القضية الأولى التي نشأت، وظهرت كل عواملها بعد رجوعي، كانت قضية نعمة ثابت ومأمون أياس. هذه القضية إذا تركنا ناحيتها الشخصية، التي هي الأساسية، أي الـمرامي الشخصية للمذكورين، بقيت هنالك قضية في ذاتها هي قضية التجديد القومي للأمة السورية. في هذه الناحية الواضحة التي لا يـمكن أن يحصل فيها أي التباس حصلت اعوجاجات كادت تشوش حقيقة القضية القومية الاجتماعية.
إنّ «الواقع اللبناني» الذي كتبه نعمة ثابت وألقاه في اجتماع بعقلين سنة 1944 يشكل خروجاً عن معنى الأمة الذي نفهمه، والإنتقال إلى القول بأمة جديدة:«الأمة اللبنانية». وهو، فوق ذلك، يدل على إهمال مقصود لدرس عقيدة الـحزب وتاريخه.
في «الواقع اللبناني» كل شيء قومي صار «لبنانياً» فقد تكلم نعمة ثابت فيه على قيم لها كل الصفة القومية العامة ونسبها إلى لبنان واللبنانيين، بدلاً من أن ينسبها إلى سورية والسوريين كما يتفق مع الـحقيقة. من هذه القيم التراث والأخلاق والثقافة والتاريخ والرسالة.
والظاهر أنّ الـحزب قبل انتشار «الواقع اللبناني» بحكم النظام فقط لأنني وجدت أنّ مجموع القوميين الاجتماعيين لم يتقيدوا بفكر واحد من هذه الأفكار، ولكن قبول هذا الـخروج العقدي، وإن يكن في الظاهر فقط، يكون مسألة من الـمسائل الـخطيرة. وإنّ مجرد الإقدام على الـخروج الـمذكور لم يكن مـمكناً إلا بعامل إهمال تاريخ الـحزب وإغفال درس عقيدته ونظرته إلى الـحياة والكون والفن.