«أيها السادة
أنه يؤسف الدفاع أن يكون قد وضع أمام وقائع راهنة لا يسعه الـمناقشة فيها والدفاع عن فاعلها، ولكنه يسمح لنفسه بأن يقول:
من خلال التمرد على الـحكم والإنتقاض على الـحكام،
ومن خلال الـجنوح الـمسلح عن الكيان الوطني والـمصلحة الوطنية العليا،
ومن خلال الشغب والعبث بالأمن، والاعتداءات،
ومن خلال النار، والـحديد، والدم،
ومن خلال هذا، وذاك، وذلك أرجو أن تنفذوا ببصائركم الثاقبة إلى نفسية هذا الرجل الذي منه انبثق كل هذا، وكل ذاك، وكل ذلك،
رجل خيّل إليه أنه يحمل رسالة التشييد والتعمير فإذا به ينقلب، على غير علم منه، أداة خطرة للتدمير والتهديـم. أقول على غير علم منه لأني أخاله وقد وقف في غفلة من عمره على مفترق ذينك الأفقين، أفق التعمير وأفق التهديـم، وفيما كان في نيته التحليق نحو الأفق الأول إذا به يُجزب بزوْغ من الفكر نحو الأفق الثاني فيصبح، دون أن يدري، في جو لم يكن يريده لنفسه، ويجتمع حوله أذنابه. في هذا الـجو عناصر...هم الـمدمرون والهادمون فيشمرّ هو عن ساعديه ويشمرون.
إذاً، أمامكم أيها السادة رجل قام في عمق نفسه إعصار أفسد على فكره صفاءه وإدراكه حتى انقلب الشر في عرفه خيراً والإرهاب برداً وسلاما.
فإلى هذه الـحالة النفسية الـمضطربة من الرجل استرعي أنظاركم وأطلب، ليس براءة ساحته كلها لأن ساحته عابقة برائحة البارود ومخضبة جوانبها بالدم، ولكني ألتمس من حضرتكم الـحكم بعدم مسؤوليته عما أتاه. لأن ما أتى به إنـما صادر عن تشويش مزمن في جوّه النفسي الـملبّد بالغبوم».
ثم تلا الـمحامي رزق الله شفوياً المادة 332 من قانون العقوبات العام:
«من كان حين اقتراف الفعل مصاباً بعاهة عقلية وراثية أو مكتسبة انقصت قوى الوعي أو الإختيار في أعماله يستفيد قانوناً من إبدال عقوبته أو تخفيضها وفقاً للمادة 152 التي تنص على الأعذار الـمخففة».
ولكن سعاده أبدى انزعاجه من الـمرافعة. يقول رزق الله «ولدى فروغي من الكلام رمقني الزعيم شزراً ومعاتباً بالقول:«أمجنون أنا، مجنون؟» أجبته مرتبكاً «فليكن الله بيني وبينك يا أستاذ».