إذا كانت مصر أبت القبول بـمشروع الوحدة الاقتصادية- الـحربية الذي عرضته حكومة الشام في القاهرة، وقدمت بديلاً عنه عروضاً بتقوية الـجامعة العربية عن طريق التغيير في جهازها، وعدم التمسك بأمين عام مصري للجامعة، واقتراح قائد عام شامي لقوى الـحلف الثلاثي الـمقترح، فإن ما ينبغي أن يتنبه إليه السوريون جميعاً، هو أن الوحدة الاقتصادية- الـحربية نفسها بين الشام ومصر والسعودية، لو تـحققت، ما كان يـمكن لها أن تعوض الشام عن وحدة السوق الطبيعية في الهلال السوري الـخصيب، وأن العلة في الـجامعة العربية ليست في جهازها ولا في كون أمينها العام مصرياً أو غير مصري، كما أن القوة القومية لا يحققها قيام قائد شامي أو غير شامي.
كل هذه الأمور التي تعرض من هذا الطرف أو ذاك تخرج عن الـخط الطبيعي الواقعي السليم، وتدل بجلاء على أن الـمسؤولين والقادة، ما زالوا يجهلون معنى البيئة الطبيعية ومقتضيات الـحياة القومية، فيتعثرون في حلل مرتـجلة يتوهمون فيها علاجاً للأوضاع.
البيئة الطبيعية هي البيئة التي تتمم بعضها بعضا، فكل بتر لأي جزء منها يعرض الـحياة القومية للاضطراب أو الـخلل، إذ يشل دورة الـحياة الاقتصادية- الاجتماعية- البشرية ويفقد النشاط الانساني الاقتصادي والاجتماعي جانباً من حيزه الطبيعي والـمجال الصحيح لنموه وتكامله.
والهلال السوري الـخصيب هو بيئة طبيعية تشكل في الأصل وحدة سوق طبيعية جاءت الأصابع الأجنبية تعبث فيها وتـمزقها وتصطنع فيها دولاً تعمل على أن يكون لكل منها اقتصادها الـخاص ودورتها الـحياتية الـمتميزة، فبات اقتصاد كل دولة من هذه الدول عاجزاً عن أن ينمو، ما دام قد فقد مجاله الطبيعي، وعاجزاً عن أن يتكامل ويزهو ويوفر للشعب الرخاء والقوة والتقدم.
هذا الذي افتعلته الغايات الأجنبية والـمطامع الصهيونية في الهلال الـخصيب، هو ما ينبغي أن يتجه السوريون، في كل كياناتهم، إلى القضاء عليه إذا ما رموا إلى تـحقيق الـحياة الـخيرة السعيدة النامية لأجيال السوريين.
وليس يعوض الشام عن وحدة سوقها الطبيعية في الهلال الـخصيب، ولا يعوض اقتصاد الشام الـمتهدم الفاقد الأساس في أوضاع التجزئة هذه، أية وحدة اقتصادية مع مصر أو السعودية ما دامت البيئة الطبيعية السورية مـمزقة على هذا الوجه وما دام كل جزء فيها، الـمتمم للأجزاء الباقية، يدور على محور خاص بـمعزل عن الأجزاء الـمتممة له والتي لا حياة له ولا قوة بدون تلاحمه معها.
إن الـحقائق الاقتصادية- الاجتماعية، لا تخضع للنزوات والأهواء وإنـما هي وليدة البيئة الطبيعية ومقتضياتها.
وما على الـمسؤولين عندنا إلا أن يقبلوا الأرقام الإحصائية الإقتصادية وهي التي تستمد وجودها من الواقع الطبيعي ومن الضرورات الـحياتية لا من النظريات والأوهام ليتبين لهم أن ارتباط الاقتصاد الشامي بالاقتصاد اللبناني والعراقي أو الأردني، أمر لا يـمكن أن يقاس به مطلقاً التبادل الاقتصادي بيننا وبين مصر التي لا يزيد تبادلنا معها على الواحد بالـمئة من مجمل إنتاجنا.
إن تأمين مجال القوة والازدهار لاقتصادنا القومي لا يكون بالقطيعة مع لبنان وبالأزورار عن العراق ثم بالتوجه طلباً للتعويض، إلى مصر أو غيرها وإنـما يكون في نسف العوامل التي سببت القطيعة والأزورار والانكماش في دول الهلال الـخصيب.
إن توحيد شؤون الـحياة بين الشام ولبنان والأردن والعراق ينبغي أن يكون القاعدة في عمل الـمسؤولين في كل كيانات وطننا ومسؤولي الـجمهورية السورية بشكل خاص، فلا تغيب عنهم الـحقيقة الطبيعية في عاصف النزوات والأهواء. والـجامعة العربية لا ينهض بها إبدال أمين عام مصري بأمين عام شامي، ولا بتغيير جهازها الـحالي، بل ينهض بها قيامها على أسس سليمة، على تعاون الوحدات الطبيعية في العالم العربي وقد استكمل كل منها أسباب وحدته وسيادته.
إن تعاون الهلال السوري الـخصيب في وحدته مع وادي النيل في وحدته مع شبه الـجزيرة العربية في وحدتها والشمال الأفريقي، إن تعاوناً هذا شأنه هو السبيل الوحيد للنهوض بالـجامعة العربية من مهاوي التعثر والضعف إلى قمم التفوق والنجاح والعز. ووحدة القوى السورية في الهلال الـخصيب لا يعوض عنها توحيد بعض الفرق بقيادة قائد شامي أو غير شامي.
إن الـحكومة الشامية، في دراستها لنتائج رحلة وزير الـخارجية إلى القاهرة، مدعوة إلى التبصر في هذه الـحقائق، وإلى وعي حقيقة الهلال السوري الـخصيب وضرورته، وإلى أن تتجه الاتـجاه الواقعي الطبيعي السليم، فتفرض للسوريين في الشام ولبنان والأردن والعراق، ما يكفل لهم ولأجيالهم مصير الفلاح والعز والقوة.
»البناء» 5 نيسان 1955
عصام الـمحايري