مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
ملحق رقم 9 رسالة رئيس الحزب القومي الاجتماعي إلى الرئيس جمال عبد الناصر
 
 
 
منشورات عمدة الإذاعة 1959
 

 

سيادة الرئيس جمال عبد الناصر

 

رئيس الـجمهورية العربية الـمتحدة

 

يا سيادة الرئيس،

 

إن تطورات الأحداث الأخيرة التي أخذت تتفاقم معها الأخطار الـمحدقة بوطننا وبالعالم العربي كله، من شيوعية وصهيونية ومطامع أجنبية استعمارية، وتردي العلاقات العربية عامة والأوضاع الداخلية في الوطن السوري بشكل خاص، تردياً يهدد الوجود القومي والـمصير العربي الـمشترك في الصميم، تـحملنا على أن نتجاوز اليوم كل الأذى اللاحق بالـحركة السورية القومية الاجتماعية من جانب سلطات الشام الـمسؤولة أمامكم، لنحاول أن نضمد بقدر ما نستطيع جراح أمتنا متناسين جراحنا النازفة بدمائنا وقد نذرناها على كل حال لـمصلحة الأمة.

 

ولذلك رأت رئاسة الـحزب القومي الاجتماعي أن تتوجه إلى سيادتكم بهذا الكتاب تأدية للأمانة التي يضعها في أعناق القوميين الاجتماعيين وفي عنق كل مواطن صادق، واجب الاخلاص للأمة والوطن وللعروبة في مرحلة لا تدانيها أية مرحلة سابقة من تاريخنا الـحديث دقة وخطورة.

 

وإذ اختارت رئاسة الـحزب أن تتوجه إليكم بهذه الرسالة الـمباشرة فهي إنـما تفعل ذلك إدراكاً منها للمسؤوليات العظام التي يلقيها على كاهلكم مركزكم الـحالي كرئيس للجمهورية العربية الـمتحدة، وشعوراً بالـمسؤوليات العظام التي يلقيها على كاهل الـحركة السورية القومية الاجتماعية، إيـمانها الكلي بعقيدتها الراسخة وبـما تسعى إليه من أهداف ترى فيها خير الوطن وخير العالم العربي.

 

فأنتم ونحن يا سيادة الرئيس، مسؤولون،سواء بسواء، إزاء مصر وإزاء سورية وإزاء العروبة. أنتم ونحن يا سيادة الرئيس والواعون الـمخلصون مسؤولون أولاً وآخراً أمام الناس والتاريخ.

 

إيجابية الـحركة القومية الاجتماعية

 

 

يا سيادة الرئيس،

منذ أكثر من ربع قرن لم يثن الـحركة السورية القومية الاجتماعية عن القيام بـما تعتقد أنه الواجب،لا اضطهاد ولا تنكيل، لا سجن ولا تشريد، لا أرواح تزهق ولا دماء تراق،حتى سجلت طوال حياتها وفي مختلف الظروف أروع صفحات البطولة. ولن يثني الـحركة السورية القومية الاجتماعية اليوم عن القيام بـما تعتقد أنه الواجب أيضاً، لا سوء الفهم ولا الـحقد،لا استمرار اعتقال ولا إمعان في تـحد أو استفزاز، وهي إنـما تهتدي في هذا التصرف بتعليم قائدها ومؤسسها القائل:

 

»سواء أفهمونا أم أساؤوا فهمنا فإننا نعمل للحياة ولن نتخلى عنها» وعلى هذا لم تكن الـحركة السورية القومية الاجتماعية يوماً إلا إيجابية في العمل البناء الهادف للخير، الـمحيي مجد الأمة،مهما كثرت في وجهها الصعاب وتراكمت العراقيل،ومهما أصابها من قومها من سهام الـجهل والأنانية والضغينة. فالعطاء هو دوماً رائد القوميين الاجتماعيين، والـمحبة القومية الصافية هي نبراسهم الهادي في كل ما يفعلون.

 

موقفنا من ثورة يوليو

 

 

وعلى هذا كانت الـحركة السورية القومية الاجتماعية، ولعلكم تذكرون، يا سيادة الرئيس،أول من بارك حركة 23 يوليو،وأعمالكم الثورية الكبيرة التي تناولت الـحياة الـمصرية من جذورها، يوم كان الكثيرون يتخذون من مهاجمة الثورة وتشويه وجهها، لا بل من الدس عليها وشتمها، ميدان بطولة زائفة أو أداة إتـجار رخيص. ولكم كان ابتهاج الـحركة السورية القومية الاجتماعية عظيماً بأن تشهد في مصر قياماً فعلياً لثورة تكاد تعتمد معظم الأسس التي تدعو إليها هي وتكافح جاهدة لقيام مثلها في الوطن. ولكم كان استبشار الـحركة السورية القومية الاجتماعية كبيراً لثورة مصرية يجترحها شباب مصر الـميامين ويـمكنها أن تتغلب على كل عوامل الرجعة والدس والتضليل لتتفهم عقيدة الـحركة السورية القومية الاجتماعية مجردة عن كل زيف- وما أنصعها من حقيقة- ثم تتعاون معها على ما ندبت له نفسها من تـحرير العقل في العالم العربي وتـحقيق الإنقلاب الـجذري الـمنشود في التفكير وأسلوب العمل، إنتشالاً لهذا العالم مـما هو فيه، ورفعاً لراية العروبة الـحقيقية وبناء لـمجدها العتيد.

 

ولم تأبه الـحركة السورية القومية الاجتماعية لكل التهم التي وجهت إليها يومئذ في هذا الـمجال، بل مضت في بياناتها الرسمية وإذاعاتها وصحفها جاهدة في تذليل العقبات ليتفهم الرأي العام حقيقة الثورة الـمصرية مجردة هي الأخرى عن كل الزيف الذي كان يعتمد الـحاقه بها الكثيرون مـمن انتحلوا بعد ذلك، وما يزال بعضهم ينتحلون، بطولة مناصرتها لأسباب وحوافز بعيدة كل البعد عن الوطنية الـخالصة».

 

ولعلكم تذكرون يا سيادة الرئيس، أي حملة تعرضتم لها أنتم شخصياً وتعرضت لها ثورتكم الـمباركة يوم كنتم وزملاؤكم تسعون بكل ما أوتيتم من قوة في مفاوضاتكم مع الإنكليز لتحقيق الـجلاء عن مصر.ولعلكم تذكرون أي أوصاف وأي نعوت وأي اتهامات ألصقتها بكم يومئذ في الشام، أوساط الرجعة البغيضة من جهة، والشيوعية الـحمراء من جهة ثانية بصحافتها ونشراتها وبـمن حالفها عن جهل أو عن ضغينة، عن رهبة أو عن رغبة، حتى أنها لم تتورع عن إظهاركم للرأي العام عملاء للإستعمار، وطعنكم في صدق وطنيتكم واخلاصكم حتى لـمصر، في اللحظة التي كنتم تـحققون فيها لـمصر حلمها التاريخي في جلاء الأجنبي الـمستعمر عن أرضها العزيزة.

 

محاربتنا الاستعمار والشيوعية في معركة استقلال مصر

 

 

في تلك الـمرحلة كان الـحزب القومي الاجتماعي يرى واجباً عليه دفع كل تلك الأضاليل والتطوع للدفاع عن حركة قومية ثورية كحركتكم الـمجاهدة. ولم يكن عجيباً أن يقف الـحزب هذا الـموقف، فالـحركة السورية القومية الاجتماعية التي قامت لتحرير الوطن السوري وإنـجاز نهضة الأمة السورية التي هي في صميم مبادئنا إحدى الأمـم العربي، ثم علمت الناس كيف تكون مكافحة الاستعمار على مختلف ألوانه وتآمر عليها الاستعمار بـمختلف ألوانه مختلف ألوان التآمر، هذه الـحركة التي نالها من أذى الاستعمار ما لم ينل سواها من الـحركات الشعبية النظامية في العالم العربي كله، وقدمت على مذبح الـحرية القومية من التضحيات ما لا يزال حتى اليوم مصدر إلهام وعبرة لـجميع الـمواطنين، هذه الـحركة التي تعتبر تـحرر كل أمة عربية انتصاراً لها واستقلال كل أمة عربية فوزاً لها وقوة، لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء حملات الدس والتضليل والتشنيع على جهاد قطر شقيق حملتم أنتم أعباءه بل قامت وحدها تخوض في سورية معركة استقلال مصر ومعركة ثورة مصر في وجه كل الـمشككين ومن باعوا ضمائرهم للاستعمار ثم راحوا يقذفون الناس بـما هم فيه متردون.

 

ولم تكن هذه الـمعركة با سيادة الرئيس، إلا مرحلة من مراحل صراع الـحركة السورية القومية الاجتماعية مع الرجعيات السياسية والفكرية من جهة، ومع الشيوعية الـحمراء في الشام وسائر أنحاء الوطن من جهة ثانية. ذلك الصراع الذي تفرضه طبيعة الـمبادئ القومية الاجتماعية نفسها وفلسفتها العميقة. فهو إذا صراع جذري ابتدأ مع ظهور الـحركة ذاتها، أي منذ أكثر من ربع قرن، وليس صراعاً عابراً ولا صراعاً ظرفياً ولا صراعاً انتهازياً  كبعض ما نشهد من ألوانه في هذه الأيام. إنه صراع سابق حتى لثورة يوليو يا سيادة الرئيس، وأياً كانت تقلبات السياسة والأوضاع فسيستمر حتى يكتب لنا فيه تـمام الإنتصار. وذلك وحده كان حافز الـحزب الأساسي إلى مد يد التعاون الإيجابي الصادق مع سيادتكم في هذا الـمجال الـخطير، أثر خطابكم في بور سعيد بعد أن تكشفت لكم مؤامرات الشيوعيين وخططهم الـجهنمية، وبعد أن أخذتـم تخوضون مع الشيوعية الـحرب التي خاضتها الـحركة السورية القومية الاجتماعية وما تزال تخوضها بكل عناد منذ سبع وعشرين سنة.

 

يا سيادة الرئيس،

 

لو أن الأمر يتعلق بأشخاص القوميين الاجتماعيين وحدهم وبنصيبهم من التقدير فيما يبذلون من تضحيات للخير العام، لـما عمدت رئاسة الـحزب القومي الاجتماعي إلى إثارة هذا الـموضوع الـجليل في هذه الرسالة، فقد اعتاد القوميون الاجتماعيون أن لا يطمعوا في تأديتهم للواجب بأي جزاء أو شكور، بل اعتادوا أن يفرحوا في سبيل نصرة الـحق بكل أذى يصابون به، أو تضحية يدعون إلى بذلها على مذبح الوطن.

 

ولكن الأمر، يا سيادة الرئيس يتصل بـمصير سورية كلها ومصير مصر، يتصل بـمصير العروبة فضلاً عن اتصاله بـمصيركم أنتم. ونحمد الله أن قد ظهر لكم إلى أي حد تشمل الـمؤامرات الشيوعية وإلى أي حد تستهدف خططها الـجهنمية كل هذه الـمصائر.

 

معركة الـحركة القومية الاجتماعية مع الشيوعية في الشام

 

 

يا سيادة الرئيس،

 

لقد تـمكنت الشيوعية في الشام من أن تستغل إلى أبعد حدود الاستغلال، الـحادث التمؤسف الذي ذهب ضحيته الضابط السوري التمرحوم عدنان الـمالكي لكي تضرب في الصميم الـحركة الوحيدة التي تخشى بأسها وصراعها في الشعب وفي جميع الـميادين، فسخرت القضاء وأجهزة الدولة في سبيل هذه الغاية تسخيراً مشهوداً ما تزال آثاره باقية حتى اليوم، ولم يتمكن رجال السياسة من أن يقفوا في وجه طغمة الـمتحكمين من الضباط الشيوعيين والـمتشيعين، فمن لم يتطوع منهم لأن يكون أداة تنفيذ، لم يتورع من أن يجعل من نفسه عازفاً في الـجوقة الـحمراء، ومن لم يجعل من نفسه عازفاً في الـجوقة الـحمراء، اكتفى من الرجولة والـجهاد بشرف الصمت والقعود من مقاومة الطغيان الشيوعي وسيطرة الباطل.

 

دور عفيف البزري

 

وقد يكون  مفيداً يا سيادة الرئيس أن نذكر أن الـمحكمة العسكرية الـخاصة التي نظرت في مقتل الـمرحوم العقيد الـمالكي وحاكمت الـحزب، كانت تـحت هيمنة عضوها الأول الضابط الذي خبرتـموه جيداً وعرفتموه جيداً، الضابط عينه الذي كنا نؤكد شيوعيته أيام محنتنا، بـمختلف وسائل النشر والإثبات الـمتوفرة لدينا، فكانت تسبغ عليه نعوت البطولة والنزاهة والـجهاد، الضابط عفيف البزري الذي يقود اليوم لواء الـحرب الشيوعية على الشام وعلى »الـجمهورية العربية الـمتحدة» وعلى سيادتكم بالذات.

 

واندفعت الأبواق الـحمراء تـحاول تـحطيم القلعة الـحصينة الشامخة في وجه الطغيان الأحمر، تـحاول خنق الـحركة السورية القومية الاجتماعية، ولـما لم تتمكن محاكم دمشق نفسها من تـجريـم الـحزب في مصرع الـمالكي بالذات بل اضطرت إلى تبرئته بجميع مؤسساته من هذه الـجريـمة، مضت في جو من الضغط والإرهاب في محاولة التصفية ملصقة بالـحزب ورجاله الـمناضلين مختلف ألوان التهم، حتى أن الأحكام التي صدرت لم يكتب لها أن تقترن بالإجماع بل عارضها رئيس الـمحكمة نفسه القاضي الـمدني الأستاذ بدر الدين علوش، ووقعت من قبل ضابطين فقط كان أحدهما عفيف البزري.

 

أغرب عرفان بالـجميل

 

ومن الـمؤسف يا سيادة الرئيس أن تكون إذاعات مصر الرسمية وصحافة مصر الـموجهة قد أخذت يومئذ بدعايات الأبواق الشيوعية، فتطوعت أعظم تطوع لـخدمة الأغراض الـحمراء دون تثبت من الواقع، ودون أي سعي وراء الـحقيقة، فكان هذا أغرب عرفان بالـجميل واجهته الـحركة السورية القومية الاجتماعية طوال كفاحها الـمستميت في سبيل الـحق والـخير.

 

أنصار الشيوعية بالأمس يدعون محاربتها اليوم

 

 

ومن الغريب يا سيادة الرئيس أيضاً أن يكون الـمتطوعون يومئذ في الشام لتنفيذ الـخطط الشيوعية، ومن بادروا لنصب أنفسهم أبواقاً للبزري وطغمة الـمتحكمين الـحمراء، هم هم اليوم الذين يدعون مناصرتكم في حربكم الـجديدة على الشيوعية، بل الذين يدعون أمامكم وأمام الناس بلا حياء، احتكار شرف مكافحة الـجرثومة التي زرعوها بأيديهم وتعهدوا نـموها بـمختلف ألوان العناية والرعاية، حتى باتت تهدد الوطن كله، بل العالم العربي كله والشرق الأوسط بأسره.

 

قالوا في الـحزب ما قالوه فيكم من قبل، وما يقولونه فيكم اليوم وما قد يقولونه غداً: صنيعة الاستعمار،فاشيستي عدو سوريا،عدو مصر،شعوبي،عدو الاتـحاد،عدو العروبة ...بل حتى نصير »اسرائيل». ذلك أن الـحركة السورية القومية الاجتماعية كانت واعية كل الوعي للخطر الأحمر الـمحدق، لا بالشام وحدها بل بالوطن كله على النحو الذي أظهرته تطورات الأحداث فيما بعد، شاملاً بعواقبه الوخيمة لبنان والعراق والأردن، بل شاملاً العالم العربي كله، ومصر بالذات وعلى الـخصوص.

 

كيف ولـماذا ارتـجلت الوحدة

 

يا سيادة الرئيس،

 

لسنا في معرض دفع التهم لديكم عن الـحركة السورية القومية الاجتماعية، فإن لها من تاريخها ومن مبادئها ما يضفر على جبينها الوضاح الكثير من أكاليل الغار.

 

ولكن من حقكم علينا أن نوضح لكم حقيقة موقف الـحركة السورية القومية الاجتماعية من الوضع الـجديد الناشيء عن الوحدة السياسية الـمستعجلة بين مصر والشام، هذه الوحدة التي انبثقت عنها »الـجمهورية العربية الـمتحدة» فآلت إليكم بوصفكم رئيساً لهذه الـجمهورية مسؤوليات الـحكم الأخيرة لا في مصر وحدها بل في الشام أيضاً.

 

وقد أصبح واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة،كما أنه قد ورد صريحاً في الكثير من خطبكم وتصريحاتكم الأخيرة، إن الذين لم يتورعوا عن أن يتحالفوا مع الشيوعية في الشام، بلوغاً لـمقاصدهم الـخاصة وجرياً وراء عنعنات محلية رخيصة، دون نظر منهم إلى مصلحة البلاد العليا ومستقبلها ومصير استقلالها إزاء مطامع الاستعمار الغربي والاستعمار الشرقي على السواء.

 

هؤلاء الذين حالفوا الشيطان وأفسحوا له مجال العبث بالـمصير القومي ومجال الهدم والتخريب.

 

هؤلاء الذين كانوا يد الشيوعية وبوقها، أنصاراً للشيوعيين وأتباعاً لهم..

 

هؤلاء هم الذين تراكضوا إليكم ليضعوا على كاهلكم أوزاراً لم تكونوا أنتم مسؤولين عنها، منادين بالويل والثبور مستنجدين مستغيثين بهذا الإلـحاح وهذا التسرع كي تتسلموا فوراً أمور البلاد، وتتحملوا وتتحمل مصر ما كنتم وكانت مصر، وما كانت القضية العربية كلها، بغنى عنه من الـمتاعب والـمصاعب والـمكاره، وما ذلك إلا إنقاذاً لـما تبقى لهم من نفوذ، وستراً لـما اقترفته أيديهم من جرائم بحق الوطن والـمواطنين، وتغطية بالقومية العربية والوحدة العربية لـمسؤوليتهم التاريخية في دفع الشيوعية إلى الأمام ولعجزهم الفاضح في العودة لـمكافحتها الـمكافحة الفعالة.

 

وقد جاءت الوقائع والأحداث تثبت أن الوحدة الـمصرية الشامية قد رافقها من عناصر الارتـجال ما أوردها وأورد مصر والشام الكثير من موارد التخبط الذي ما أفادت منه مصر ولا أفادت منه الشام ولا إفادات منه العروبة.

 

عواقب التدخل بإسم القومية العربية

 

 

وجاءت الوقائع والأحداث تثبت أيضاً عواقب التدخل الذي جرى، بتحريض من الشيوعيين والـمتشيعين وغيرهم من طالبي الانتصارات الوهمية، وبإسم القومية العربية والقضية العربية في شؤون الكيانات السياسية الأخرى ولا سيما لبنان والأردن والعراق، مـما كان من شأنه أن يولد لدى الـمواطنين في الوطن الواحد أحقاداً طائفية وعنصرية وإقليمية تعيق وحدة الأمة وتعرقل التعاون العربي الصحيح. ويكفي أن نلقي نظرة عجلى على حال العراق اليوم- ولا نذكر لبنان- لنقدر خطورة هذه العواقب ومدى الـمكاسب التي تـحققت للشيوعية من جراء شذوذ الأوضاع، ومحاولة انتزاع الانتصار الوهمي من صميم الفشل الذريع.

 

وفي غمرة هذا التردي تقلصت مشكلتنا الأولى، مشكلة فلسطين، من أذهان الـمواطنين، وتناسى رجالنا الـخطر الصهيوني الـمخيف وانـجرفوا في دوامة الـمسائل الـجزئية والعنعنات الـمحلية، بينما تتحفز »اسرائيل» كل يوم لعدوان جديد، وما الهجرة الصهيونية الأخيرة إلا حلقة جديدة من حلقات هذا العدوان.

 

وفي غمرة هذا التردي كم أصاب الضعف والوهن الـمقاومة العربية للاستعمار، ولا سيما في الـجزائر وغيرها من الأقطار الـمناضلة للتحرر.

 

وجاءت الوقائع والأحداث تثبت أيضاً أن الذين أفسدوا كل شيء لن يكون بإمكانهم أن يصلحوا شيئاً، وأن الذين أيقن الشعب بإفلاسهم السياسي والعقائدي لن يكون بإمكانهم خوض معركة الشعب ضد الـمبادئ الهدامة والعقائد الـمميتة.

 

إيـماننا بعروبة سورية

 

 

نحن نؤمن يا سيادة الرئيس بعروبة الأمة السورية، ونؤمن إيـماناً أصيلاً لا يتبدل، لأنه من صميم تعليمنا الـحزبي، بإن سورية لن يكون بإمكانها أن تتخلى عن مركزها في العالم العربي ورسالتها إلى العالم العربي ودورها في العالم العربي في القضايا العربية. نؤمن أن سورية هي سيف العالم العربي وترسه، هي قلب العروبة الـخفاق الذي منه تستمد العروبة الـحياة. نؤمن بضرورة قيام الـجبهة العربية القوية من الأمـم العربية الـمتحررة الناهضة القادرة على الوقوف في وجه جميع الـمطامع الأجنبية، وقد جعلناها غاية من غايات الـحزب الأساسية التي، إن تعامي عنها الـمتعامون أو تـجاهلها الـمتجاهلون، فإن كل قومي اجتماعي يحفظها ويعمل لأجلها كما يعمل لإنـجاز القضية القومية ذاتها. نؤمن- بكلمة- أن لا انفصال بين سورية والعروبة، إذ العروبة طابع اقترن بجوهر سورية اقتراناً تاريخياً لا مجال لإنكاره إلا لكل مكابر جاحد لـحقائق التاريخ، ولا مجال أيضاً لادعاء احتكار الإيـمان به إلا لكل من لا يرى رأياً غير رأيه وإيـماناً غير إيـمانه وعلماً غير علمه.

 

ونؤمن أيضاً بأن الأمة الـمصرية أمة عربية، نؤمن بعروبتها كما نؤمن بعروبتنا، وبذلك نتمنى لها ونعمل لـخيرها وتوفيقها ونـجاحها وتقدمها كما نتمنى ونعمل لأمتنا. كل قوة لها قوة لنا، وكل ضعف لها ضعف لنا، انتصارها انتصارنا، وتقهقرها تقهقرنا.

 

وكذلك شأننا إزاء كل شعب عربي، وكل من يزين للناس غير هذا لن يكون إلا مفترياً متجنياً على الـحقيقة وعلى واقع الـحركة السورية القومية الاجتماعية وأفكارها ومبادئها.

 

الاتـحاد الذي نريد

 

وعلى هذا فنحن نحن أنصار التضامن العربي الصحيح ودعاة الاتـحاد العربي السليم. ولكننا لا نتخذ من هذا التضامن أو من هذا الاتـحاد سلعة، ولا نتخذ منه أداة لـخدمة أغراض خصوصية، ولا نرضاه كما أرادوه موئلا نتستر به على عجزنا عن مطلب النهوض بأمتنا ودفع الأخطار الـمحيقة بنا، ولا سبيلاً إلى تـحميل سوانا من الأمـم العربية تبعات هي في الأصل تبعاتنا، وعلى شعبنا نفسه أن ينهض بها بنفسه فلا يكون عالة على أحد ولا عائقاً لتقدم أحد، وهو الـمدعو لأن يكون في طليعة الشعوب العربية وعياً وطاقة وانتاجاً وقوة وقدرة.

 

وها هي عواقب الارتـجال- ارتـجال الوحدة الـمصرية الشامية على غير قواعد العلم وعلى غير هدى التاريخ ومنطق الأوضاع القومية- ها هي عواقب الارتـجال الذي دفعوكم إليه وحملوكم عليه كما ورد مراراً في تصريحاتكم الأخيرة، تظهر اليوم بكل مخاطرها لتفسح الـمجال لـمكاسب ملحوظة تـحققها الشيوعية ذاتها في الشام بعد ما حققته في العراق وما حاولت  تـحقيقه في لبنان والأردن، وذلك عن طريق استغلال تـململ الشعب في الشام ونقمته الـمتصاعدة على الوضع الـمصطنع الـمتردي يوماً بعد يوم.

 

أسس إصلاح الأوضاع

 

يا سيادة الرئيس،

 

إن الـحركة السورية القومية الاجتماعية الصامدة في ميدان الصراع من أجل ضمان الـمصير الأمثل للوطن والـمستقبل الأفضل للعروبة في جميع أصقاع العروبة، هذه الـحركة التي دأبت على رؤية الكوارث وتـحذير الشعوب العربية من عواقبها قبل وقوعها.

 

إن هذه الـحركة الفخورة بجراحها لأنها جراح أعزاء لا جراح أذلاء، لتتوجه إليكم بهذه الـحقائق، صادقة كل الصدق، معربة بهذه الـمناسبة عن تصميمها الأكيد على مواصلة نضالها الـجبار في سبيل خدمة البلاد ورفع مستوى العمل السياسي فيها لإنقاذ الشعب من الـمهاوي التي أوقعه فيها استمرار التمويه والتغرير. وهي، وعياً منها لـخطورة الـموقف وما تتطلبه مصلحة الشام ومصلحة مصر ومصلحة العروبة، تدعوكم اليوم مرة أخرى الدعوة الشريفة الـمخلصة، إلى أخذ الـمبادرة لوضع الأمور في نصابها من جديد على الأسس التالية:

 

أولاً- إقصاء جميع العناصر الـمسؤولة عن فساد الأحوال وتدهور الأوضاع وانتشار الـخطر الشيوعي بتواطئها مع الشيوعيين، وإلغاء جميع الـمظالم الشيوعية التي شملت فئات الـمواطنين على اختلافهم بفعل الـحكم الشاذ الـحقود الفاسد الذي سبق قيام الوحدة.

 

ثانياً- إفساح الـمجال للشعب في الشام كي يعبر بحرية تامة وضمن نظام ديـمقراطي صحيح عن إرادته الـحقة، واختيار العناصر الـخيرة الـمخلصة الـمناضلة لتسلم زمام الأحكام.

 

ثالثاً- التمهيد بذلك لإعلان الرجوع عن خطأ التسرع في تـجربة الوحدة، والـمبادرة إلى تصحيح أوضاع العلاقات الـمصرية الشامية تصحيحاً يضمن عودة الشام إلى وضعها الطبيعي الذي فيه استقرارها وازدهارها، كما يضمن إستمرار التعاون الإيجابي الوثيق الـمنظم بين الشام ومصر في صيغة جديدة تكون نواة للجبهة العربية القوية الـمنشودة والتي يـمكنها وحدها أن تقف سداً منيعاً في وجه جميع الـمطامع الأجنبية، والـمبادئ الشيوعية الهدامة، والـحركة السورية القومية الاجتماعية على استعداد لتقديـم مضامين هذه الصيغة الـجديدة تفصيلاً إذا لاقى نداؤها لديكم الاستجابة الـمرجوة.

 

رابعاً-دعوة الدول العربية الأخرى للإنضمام، في ظل الكرامة والشرف إلى هذه الصيغة الـجديدة.

 

لـمجد سورية ولانتصار العروبة الـحقيقية

 

يا سيادة الرئيس،

 

إن هذه الدعوة التي توجهها إليكم الـحركة السورية القومية الاجتماعية هي الدعوة الضامنة خير سورية وخير مصر وخير الشعوب العربية كلها، بل هي الدعوة التي تـحقق انتصار العروبة الـحقيقية، وتقطع الطريق نهائياً على الـحركات العنصرية والأحقاد الطائفية وعلى الـمؤامرة الشيوعية وأهداف الاستعمار أحمر وغير أحمر، فتتمكن بذلك أمتنا وأمتكم والعالم العربي من استعادة القوة الضرورية للوقوف في وجه الـخطر الـجاثم في قلب وطننا، الـممزق لصدر العروبة، خطر الصهيونية الأثيمة حليفة الشيوعية الـمجرمة في نشر الفوضى والاضطراب والـخراب عندنا وعندكم وفي كل مكان، وليس في مصلحة أحد سواهما تبعثر القوى القومية في العالم العربي، وتدهور أوضاع هذا العالم على النحو الذي نشهد، بنتيجة التنكب عن سبيل العلم، وعن سبيل الصدق، وعن سبيل التعاطف الـحق والتساند العربي الصحيح إزاء الأزمات.

 

ولا بد يا سيادة الرئيس، للخير أن يسود، ولا بد للحق أن ينتصر، ولا بد لهذه الأمة من أن تـجد طريقها القويـم إلى الـحياة مهما طال بها التخبط.

 

بهذا نحن نؤمن،ولا نشك بإن سيادتكم تؤمنون. بهذا الإيـمان سرنا وسنظل سائرين على درب كفاحنا الشاق الطويل لـمجد سورية ومجد العروبة.

 

 

بيرت في 21 أيار 1959

 

                                                          رئيس الـحزب القومي الاجتماعي

                                                                   عبدالله محسن

                                                            

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro