن ألـخص رأيي في انطون سعاده وفي حزبه- بعد هذه الدراسة الـمستفيضة قلت بدون تردد:
لا يسعني إلا أن أعلن إعجابي بنشاط هذا الرجل واندفاعه وتـحبيذي لـمعظم الـمبادئ الاصلاحية التي يذكرها في تعاليمه كما لا يسعني إلا أن أقدر سعيه وراء دعم آرائه السياسية والاجتماعية بنظريات علمية».
سيدي الرئيس، حضرة القضاة الـمحترمين،
أجد نفسي الآن بعد أن تـحدثت في هذا التاريخ الذي أورده جانب الاتهام وقد استقاه من منابع عكرة مشبوهة، ملزماً وأنتم تـحكمون في قضية يـمثل فيها أمامكم الـحزب السوري القومي الاجتماعي بـمسؤوليه متهماً بتهم خطيرة مريعة، أن أقدم لكم، بكل ما يـمكن من إيجاز، صورة سريعة عن هذا الـحزب ومبادئه وقواعده السلوكية مع لـمحة عن سياسته وسيره لتستطيعوا أن تصدروا حكمكم التاريخي على ضوء قناعتكم وبوحي وجدانكم الـحي.
وقبل أن أسرد لكم هذه اللمحة عن الـحزب ومبادئه أحب أن أعود بكم إلى التاريخ لا إلى الـحرب الصليبية ومشاكلها وقضاياها بل إلى قضيتنا نحن، إلى قضية هذا الشعب بعد أن انحسر نهائياً ظل الـحكم التركي في أواخر الـحرب العالـمية الأولى.
وأستعير هنا، من الدكتور نـجيب الأرمنازي الذي شهد مختلف الأحداث في بلادنا منذ دخول فيصل حتى اليوم، مقتطفات من الـمحاضرات التي ألقاها في معهد الدراسات العربية العليا التابع لـجامعة الدول العربية وجمعها في كتاب صدر عام 1954 تـحت عنوان » محاضرات عن سوريا من الاحتلال إلى الـجلاء».
»أعلن الأمير فيصل في بلاغ له في 5 تشرين الأول 1916 تأليف حكومة عربية مستقلة تشمل جميع البلاد السورية. فأقبل الناس على ذلك مستبشرين بالعهد الـجديد. ولكن فترة الآمال كانت قصيرة الأجل، فغايات الـحرب ومقاصدها كانت تتبدل وتتحول كلما تبدل وتـحول طالع الـحرب، ولم يبق شك في أن الـمبدأ الأخلاقي الـمؤسس على مقاومة الطغيان والدفاع عن الضعفاء لم يكن الا خدعة سياسية من الدول العظمى التي نكثت بعهودها ووعودها وأخذت بتنفيذ الـمعاهدات السرية التي سجلت في معارك الفتوح وكتبت بأطراف السيوف على أجسام الشعوب.
وكان من أشهر هذه الـمعاهدات بالنسبة إلى الأقطار العربية معاهدة سايكس بيكو التي عقدت لتأمين مصالح بريطانيا وفرنسا خاصة وتـحديد مناطق نفوذهما السياسي والاقتصادي.
وقد روعيت القواعد الأساسية في هذه الـمعاهدة، وما طرأ عليها من تعديلات سياسية وعملية التقسيم الذي أجراه القائد البريطاني العام في البلاد السورية التي كانت تعتبر بلاد العدو الـمحتلة فاختص البريطانيون بالـمنطقة الـجنوبية أي فلسطين والفرنسيون بالـمنطقة الغربية التي تـمتد من جبل عامل إلى ما وراء خليج الاسكندرون وتشمل لبنان وبيروت واللاذقية وعهد إلى الأمير فيصل بالـحكم في الـمنطقة الشرقية التي تشمل الـجمهورية السورية ومـملكة الأردن».
ثم يقول: »انتظم عقد مؤتـمر سوري في حزيران سنة 1919 ليعرب عن رغائب الشعب السوري عندما قدمت البلاد لـجنة استفتاء أميركية فقرر واجب الأمة في الدفاع عن كرامتها ووحدتها واستقلالها وارتأى وجوب اعلان هذا الاستقلال في حدود البلاد الطبيعية والعمل على إقامة حكومة مسؤولة مدنية تستمد من سلطان الأمة السورية وسيادتها القومية ما تقتضيه أوضاع الشورى الـمتبعة.
ثم أجمل الـمؤتـمر السوري مطالب البلاد في القرارات التي اتخذها في 7 آذار 1920 وأعلنها في اليوم التالي في 8 آذار في دار بلدية دمشق فبايع فيصل بالـملك ورفع علم سورية الـجديد ونادى باستقلال البلاد السورية وبحدودها الطبيعية على أساس الـحكم الـمدني النيابي، وحفظ حقوق الأقلية ورفض مزاعم الصهيونية، وقرر إدارة مقاطعات البلاد على طريقة اللامركزية الإدارية ومراعاة أماني اللبنانيين في الاستقلال الإداري وطلب استقلال العراق وتكوين اتـحاد سياسي واقتصادي بينه وبين سوريا.
وفي اليوم نفسه، في دار بلدية دمشق أيضاً أعلن مؤتـمر عراقي قراراً مـماثلاً لقرار الـمؤتمر السوري في استقلال العراق ومطالبه بالنسبة لتكوين اتـحاد سياسي واقتصادي بينه وبين سورية وانصراف الـمؤتـمر السوري بعد ذلك إلى مناقشة مشروع القانون الاساسي الذي أعدته لـجنة الدستور على أساس الـمطالب القومية الـمعلنة طبعاً».
ويقول الدكتور أرمنازي عن لجنة الاستفتاء الاميركية أي لجنة كراين:
»ما كادت تصل هذه اللجنة إلى دمشق حتى شهدت العاصمة السورية مشهداً سياسياً رائعاً، وكانت تـموج بأهلها كأنها في ثورة مضطربة ولا تنفك فيها الأحزاب والـجماعات عن العمل، وطافت اللجنة أنحاء البلاد وقابلت وفود الأهلين على اختلاف طبقتهم ومللهم وكان قرار الـمؤتـمر السوري أهم وثيقة تلقتها اللجنة، وهو يتلخص بطلب الاستقلال الناجز للبلاد السورية ورفض الانتداب ورفض مطالب الصهيونيين ورفض التجزئة سواء في ما يتعلق بفلسطين أو لبنان وطلب الاستقلال للعراق وعدم إقامة حواجز اقتصادية بين القطرين وقد أيد معظم أبناء الـمناطق الداخلية والساحلية والـجنوبية هذه القرارات.
وقد اقتنعت اللجنة بوحدة رغائب الشعب السوري وعادت تتقدم بتقريرها توصي فيه برفض مطالب الصهيونيين وتقترح ضم فلسطين إلى سورية وأقسامها الأخرى وكذلك كان رأيها في ضم لبنان إلى سورية على أساس أن يتمتع باستقلال إداري واسع».
ثم يتحدث الدكتور الأرمنازي عن الاحتلال في الفصل الـموسوم، (الـمقاومة والثورة) فيقول ما نصه:
لقد تـمسكت البلاد بالركنين الأساسيين للمطالب القومية الاستقلال والوحدة اللذين أصبحا يجريان على كل لسان ويـملآن كل جنان.
أما الاستقلال فقد تابعت البلاد السورية نضالها حتى أحرزته أما الوحدة فقد تطورت تطوراً محزناً لوقوف الـمطامع الدولية والأغراض الـمحلية في سبيلها حتى حرمت البلاد نيل ثمرات جهادها منها، ففي القسم الـجنوبي من سورية أقام الإنكليز والأميركيون بـمساعدة الأمـم الـمتحدة دولة يهودية وأنشئت دولة عربية صغيرة ذات صلة خاصة بانكلترا كما أن السد الذي أقامته فرنسا بين الساحل والداخل، لم تستطع أن تزيله جهود تـمادت أكثر من خمس وعشرين عاماً وانتهى الأمر بأصحابها أن سلموا بالأمر الواقع الذي طالـما شهدوا عواقبه السيئة واحتجوا على بقائه، ولم تخرج فرنسا من سورية إلا بعد أن سلمت للأتراك أيضاً منطقة الاسكندرون وكانت سلمت إليها قبلاً منطقة كيليكية خلافاً لتعهداتها الدولية التي كانت تـحتج بها على السوريين لـمقاومة مطالبهم القومية، وأصبحت سورية محصورة في الـمنطقة التي تسمى الآن الـجمهورية السورية بعيدة عن الأماني، بل الأوضاع الطبيعية والشرعية والـحقائق التاريخية والـجغرافية التي تؤيد مطلبها في إقامة دولة متحدة في هذه الـمنطقة الفسيحة التي سماها التاريخ بالشام».
وفي محاضرات الدكتور الأرمنازي فصول وعبر اكتفيت، سيدي الرئيس، بنقل هذه الـمقاطع منها التي تشهد على الـمأساة، الـمأساة التي جرت فصولها في هذه الـمحاكمات بالذات، الـمأساة التي أرادت أن تعتبر الوحدة السورية والعمل لها شيئاً متصل النسب بالـحروب الصليبية أو هو جزء من سياسة ايطاليا الفاشستية أو هي تنفيذ لأطماع ايطاليا في الـموصل أو لـخطة بريطانيا في الهلال الـخصيب أو هي أخيراً- كما قال أحد وكلاء جهة الدفاع- أمر يتعارض مع عقائدنا الأساسية منذ عشرات القرون.
لقد قصدت أن أنقل هذه الـمقاطع بالرغم مـما يستغرقه هذا من الوقت في هذه الـمحاكمة لأن هذه الـمحاكمة تاريخية بالدرجة الأولى، ولأنني حريص على أن أضع محكمتكم الـموقرة والرأي العام الذي يتتبع هذه الـمحاكمة بإهتمام، أمام حقائق تاريخنا فنستطيع جميعاً، من ثم، أن نتفهم أكثر فأكثر حقيقة الـحركة السورية القومية الاجتماعية.
نفس هذه الرغائب التي عبر عنها الشعب في مؤتـمره السوري الأول والثاني في دستور الـجمهورية السورية عام 1927 جزئياً وفي الاستفتاء الشعبي الذي أجرته لـجنة كراين الأميركية هي الرغائب التي حدت بسعاده على إنشاء الـحركة السورية القومية الاجتماعية لنقض ما تـم في مدينة سان ريـمو وفي سيفر ولوزان من عملية تـمزيق دامية لوطننا العزيز الـجريح.
نفس الـحقائق التي عمل لها الأمير فيصل منصاعاً للأوضاع الطبيعية والـحقائق التاريخية والـجغرافية وعلى حد تعبير الدكتور الأرمنازي، والتي وجهت مشاعر السوريين منذ نشوء الدولة العربية الأولى في دمشق ومشاعر الـممثلين الذين نابوا عن الشعب من جميع البلاد السورية في فلسطين والأردن ولبنان والشام ومشاعر العراقيين هي ما جاء الـحزب السوري القومي الاجتماعي يفرض على القومي الاجتماعي أن يتخذها إيـماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته.
وما فات ادراكه رجالاتنا في سعيهم الـحثيث نحو هذه الوحدة وفي الانتهاء بهم إلى التسليم بالأمر الواقع، كما أشار الدكتور الأرمنازي بعد أن أعيتهم السدود التي انتصبت في طريق هذه الوحدة لم يفت سعاده ادراكه فقد أدرك أن الأجانب في عملية تـمزيقهم الدامية إنـما اعتمدوا عللاً قائمة في الأمة،وهي تلك العصبيات الطائفية والعنصرية، وأنهم بواسطة هذه العلل وبتزكيتها وبتغذيتها وبتنميتها نصبوا هذه السدود الـجبارة. وأن نقض ما تـم في معاهدة سايكس بيكو لا يتحقق بالتمني وإنـما ببناء الـحياة القومية في الوطن على أساس تنتفي معه هذه العلل وتتبدد عندئذ السدود التي كانت هذه العلل أحجار الأساس فيها.
هذه هي مبادئ الـحزب السوري القومي الاجتماعي وحقيقته، مبادئ تنص على أن الأمة هيئة اجتماعية واحدة، مجتمع واحد، وأن أمتنا هي وحدة شعبنا في الهلال الـخصيب الـمتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل الزمن التاريخي الـجلي بحيث امتزجت في هذه الوحدة، وحدة حياتنا،كل العناصر التي انصبت في هذه الأرض منذ ما قبل الزمن التاريخي الـجلي حتى اليوم وأن الدعوات العنصرية بالتالي لا محل لها ولا محل لأن يسنغل الأجنبي شعور العناصر ضمن هذه الوحدة بعنصريتها وقد يكون هذا الشعور رد فعل لعمل بعض العناصر الكبرى على أساس عنصريتها فيندس يفرق ويفصل ويدق الأسفين في وحدتنا.
أعلمتم الآن لـماذا قال سعاده في الـمقطع الذي استشهدت به قبلاً أننا جميع هؤلاء من فينيقيين وآراميين وعرب وأنه يكفي أن نكون سوريين شرفاء لدفع الشر والسعي إلى الـخير وأن نزيل العوامل الـمفرقة ونقول كما قال الشاعر الانكليزي عن أمته:نحن نـمثل مزيجاً راقياً من هذه العناصر الكريـمة وهو مزيجنا الـخاص الذي به صرنا نحن ما نحن.
ليس يكفي أن نهفو إلى الوحدة وأن نعلن القرارات الـمنادية بها ولا نذرف الدموع السخية على فواتها وتأوهات الـحسرة على السدود التي انتصبت في طريقها، وإنـما يقتضي لتحقيق الوحدة العمل لها، والعمل للوحدة هو بإقامة حياتنا القومية على أسس لا تخالطها النزعات العنصرية والطائفية التي مكنت وتـمكن الأجنبي من إقامة السدود القاضية على الوحدة، وأن إقامة حياتنا القومية على أسس قومية اجتماعية لا عنصرية ولا طائفية ولا طبقية كفيل بتوليد وحدة الارادة والاتـجاه في الشعب فيتحطم عندئذ كل سد وتتقوض كل عقبة.
لهذا يا سيدي الرئيس، جاءت الدعوة القومية في الـحزب، دعوة قومية اجتماعية لا تتعرف إلى القضايا العنصرية والطائفية، دعوة تعمل على أساس أن الأمة مجتمع واحد لا عناصر ولا طبقات ولا طوائف وفي سبيل ذلك أيضاً انبثقت مبادئ الـحزب الإصلاحية بفصل الدين عن الدولة وإقامة حكم مدني قومي يقطع الطريق على الدسائس والـمناورات الأجنبية، وبإلغاء الإقطاع وتنظيم الاقتصاد القومي على أساس الانتاج وأنصاف العمل، لتحقيق العدل القومي الاجتماعي في التوزيع ولتهديـم ما يعترض وحدة حياتنا القومية من فوارق وفواصل طبقية تثير الـمنازعات الـمنهكة للأمة.
أعلمتم بعد ذلك؟ سر حرب الفرنسيين العنيف وحلفائهم وأعوانهم ضد الـحزب الذي لم ينص في مبادئه على محاربة الانتداب ولكنه نص على تـحطيم الـمدينة التي بها مزقت فرنسا وبريطانيا وحدتنا وبلادنا.
في الـحزب السوري القومي الاجتماعي لم تبق رغائب الشعب السوري التي أشار إليها الدكتور الأرمنازي مجرد رغبات بل أصبحت واقعاً مجسداً في الـحزب الذي يرفض أن يستسلم للتقسيمات التي فرضتها الإرادات الأجنبية وأن يتخذ من الأمر الـمفعول قاعدة لتشكيلاته وتنظيماته الـحزبية، ويرفض بالتالي أن يكون له حزب في الشام وآخر في لبنان وثالث في عمان ورابع في بغداد وخامس في (عموم فلسطين)، ولو تعارض في ذلك مع القوانين الـمحلية التي خضعت للأمر الـمفعول الصادر عن إرادة أجنبية بل ولو أصبح من جراء ذلك حزباً أجنبياً في الشام لأنه يضم لبنانيين، وحزباً أجنبياً في لبنان لأنه يضم شاميين، وهكذا في عمان وبغداد وعموم فلسطين.أنه يجسد رغائب الشعب السوري الذي أمتهن الأجنبي إرادته عندما أعلن عام 1919 و1920 أن الشام ولبنان والعراق وفلسطين والأردن هذه دول، كل واحدة منها أجنبية عن الأخرى، إذا كان بعض رجالات الشعب السوري قد استسلموا للأمر الـمفعول، فإن الـحزب يثبت إرادة الأمة التي لا تستسلم ولن تستسلم للأمر الـمفعول مهما كلّف ذلك أعضاءه من ملاحقة وسجن واضطهاد بفعل القوانين الـمحلية.
وفي الـحزب السوري القومي الاجتماعي تـحوّلت رغائب الشعب السوري التي أشار إليها الدكتور الأرمنازي إلى قوة تستطيع تـحقيق متطلباتها ومسح ما كتبته أطراف السيوف على جسم شعبنا بل وتـحطيم تلك السيوف على أجساد أصحابها، ذلك لأنه حقق في داخله الـحياة السورية القومية على أسس قومية اجتماعية لا تـميز مطلقاً بين سوري وسوري مهما كان عنصره وأيًّا كان دينه أو كيانه السياسي فحقق بذلك وحدة الإرادة ووحدة الولاء الذي لا يتعرف على الـحدود الـمفتعلة بين كيانات الوطن الواحد فتنشأ من ذلك القوة الواحدة الـموحدة القادرة على تـحطيم كل سد وإفساد مناورات جيراننا في الشمال الذين يحاولون أن يثيروا بين الفينة والفينة الـحركات في بلادنا تـحت ستار العنصرية آنا والطائفية آنا آخر بل ويقطع الطريق على مثل الدسائس التي حاكها الفرنسيون يوم أرادوا نسف الـمعاهدة، فأثاروا النعرات العنصرية الـمذهبية الـمختلطة فيما بينها في بعض مناطق الـجمهورية السورية تـماماً كما فعل البريطانيون في العراق في الـحركة الـمعروفة بحركة الآشوريين. والرغائب الشعبية الـمنبثقة من قرارات الـمؤتـمر السوري الأول والثاني في تقرير لـجنة كراين عقيب اتصالها بالشعب بـمختلف هيئاته وأوساطه ومتعدد مناطقه، تتلخص في مبادئ الـحزب السوري القومي الاجتماعي التي جاء أحد وكلاء جهة الادعاء يقول أنها تتعارض مع عقائدنا الأساسية منذ عشرات القرون، وهي الـمبادئ التي لم تكتف بتسجيل الرغائب الشعبية بل وضعت يدها على العلل الـمعطلة لتحقيقها، فحددت الـمفهوم القومي القاضي على هذه العلل، حددته على أساس الولاء للمجتمع، لوحدة الـحياة الاجتماعية، لا للعنصر ولا للطبقة ولا للطائفية.
الذين راحوا يقلبون مبادئ الـحزب وشروحها وكتابات سعاده وخطبه وكتبه لم يجدوا فيها العلاج لـمعضلة الـحركة الدائمة أو النظرية الـمعقدة تعقيد نظرية اينشتاين النسبية، هؤلاء جاءوا إلى محكمتكم الـموقرة يصيحون أين هي قضية هذا الـحزب الذي لا قضية له، أنها شيء بسيط لا قيمة له ولا يعتد به.
أجل ما أبسط هذه القضية، قضية الـحزب السوري القومي الاجتماعي، وما أقواها في بساطتها بهذه البساطة تـملكت هذه القضية نفوس القوميين الاجتماعيين الـمؤمنين بها حتى عاديي التفكير الأميين منهم. لأن بساطتها أيقظت فيهم الوجدان القومي ومست كبد الـحقيقة فيهم فاطمأن إليها وإلى سلامتها وحقيقتها فكرهم وضميرهم وانصرفوا يعملون لها وكلهم إيـمان بها وبانتصارها.
هذه القضية البسيطة أعلن الدكتور الأرمنازي أن قسماً كبيراً من رجالات الأمة قد استسلموا للأمر الـمفعول، فاقعدهم عن متابعة العمل لـحل مشاكلها وهدم السدود التي انتصبت في طريقها بالرغم من أنهم يعرفون،كما قال الدكتور نفسه،العواقب السيئة الوخيمة التي تتولد من عدم تـحقيقها.
وهذه القضية البسيطة، يقسم القوميون الاجتماعيون أنهم لها ولو كلفهم هذا حياتهم وحريتهم وأمنهم، لأنهم يعرفون أن العواقب السيئة الوخيمة لن تقف عند حد: فبالأمس كيليكيا ثم الاسكندرونة والآن فلسطين وغداً قد تكون الضفة الغربية من الأردن أو منطقة الـجزيرة، وهكذا في سلسلة دامية لا تقف عند حد ما دامت هذه الأمة لم تنسف السدود القائمة في طريق وحدتها، وتـحقق هذه الوحدة غصباً عن الإرادات الأجنبية التي مزقتها.
إن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يدرك أن تـحقيق هذه القضية ليس سهلاً وإن اراداته في سباق مع الزمن الذي يـمتن السدود وينوعها يوماً بعد يوم، وفي سباق مع الكوارث التي تهدم الأمة وتهد حيويتها، وفي سباق مع الـمصالح الـجزئية، التي تتشكل وتتبلور أكثر فأكثر،فتقف في عناد في طريق هذه الوحدة وفي سباق مع الإرادات الأجنبية التي تستغل حالة الضعف والتجزئة في هذه الأمة فترهقها في ثرواتها الطبيعية ومرافقها واقتصادها، وفي سباق مع الصهيونية العالـمية التي كانت في أساس هذا التمزيق الذي قام في وطننا، كما ذكر ذلك »وايزمن» في مذكراته إذ أشار أن اتفاق سايكس بيكو إنـما كان بتأثير الصهيونية ونفوذها، وفي سباق مع أطماع جارتنا الشمالية وأخيراً في صراع مع القوانين الـمحلية التي تأبى ألا أن تعتبره أجنبياً لاستمساكه بـما لا يتجزأ.
سيدي الرئيس، حضرة القضاة المحترمين.
إذا كان الـحزب السوري القومي الاجتماعي قد آلى على نفسه تـحقيق القضية التي تـجسدت عندها الرغائب الشعبية ثم استكانت نتيجة استسلام رجالات البلاد يأساً وعجزاً للأمر الـمفعول وانصرافها من ثم للعمل من ضمنه، فمن العجيب إصرار البعض على اعتبار عمل الـحزب لهذه القضية التي تآمرت وتتآمر على التهديـم فيها عوامل واعتبارات أجنبية وداخلية. كيداً للعرب وطعناً بالعروبة.
إن كانت أمة الهلال السوري الـخصيب التي يعمل لوحدتها الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي غير العرب وكان العرب شيئاً مختلفاً عنها فمن الثابت والأكيد أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يعمل لهذه الأمة بكل عناد واصرار.
وإن كانت العروبة دعوة عنصرية يقصد منها توليد العصبية لعنصر معين فمن الثابت والأكيد أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي حرب على العصبيات العنصرية وكل ألوان العصبيات الـجزئية الـمهدمة لوحدة الـحياة الاجتماعية.
أما إذا كانت أمة الهلال السوري الـخصيب من العرب فإن العمل لوحدتها وقوتها وسلامتها لا يـمكن إلا أن يكون لـخير العرب وصالح العرب وعزة العرب.
وأما إذا كانت العروبة ليست دعوة عنصرية، بل رابطة لغة تـجمع أبناء الضاد ورابطة أمجاد عربية ساهمت فيها شعوب الضاد ورابطة مصالح تشترك فيها بلدان الضاد، ورابطة تقرب يفرض تعاون دول الضاد، فليس أكثر من الـحزب السوري القومي الاجتماعي تـمسكاً بلغة الضاد التي كان للسوريين نصيب وافر من انـمائها وغناها وعبرت وتعبر عن أدق خلجات نفوسهم ومكنونات فكرهم واعتزازهم بالأمجاد العربية وقد ساهم فيها السوريون بالقسط الأوفى، وحرصاً على دعم الـمصالح الـمشتركة الناهضة بـمصالح بقية الشعوب العربية وايـماناً بالتعاون العربي لنعزز من شأن إرادة العرب جميعاً بل وليس أكثر من السوريين القوميين الاجتماعيين مفاخرة بالدين العربي وتراثه التشريعي الشامخ وفقهه السامي العظيم وقد كان للعقل السوري ولأوضاع الـحياة السورية الـخصبة الغنية يد طولى في إخصاب شجرة هذا الفقه الباسقة وانـماء فروعه الـمديدة.
فأثناء انعقاد مؤتـمر مشاورات الاسكندرية عام 1944 الذي انبثقت عنه الـجامعة العربية، تقدم الـحزب السوري القومي الاجتماعي، وكان بذلك الوحيد في العالم العربي كله، من الـمؤتـمر بـمذكرة ضافية يعالج فيها القضية العربية ويحدد أسس التعاون العربي على ضوء مفاهيمه ونظرته.
في هذه الـمذكرة لفت أنظار الـمؤتـمرين إلى أن كون العالم العربي بيئات طبيعية اجتماعية متعددة يحتم على الـمنظمة العربية الـمشتركة أن تضع في صلب أهدافها تسهيل تـحقيق كل بيئة طبيعية اجتماعية لوحدتها وسيادتها وأن كون العالم العربي عالـماً يشترك في روابط ومصالح أساسية يحتم أن تتركز أسس التعاون العربي على توحيد في شؤون الثقافة والدفاع والـخارجية فيما بين العرب جميعا وهي شؤون الـحياة الأساسية الهامة.
والحزب السوري القومي في مذكرته هذه إنـما كان عاملاً بوحي مبادئه وتعاليمه التي أقسم كل قومي اجتماعي أن يتخذها ايـماناً له ولعائلته وشعاراً لبيته.
اسمعوا سعاده يقول في نص تعاليم الـحزب السوري القومي الاجتماعي:
»إن إيجاد جبهة من أمـم العالم العربي تكون سداً ضد الـمطامع الأجنبية الاستعمارية وقوة يكون لها وزن كبير في إقرار الـمسائل السياسية الكبرى هو جزء لا يتجزأ من غاية الـحزب».
»إن سورية هي إحدى الأمـم العربية وهي الأمة الـمؤهلة لقيادة العالم العربي. وأن الذين يعتقدون أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يقول بتخلي سورية عن القضية العربية يضلون ضلالاً بعيداً، أننا لن نتنازل عن مركزنا في العالم العربي ولا عن رسالتنا إلى العالم العربي ولكننا نريد قبل كل شيء أن نكون أقوياء في أنفسنا لنتمكن من تأدية رسالتنا. يجب على سورية أن تكون قوية بنهضتها القومية الاجتماعية لتستطيع القيام بـمهمتها الكبرى».
»أن الـحزب يرى سلك طريق الـمؤتـمرات والـمحالفات التي هي الطريق العملية الوحيدة لـحصول تعاون الأمـم العربية وإنشاء جبهة عربية لها وزنها في السياسة الدولية».
أن الذين يتوهمون العروبة دعوة عنصرية هم وحدهم الذين يعتبرون الـحزب السوري القومي الاجتماعي عدواً للعرب والعروبة. أنه عدو كل عصبية عنصرية تـمزق وحدة الـحياة الاجتماعية وتؤدي إلى قيام ردود فعل عنصرية من ذات النوع تعمل لأوطان قومية خاصة بها وتستغلها في الإرادات الأجنبية وتسخرها لأطماعها في وطننا.
بالأمس، قرأت في مجلة روز اليوسف رسالة من كاتب عراقي من أصل كردي يتحدث فيها مفاخراً مباهياً عن الأكراد في العراق وعن شعورهم الوطني ويذكر أنهم جميعهم يعملون لتحرير العراق من النفوذ الأجنبي، حتى إذا تـحرر انصرفوا إلى تـحقيق دولتهم الـخاصة الـممتدة من الـحدود التركية إلى الـحدود الروسية الايرانية.
أرأيتم، سيدي الرئيس، إلى الدعوات العنصرية وكيف تفتك في هذا الشعب فتمزقه وتـمزق وحدة أرضه لتقيم عليها أشلاء من دول متعادية متمايزة فتفسخ حيوية الأمة وحياتها على مذبح هذه العصبيات الـمدمرة.
إن الـحزب السوري القومي الاجتماعي حين يرفض قيام الولاء القومي على أساس عنصري وحين يوضح طبيعة الـحياة الاجتماعية على وحدة الأرض الطبيعية وأن الولاء لها هو كل ما ينبغي أن يتجه نحوه تفكيرنا وتنصب عليه جهودنا بقطع النظر، عن عنصرنا وطائفتنا، إنـما يحرص على أن يوقف أيدي التمزيق والدسائس الأجنبية التي ما انفكت تعمل في هذا الوطن تقطيعاً وتهديـماً.
باطل هو القول بأن الـحزب السوري القومي الاجتماعي يتنكر للعروبة إذا كانت العروبة تعني،كما ينبغي أن تعني، تعاوناً عربياً رحباً فسيحاً، يضمن القوة والرفاهية لـمصالح جميع الشعوب العربية الـمشتركة فيه.
أما الذين يرون أن مبدأ الـحزب بأن سورية للسوريين والسوريون أمة تامة وبأن مصلحة سورية فوق كل مصلحة يعني إخراج العرب من سورية ويعني جعل الـمصلحة العربية تـحت كل مصلحة فهؤلاء هم العنصريون الذين يفصلون بين السوريين إلى من هم عرب بحكم العنصر ومن هم غير عرب بل سوريين، وهكذا يفهمون بالسوري كل من لم يكن من أصل عربي: إنهم هم الذين يجردون السوريين من عروبتهم لأنهم يتوهمون أن عروبة السوريين شيء يتصل بالعنصر ولا يفقهون هذه العروبة كرابطة لغة وأمجاد ومصالح تسمو على العنصرية وتزدري بها وأنها بهذه الصفة يشترك فيها جميع السوريين أيا كان أصلهم العنصري.
إن سعاده يقول: »ومتى كانت الـمسألة مسألة مكانة العالم العربي تـجاه غيره من العوالم فنحن هم العرب قبل غيرنا، نحن صدر العرب ونحن سيفهم ونحن ترسهم، ونحن حماة الضاد ومصدر الاشعاع الفكري في العالم العربي» أن عروبة السوريين القوميين الاجتماعيين ليست فقط في إيـمانهم بالتعاون العربي الفعال على أقصى نطاق مـمكن بل هي فوق ذلك كله في أمتهم في صلب مبادئهم وتعاليمهم، الزموا أنفسهم والزموا أمتهم برسالة إنهاض وتـحرير وقيادة العالم العربي كله.
إن عروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي هي عروبة التزامات يحملها نحو العالم العربي ويلزم أمته التي هي من العالم العربي وله بتأديتها: ولن تتمكن هذه الأمة من تأدية التزاماتها، التزامات النهوض والتحرير والقيادة نحو العز ما لم تكن قوية بذاتها، موحدة في نفسها، قادرة على تـحويل هذه الالتزامات إلى حقائق فلا تبقى تخيلات وأحلاما ومجرد أمنيات حالـمة.
اسمعوا سعاده يقول:
»إن شرط تعاوننا في العالم العربي هو أن نقدر على تقديـم شيء ولكي نقدر على تقديـم شيء يجب أن نكون نحن أولا شيئاً. لا يـمكننا أن نقدم شيئاً ونحن لا شيء، لا يـمكن لسورية أن تخدم العالم العربي في شيء وهي مبعثرة مجزأة نفسياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، وليس لها كيان أو ذات أو حقيقة أو نفسية».
لذلك نحن نرى أن حركتنا مقوية لأمتنا للعمل والتعاون في العالم العربي لا مبعدة، لأنه حين لا تكون هذه الـحركة وبالتالي وحدة الأمة، لا نكون متعاونين معاونين في العالم العربي بل نكون منساقين مجرورين.
وإذا كان في أمتنا من يرى أن نكون عالة على العالم العربي لا نقدم إليه سوى أمراضنا وضعفنا وعجزنا فله شأنه. أما نحن القوميين الاجتماعيين فقد صممنا أن تقوم أمتنا بالدور الذي قامت به إبان النهضة العربية، هذه النهضة التي ما كانت لتكون لولا دور أمتنا فيها، وقد كان دور القيادة والتوجيه وحمل العبء، ولذلك فقد صممنا على القضاء على العجز والـمرض والضعف لنتمكن من النهوض بـمسؤوليتنا والتزاماتنا وإعادة أداء دورنا التاريخي فتعود دنيا العرب دنيا أمجاد ومفاخر وعز.
ليست العروبة كل العروبة هي في كون العالم العربي بيئات اجتماعية طبيعية متعددة والإصرار على اعتبارها بيئة واحدة، فهناك عروبة أخرى هي العروبة الواقعية التي ترى العالم العربي كما هو بيئات ومجتمعات متعددة ولكنها تؤمن بأن ما بين هذه البيئات والـمجتمعات الـمتمايزة من الروابط والـمصالح هو من القوة بحيث يحتم عليها التعاون والتساند وإنشاء جبهة عربية احدة. وأصحاب هذه العروبة الواقعية يؤمنون بأن أمتهم هي التي ينبغي أن تقوم بالدور الفعال في عملية التساند والتعاون وإنشاء الـجبهة العربية وهم يعملون لتكون لأمتهم القوة والقدرة التي تـمكنها من القيام بدورها الفعال وفي ذلك قال سعاده:
»لقد حاربنا العروبة الوهمية لنقيم العروبة الواقعية وإذا كان في العالم العربي عروبة حقيقية صحيحة فهي عروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي والـجامعة العربية هي محاولة تـحقيق لـما نادى به الـحزب، نعم إنها محاولة تـحقيق ولكنها ناقصة».
هذه الـحقائق لطالـما رددها الـحزب السوري القومي الاجتماعي ولطالـما أذاعها وهي الثابتة في نصوص التعاليم التي يؤمن بها القومي الاجتماعي ومع ذلك فإن الذين يحاولون أن يثيروا الدعايات ضد الـحزب يأبون الا اعتباره عدواً للعرب والعروبة أي عدواً لنفسه.
وإذا كانت جهة الادعاء تأبى تصديقنا وتصديق أن مبادئنا تعزز العروبة الواقعية فلقد كان بودي لو كان بين يدي مقال للأستاذ أكرم الـحوراني نشر عام 1936 في جريدة ألف ياء الدمشقية لأقرأه لها وفيه البسط الكافي الوافي لعروبة الـحزب السوري القومي الاجتماعي الحقيقية.
وإذا كان الـحزب حريصاً على دعم التعاون العربي وتـمتين الروابط التي تشد العالم العربي إلى بعضه البعض، فإن شرط هذا التعاون الضروري لا يكون على حساب وحدتنا القومية وعلى أساس تـجميد أوضاع التجزئة في وطننا.
ومن هنا اعتبارنا الـجامعة العربية محاولة تـحقيق لـما نادى به الـحزب ولكنها محاولة فاسدة ناقصة، فبدلاً من أن تقوم كما ينبغي أن تقوم على أساس الـمساهمة في توحيد البيئات الـمجزأة جاء ميثاقها يثبت هذه التجزئة نهائياً ويحرم العمل على الـمس بها كما أن سياستها ظلت سياسة مناوئة لكل فكرة مبدئية، لا للمشاريع فحسب، التي تهتم بهذه الوحدة.
أذكر أنه عام 1953 وفي القاهرة اجتمعنا نحن الصحفيين السوريين بالأستاذ عبدالرحمن عزام وقد جرت مناقشة بيني وبينه فيما يتعلق بسياسة الـجامعة العربية وقد ختمها هو بحضور بعض الزملاء الصحفيين بقوله: أنني أؤمن أن كل سوري يهمل العمل لوحدة سورية أو ما نسميه نحن في مصر بلاد الشام لا يجرم بحق بلاده ولكننا نخاف الـمشاريع الاستعمارية.
وإذا كنا نهاجم أحياناً سياسة بعض الدول العربية والـجامعة العربية فليس لأنها تعارض في الـمشاريع الاستعمارية بل لأنها تعارض مبدأ الوحدة مدعية أن فيها تهديـماً لوحدة العرب واجتماع كلمتهم.
إن السوريين القوميين الاجتماعيين كانوا دائماً وابداً إلى جانب مصر في مطلبها القومي السليم في وحدة وادي النيل ولم يروا في هذا الطلب يوماً من الأيام شيئاً يتنافى مع وحدة العرب لأنهم يؤمنون أن قوة مصر هي قوة للعرب وعزة مصر عزة للعرب، وكل ما يطلبون ويعملون هو أن يقابل الغير مسعاهم نحو وحدة وطنهم بنفس الفهم الواقعي والاخلاص للعروبة الواقعية.
عمدة الإذاعة، بيروت 1958
عصام المحايري