حضرة رئيس الـمجلس الأعلى،
وردني البريد الأخير فقرأت فيه تقريركم الطافح بالأحداث الغريبة الـمؤلـمة الداعية إلى التأمل العميق في حالة أمتنا والأخطار الـمحدقة بها والعوامل والقوات العظيمة العاملة على قتل حيويتها ومصالـحها وحقوقها. وهذه أمور كنت أترقب بخشية كبيرة وقوعها فحاولت جهدي في الوقت الذي سمحت لي به الظروف، أن أوقظ الأمة وأنبهها للأخطار الـمداهمة.
ولكن الـمادية القاتلة الـمسيطرة، ووجود صحافة واسعة النطاق تخدم مصالح الأجانب الاستعمارييـن وتندفع في خدمتها عند أقل إشارة، وانعدام حرية القول والاجتماع، وقيام إدارة تـجرّد كل واحد فيها من أي شعور حقيقي بالقومية أو محبة الوطن، جعلت مجهودي يضيع قسم كبير من مفعوله السريع ويقتصر على قسم من القومييـن الواعيـن. فالـحالة الـموجودة الآن في اللاذقية ولواء الـجزيرة وأنحاء أخرى هي ما توقعته وأشرت إلى إمكانيته في «البلاغ الأزرق»، الذي أشرت فيه إلى الـخطر العظيم الكامن في الاعتماد على سياسة الـمفاوضات وإغفال مسألة تنظيم الأمة تنظيماً قومياً يكسبها القوة الكافية للبقاء والثبات.
ولكن «الكتلة الوطنية»، هذه الكتلة الـجانية الأثيمة، هذه الكتلة التي جبلت على الأنانية والرعونة وضربت بالـجنون، اندفعت وراء الطعم الذي ألقاه إليها الاستعمار ودفعت الشعب في الداخل وراءه، ولم يخطر لها في بال أن تتريث لعلها تـجد وراء الطعم شصّاً. ولقد جاء بلاغي قبل إنـجاز الأمر وتوصياتي إليهم من السجن. ولكن أنانيتها كانت قتالة فلم تسمع ولم تعِ. والآن تـحمل هذه الكتلة الـمجنونة وزر الاشتراك الفعلي في تنفيذ السياسة الاستعمارية في بلادنا.
ويا ليت أحداً منا يقدر على درس هذا الـموضوع وجمع وثائقه وإظهار هذه الـحقائق للأمة. أو ليت الوقت يسمح لي أنا، وأنا الآن على أهبة عمل جديد، من الانصراف إلى وضع شيء بهذا الـمعنى. خصوصاً وأنّ صحتي تـحتاج إلى وقت أطول للعودة إلى درجتها السابقة. فهي الآن قد تـحسنت كثيراً. ولكن لا بد من الاستمرار في هذه الناحية.
قرأت رسالة الأميـن [نعمة] ثابت ووقفت على رأيكم في موضوعها. وأنا أقول بسرعة الاتـجاه في هذه الناحية. ولكني أقول أيضاً إنّ السرعة منوطة بالـمقدرة العامة وحسن الاستعداد.
وهنا يؤسفني أن أذكر الفصول الـمؤلـمة التي جرت أمورها البليدة الغريبة لعهد نيابة الزعيم الأولى. فقد تكررت رسائلي من السجن وطلباتي الانكباب على إنشاء الـميليشيا، ولكن ما حدث من هذا القبيل كان إيجاد بعض الأشكال الـمرسحية. وأنا أوافق على رأيكم في الـملاك الذي تقتضيه الـحركة في الوقت عينه الذي أقدّر فيه تقديرات الأميـن ثابت لتطور الـحركة بعد إعلان الأمر وانقضاض الصاعقة.
ومن جهة أخرى إنّ الأمر ولو نـجح في البدء لا يكون نـجاحه فاصلاً إلا إذا اكتملت وجهته الإنترناسيونية. ويـمكنكم أن تتخذوا إسبانية مثالاً على ذلك مع اعتبار البعد بيـن حالة إسبانية وحالتنا العامة. على كل حال، أريد أن تبذل الـجهود في ناحية التدريب وتوجد التشكيلات الرئيسية في مناطقها التي تعيّـن لها. وهذا الأمر يجب أن يقرره قائد التدريب وأركانه ويضع له الـخطة التنفيذية.
ويجب أن يدرس الـمجلس الأعلى إمكانية استعمال السلك الـموصول بوليم [سابا] ويـمكن أن يكلف الركن منير [الـملاذي] الاشتغال في هذه الناحية ووضع حساب ما يـمكن لنا الاعتماد عليه كل الاعتماد من هذا السلك، ويضع تقريراً بذلك يرفعه إلى الـمجلس الأعلى وترسل نسخة منه إليّ. ويجب الـحذر جد الـحذر من الـحلبي وأذنابه، ورئيس الـمكتب التنفيذي في «العدد الـمجهول» يعرف شأنه.
إنّ الإسراع في العمل الذي يقترحه الأميـن ثابت يجب أن يكون على قدر خطانا وإمكانياتنا.
رحلتي: قد خابرت أسد الأشقر منذ نحو عشرة أيام بالبريد الـجوي. وقد طلبت عنوانه لأتثبت من صحته فوجدته صحيحاً، ويجب أن يردني منه جواب قريباً، إلا إذا كـان غائباً. وفيما يختص بنفقة الرحلة فقد أخبرني منفّذ دمشق في رسالة قديـمة أنّ العضو حنيـن ديرعطاني مستعد لأن يضع تـحت تصرفي مئة ليرة إنكليزيـة فأريـد التحقق من ذلـك، وهل الـمبلغ جاهز أو متى يكون جاهزاً، وقد أرسلت كتاباً إلى عزيز ثابت في مصر بواسطة جبرائيل مالك في دار الهلال وأنتظر منه جواباً وسأكتب إلى الـمدير على العنوان الـمرسل إليّ.
مقرّي: يجب الاستمرار في الإيهام أني لا أزال في لبنان. وهذا يكون بائتمان الأشخاص الـمقربيـن أني لا أزال موجوداً، ولكن يجب عليهم أن ينكروا معرفة مقري ويجب أن تعطى بعض التعليمات بناءً على أوامر الزعيم أو حسب إشارته. وقد عرف أعضاء غير قليليـن في حيفا بوجودي. فيجب التعميم بكتمان مقرّ الزعيم واتـجاهه لكل من رآه أو عرف مقره. تقريركم:
1 - وقفت منه على أخبار الاتـجاه العام في لبنان، فهو في مسيره الطبيعي الذي عرفته من قبل. ولست أرى الـحكم على [أنطوان] الشلفون بالسجن الـمؤبد «سابقة ملعونة جداً»، ولكن السابقة الـملعونة خطابة الشلفون ورواية الـجرائد الـملعونة أقواله وعدم تطبيق السجن عليه.
2 - إذا تطور الاضطهاد ضد القومييـن نحو الاتـجاه العام، فيجب أن ينفذ ما قرره الـمجلس الأعلى بشأن الـمظاهرات، ويجب الامتناع عن التسليم للجور، واتخاذ التدابير لعرقلة أعمال الـملاحقات. وهنالك مسألة كنت حدّثت الأميـن [جورج] عبدالـمسيح بها قبيل سفري وتثبت من الذين يعنيهم الأمر فيجب عدم إغفال هذه الـمسألة. أما وحشية الطبقة النفعية في لبنان فقد خبرت منها الشيء الكثير وليس [فرنان] أرسانيوس أول بطل من أبطالها ولكنه يريد أن يكون بطلاً متفوقاً في هذا الـمضمار ويؤدي للاستعمار خدمة لم يتمكن من تأديتها مدعٍ عام ورئيس مكتب تـحريات قبله، فهذا يجب وضع اسمه على القائمة الزرقاء.
3 - إنّ الأمير أميـن أرسلان يغمرني بغيرته واهتمامه. والـحزب كله مديون لهذا الرجل بـمساعدات غير قليلة فبلّغوه سلامي وتقديري. أما نشر البشير خبر محاولتي الفرار إلى شرق الأردن عن طريق الـجبل الدرزي فتعليله أنّ هذه الفكرة قديـمة، وفي حالة حصل فيها توتر بيننا وبيـن الـحكومة قبل الانتخابات رأيت الاحتياط للطوارىء فكلفت محمد الباشا السفر إلى الـجبل الدرزي ليدرس لي إمكانيات اجتياز الـحدود بدون جواز إلى شرق الأردن ويتخذ التدابير اللازمة لهذا الأمر، وقد عاد الباشا بعد أن هيّأ الـحالة الـمناسبة وكان باقياً في الـجبل في تلك الأثناء جميل هرموش، وكان عليه أن يرافقني. فالباشا يعرف الأمر من قبل وقد يكون اتصل بالأمير مؤخراً.
4 - يجب اتخاذ الـحيطة الكافية في إخفاء الأوراق الـحزبية بكل دقة وإتقان، حتى لا تذهب ضياعاً، والأشخاص الـمكلفون بالـحفظ يجب أن يكونوا حكماء.
5 - بلغني بواسطة منفّذ دمشق انتداب [فخري] البارودي لـمعرض نيويورك وأضاف تقريركم فؤاد مفرج وهذا طبيعي. يجب مراقبة مجرى هذا الأمر ومعرفة الوقت الـمعيّـن لسفرهما، لأنه يجب أن أسبقهما إلى هناك. ولهذا يجب كتمان خطتي الـجديدة كل الكتمان فلا يتسرب إليهما شيء ويجب تـحذير منفّذ دمشق في هذا الصدد.
6 - إنّ سير الأمور في شرق الأردن حسن فليتابع على هذا النمط. وكنت قد تـحدثت مع نايف [قعوار] عن إمكانيات عملية لبعض الـمسائل الـمعينة وأكد لي وجود هذه الإمكانيات في شرق الأردن فيجب ربط هذه الإمكانيات بالإمكانيات التي كتبت إلى وليم [سابا] بشأنها. وليذكر لي وليم إذا كان قد تسلّم كتاباً أرسلته إليه بواسطة سامي على عنوان بيته. ولا بأس أن يُستمع للعسيلي ولكن يجب أن يوضح إمكانياته.
7 - أصدرت تعليماتي في كتاب سابق بشأن عدم إقرار رئاسة مجلس الوكلاء فليجرِ بـموجبها.
8 - الـجريدة. كان جورج شقير يريد عرض اقتراح بهذا الـمعنى. وعلى كل حال متابعة هذا الـمشروع تفيد وكذلك الـمجهودات في سبيل الـمدرسة.
9 - دفاتر السينما. لا يزال باقياً معي دفتر الروكسي وهذا أرسله مع هذا البريد. أما دفتر الأمبير فقد نسيت مع من بقي. وكذلك أرسل تفويضاً خطياً مع هذا البريد لـمن اعتمدته بصدد نشوء الأمـم.
ملاحظات وتوجيهات: إنّ ضربات كثيرة حلّت بنا من جراء بلوغ غير الـمؤهليـن إلى الـمراكز العالية في الـحزب. ورفعت زنتوت وجورج حداد ويوسف شقير أمثلة بارزة في هذا الباب، والآن تظهر قضية محمد الباشا [الـمناصفي] وقد كنت منذ البدء غير راضٍ عن ارتقائه بهذه السرعة إلى مواضع الأسرار بناءً على أنه «يكتب العربية جيداً ويشتغل كثيراً إذا أعطي شغلاً». ولكن الأميـن ثابت كان لا يرغب في التخلي عنه، وكنت أظن أنه يختبره من النواحي الأخرى ويثق به، وكان من الـمصائب ألا يعرف رجال بلغوا أعلى مراتب الـحزب مسؤولياتهم في هذه الـمرتبة وواجباتهم.
فإنّ كثرة أشغال الأميـن [عبدالله] قبرصي كانت تـمنعه من تسجيل وقائع جلسات العمد! وأعمال الـحزب عنده تأتي بعد الفراغ من أعماله الـخصوصية التي يوجه إليها كل اهتمامه، وبعد الـحياة الاجتماعية وبعد رضى امرأته! وقد آن لنا أن نحسّن الأمور ونـمنع تكرار الأغلاط السابقة، فكل شخص لا نعرفه معرفة جيدة ولم نختبره من قبل يجب ألا يقبل في أية وظيفة مركزية أو هامّة إلا بعد أن يعطي الـمكتب الـمختص موافقته.
فيما يختص بالأمر: إلى اليميـن، إلى اليسار، لي. توضع كلمة أشخاص في محل لي أو صب. وفيما يختص بأكرم فإنّ الشبهات التي يتكلم عنها منفّذ الشمال كنت قد وقفت عليها في طرابلس ولم أجدها ترتكز على أساس متيـن وهي من نوع أنّ الشخص شيوعي سابق أو كانت له علاقات مع شيوعيي طرابلس. ومع ذلك يحسن اختباره.
كنت قد كلّفت روبير خلاط القيام بـمساعٍ سياسية داخلية، وبحثت معه قضية الكنيسة الشرقية الـمستقلة ورئيسها، وأحبّ أن أعرف ماذا كانت مساعيه. فيجب أن يتصل به منفّذ الشمال. وكان قد عرض طبيب الأسنان وليم خلاط أن يقوم هو بدعاوة واسعة للحزب في الـجبل الشمالي على أن تسهل له الـمنفذية مهمته وتوقف له الشخص أو الأشخاص الذين يحتاج إليهم لإكمال الـمهمة، فليأخذ منفّذ الشمال علماً بهذه الـمسألة وليتابع جهوده في هذه الناحية. يـمكن أن يدخل في أعمال الـمكتب الـمختص العضو الذي كان سابقاً رئيس مكتب عبر الـحدود إذا رأت هيئة «العدد الـمجهول» ذلك موافقاً وضرورياً.
مع مرور الأيام تثبت الاختبارات صواب الـخطة التي أسلكها وسخافة رأي الأميـن [عبدالله] قبرصي فيما يختص «بإنذارات» الـحكومة. والـحقيقة أنهم لو وجدوني لتحولت هذه «الإنذارات» إلى مئات الاعتقالات والتضييق على الـخناق. وما رأي الأميـن الـمذكور «بالإنذار» الوحشي الذي نفّذ في بيت الـحداد؟
بلّغوا سلامي إلى جميع فروع الـحزب بواسطة الإدارة الـمركزية. وإني أنتظر من جميع الأعضاء أن يثبتوا في أماكنهم ويفعلوا واجبهم القومي، وأن يتمّم كل واحد منهم الـمهمة التي تعهد إليه بكل دقة كما أقسم. ولتحيى سورية!
الـجفر (الشيفرة): يجب أن يرسل الـمفتاح بطريقة غير الطريقة الـمعتادة إذا كنتم تلاحظون تأخراً في وصول البريد إليكم أو إلى اشتباه بالظنون عن مقري. البريد يصل إليّ في حينه مـما يدل أنه حتى الآن لا خوف من الـمراقبة على مراسلاتنا. ولكن إذا استشعرتـم شيئاً فيحسن جعل الـمراسلة عن طريق فلسطين.
بعد:
جورج شماعة: كان موضوع شك عند خالد [أديب]. يحسن أن يراقب مراقبة دائمة لأنّ ظهوره الفجائي في هذه الظروف والقبض على فلاحة وبقاؤه هو حراً أمور تدعو إلى كثير من الشك. هو جريء وكان خالد يعتمده كثيراً في منفذية طرابلس لأعمال الاستخبارات، ولكنه أخذ فيما بعد يشك في أمره ويتوقّاه.
يجب أن توضع ورقة باسمه في الـمكتب الـمختص تلخص فيها الـمعلومات عنه.