ملاحظة الـمنشىء ــــ عنـدما عرضت الزوبعة لأحد كبار الـمتمسكين بالنزعة الإقطـاعيـة والـمتّخذين الـدين سلّماً لأغراضهم ومـآربهم السياسية الشخصية، ونعني به السيد شكيب أرسلان، وأزاحت الستار عن تلاعبه الـخفي بـمصالح الأمة السورية في ما يختص باستيلاء الأتراك على الإسكندرونة، وبدسائس فرنسة في سورية، ثار سخط القـوميين الاجتمـاعيين وجميـع الصحيحي الوطنيـة على التـواطؤ الشـائن مع الـمطامع الأجنبية في سورية الذي ثبت بالأدلة القاطعة على السياسي الرجعي الـمذكور. وكذلك سـرت مـوجـة غضـب في الأوسـاط القومية الاجتماعية على تآمر بعض الصحافيين السوريين في أميركـانية على قضية حـرية سوريـة واستـقلالها، أمثال إيليا أبي ماضي صاحب جريدة السمير وعبد الـمسيح حداد صاحب جريدة السائح اللذين أخذا يطلبان الـحماية الأميركانية لسورية، بدلاً من تأييد نهضتها القومية الاجتماعية وطلب الاعتراف بحقـوق سـوريـة وسيادتها. فـدفع شعـور الغضبـة للكرامة القومية عدداً من الشعراء القوميين الاجتماعيين الشعبيين في الـمغترب، وفي مقدمتهم الرفيق نعمان بهاء الدين ضو والرفيق يعقوب ناصيف، إلى نظم القصائد في تقبيح خيانة الرجعيين والنفعيين الـمشار إليهـم. فما كـان من صحـف الرجعـة الدينيـة والنفعيـة السـورية في بوينُس آيرس إلا أن قامت بحملة سباب وشتائم على زعيم الـحركة السورية القومية الاجتماعية، وتلفيق الأكاذيب حول مرامي هذه الـحركة الـمباركة. فأى ذلك إلى ردود نظمية ونثرية من بعض القوميين الاجتماعيين نشرت في حينها في الزوبعة. فأسقط في يد دعاة الرجعة الـمأجورين، على ما يظهر، فلجأوا إلى حيلة جديدة غرضها التأثير على الرفيق نعمان ضو ليرجـع عن النهـج القومي الاجتماعي ويعود إلى تأييد النزعة العشائرية والألقاب الإقطاعية. وقد ظهرت هذه الـحيلة في الكتاب الـخصوصي الذي أرسله صاحب العلم العربي السيد عبد اللطيف الـخشن إلى الرفيق ضو في هذا الصدد، وفي محاولات جرت في بوينُس آيرس للتأثير على موقف الرفيق ضو حين كان هذا الرفيق في هذه الـمدينة منذ بضعة أشهر.
هذه الـمحاولة هي واحدة من محاولات كثيرة مثلها جرت في الوطن والـمغترب لـمثل هذا الغرض، ولها مغزى كبير يجب إيضاحه لـما يتضمنه من فائدة للذين خفيت عليهم حيل الـمشعوذين وأصحاب الـمآرب الـمنافية للروح القومية.
قامت الأعمال السياسية في الـماضي على روح الطائفية والتكتل الطائفي، وظل سياسيو العهد العتيق يتخذون النعرة الدينية سلّماً لنفوذهم وأغراضهم، حتى نشأ الـحزب السـوري القـومي الاجتمـاعي من دماغ فرد خرج منذ نعومة أظفاره على العصبيات الدينية والروح الطائفية، ووجّه دعوته إلى جميع أبناء الأمة وبناتها لا فرق بين درزي ومسيحي ومحمدي. وسار الـحزب سراً يجمع الصفوف في غفلة من رجال الدين والإقطـاع وذوي النفـوذ السيـاسي الـمبنـي على النعـرة الدينيـة، حتى انكشف أمره للحكومة وأزيح الستار عن وجوده ودعوته. فهبّ سياسيو الطائفية والرجعة الدينية من رقادهم مذعورين لأن لهيب الثورة الفكرية قد امتد إلى ما في أيديهم وأخذوا لساعتهم يقاومون حدّة النار بكل قوّتهم وبجميع ما بقي لهم من الوسائل. من هذه الوسائل ما ترى مثلاً له في مخابرة الرفيق نعمان ضو.
قام ذوو النعرة الدينية في لبنان يقولون إن الـحزب هو ضد الـمسيحية والـمسيحيين، وإنه بطلبه الوحدة السورية يريد وضع الـمسيحيين تـحت رحمة الـمحمديين، وقام زملاؤهم في الشام يقولون إنّ الـحزب هو ضد الـمحمدية والـمحمديين وضد العروبة الـمصاحبة للمحمدية. ولكي يحقق كل فريق دعواه عمد إلى التأثير على أبناء ملّته الـمنخرطين في سلك الـحزب ليخرجوا منه فيؤيد دعواه أمام الـجماهير ففي لبنان تعهدت بالـحملة جمعية الـجزويت ومقام البطريركية الـمارونية وبعض الـمطارنة الـموارنة والأرثوذكس ورجال الأحزاب السياسية الـمسيحية والـمحمدية، وفي الشام قام رجال النفوذ الإقطاعي والطائفي بهذه الـمهمة يدعمهم عدد من الشيوخ الـمعمّمين. فكانت تعقد الـمجالس العائلية والدينية للضغط على الـمنضمين إلى الـحزب السوري القومي الاجتماعي ليخرجوا منه، كما فعل الدكتور توفيق شيشكلي في حماه مع الرفيق القومي الاجتماعي الدكتور وجيه البارودي ومع الرفيق الـمحامي الأستاذ أكرم حوراني، فعقد لهما الـمجالس الطائفية التي قامت تنكر عليهما انضمامهما إلى هذا الـحزب الذي زعيمه «مسيحي» وتندد بهما، الأمر الذي اضطر منفذية حماه لنشر كرّاس تفنّد فيه دعوى الذين يدّعون أنه لا يجوز، ديناً، لـمحمدي أن يقبل تولية الأمر أحداً من «أهل الكتاب»، وكما جرى في مدارس البطريركية والـمعاهد الـخيرية الإسلامية في بيروت وفي جميع الـمدارس الـخاضعة لأي نفوذ ديني مسيحي أو محمدي. ومن الدروز كانت مقاومة الـمشايخ «الزرق» واسعة ولكن بدون إجماع، إلا «نادي الإصلاح الدرزي» الـمؤلف من أشخاص يطلبون النفوذ السياسي عن طريق الطائفية. ولكن سعاده كان قد سبقهم شوطاً كبيراً فسدّت العقيدة القومية الاجتماعية الواضحة الأبواب في وجوههم، فلم يفلحوا إلا مع الذين لم يكن لهم اتصال وثيق بالـحركة السورية القومية الاجتماعية وعقيدتها، فصوّروا لهم هذه الـحركة بصورة الغول الـمفترس بنيه.
وصلت هذه الدعاوات الرجعية إلى الـمغترب وكان لها تأثير ظاهر في الأرجنتين خصوصاً، حيث الـمجموع السوري لا يزال فريسة النعرات الدينية الظاهرة في صحفه وجمعياتـه. وبعد أن كـانت نشـأت «عصبة الشباب السوري» لتكون صدى ظهور الـحزب السوري القومي في الوطن قامت الدعوات الـمحمدية تدعو بين الـمحمديين إلى «العروبة والإسلام» والدعوات الـمسيحية إلى «لبنان والـمسيحية». و«مسيحية» لبنان في الأكثر هي مسيحية الطائفة الـمارونية و«إسلام» العروبيين هو في الأكثر إسلام الطائفة السُنيَّة. وانضم إلى هؤلاء بعض الدروز الذين اتّبعوا شكيب أرسلان الـمحمدي السُنِّي في ادّعائه أنّ الدين الدرزي ليس سوى شيعة محمدية وغرضه جلب الدروز إلى الـمحمدية لتكون له بهم عصبية غير موجودة له بين الـمحمديين في سورية. فالذين يقاومون انتشار العقيـدة السـورية القوميـة الاجتمـاعية بين السـوريين في الأرجنتين هم الذين يقولون بزعامة البطريـرك الـماروني للسياسة الـمسيحية اللبنانية، والذين يقولون بزعامة مفتي فلسطين، أو الطامع في الـخلافة شكيب أرسلان، للسياسة الـمحمدية العروبية. فكان قليلاً إقبال الـموارنة وطوائف الـمحمديين على الـحركة القومية الاجتماعية. ومنذ مدة والـموارنة ينشؤون جمعيات باسم لبنان، والـمحمديون ينشؤون جمعيات باسم العروبة أو باسم «الإسلام»، وضمن هذه الـجمعيات تدور إشاعات ملفقة وكتابات كاذبة عن الـحركة القومية الاجتماعية. أمَّا الأرثوذكس والدروز فلم يكن لهم هذا التكتل الطائفي الشديد ولذلك نـجا من غائلة النعرة الطائفية عدد غير قليل منهم. ومع شدَّة التكتل الطائفي في الـجماعات الأخرى فقد وجدت الدعوة قبولاً بين عدد من طوائف الـمحمديين وبعض الـموارنة. ولكن حملة الـجمعيات والشخصيات تشتد على هؤلاء الأفراد. وغرض هذه الـحملة ظاهر وهو ــــ عدم إظهار أسماء محمدية أو مارونية ضمن الـحركة السورية القومية الاجتماعية ليسهل أكثر على أعداء النهضة القومية طعنها عند العامة والسذج بالقول «هذه حركة مسيحية» أو «هذه حركة أرثوذكسية»، كما كانوا يقولون للمسيحيين في بعض أنحـاء لبنـان «هذه حركة محمدية» وللسُنِّيين في بعض أنحاء الشام «هذه حركة مسيحيـة وشيعـية» أو «شيعيـة» فقـط. وتـابعو السيـاسـي الـديني شكيب أرسلان في الأرجنتين يبحثون عن كل محمدي أو درزي ظاهر محبذ للدعوة السورية القومية الاجتماعية ولا يزالون يعالـجونه بشتى الأكاذيب والتآويل ليرجعوه عن تـحبيذه أو عن اعتقاده لكي لا تنفضح شعوذاتهم بامتزاج مختلف الطوائف الدينية في هذه العقيدة القومية الصريحة.
بهـذه الغاية جرى سعي حثيث في بوينُس آيرس لفصل الرفيق نعمان ضو عن الـحركة القومية الاجتماعية. ومن جملة خطوات هذا الـمسعى الكتاب الذي أرسله صاحب جريدة العلم العربي التي تخدم شكيب أرسلان ودعاواته السياسية للمحور إلى الرفيق ضو يخاطبه فيه بروح الطائفية والنعرة الدينية والعصبية العشائرية التي مزقت سورية شر مـمزق ليعود إلى زعامة شكيب أرسلان وترك تأييد زعامة منشىء الـحركة السورية القومية الاجتماعية وواضع مبادئها ومنظم تشكيلاتها، وهي اللغة الوحيدة التي يحسنها الذين لم يفتحوا عيونهم إلا على ظلمة الـحزبيات الدينية وفوضى العصبيات العشائرية والدينية. وكل هذه الـمساعي الـحثيثة هي لأن نعمان ضو رجل من غير الـملّة الدينية التي ولد ضمنها زعيم الـحزب السوري القومي الاجتماعي برهن على أنه يفهم العقيدة القومية الاجتماعية فهماً واضحاً ويعرف حق الـمعرفة أنّ الزعيم لم يرتبط في حياته الروحية أو الفكرية بـملّة من الـملل الدينية، وأنه فوق العصبيات الدينية والعشائرية، وأنه للأمة السورية كلها، ويفهم أنّ مواقف الزعيم كانت لأخذ الـحق للضعيف من القوي ولـمحاربة البغي الـملّي أياً كان مصدره حتى يستقيم العدل في الأمة ويسود الـحق العام الذي يشترك فيه جميع أبناء الأمة. ونعمان ضو رجل عرف الزعيم حق الـمعرفة وكان من الأفراد القلائل الأُوَل في الوطن الذين أفشى إليهم الزعيم رأيه ورسالته. ولو كان الزعيم يعمل ضمن العصبيات الدينية ويأخذ جانب ملّة دون أخرى لوجد أن لا يبوح بـمقاصده أولاً إلا لأبناء ملّة معينة يجعلها هي الـمختارة لـحمل رسالته. ولكن الزعيم تـحـدث منذ البـدء إلى جميع من اتصل بهم من أبناء الأمة من جميع مللها. وشهادة نعمان ضو الـمعروفي تفقأ حصرماً في أعين صحاب الـحزبيات الدينية الذين يسوءهم خروج أمثال نعمان ضو على السياسة الـملّية في الشؤون القومية، وتشهد بصفاء قومية أنطون سعاده وإخلاصه الكلي للأمة وخيرها وبصحة رسالته القومية الاجتماعية، خصوصاً لأن الرفيق نعمان ضو يعلن ذلك على صفحات الـجرائد وفي الـمجامع. ولذلك يهمّ الـمنافقين في القومية والدين فصله عن الزعيم والـحزب القومي الاجتماعي ليتمكنوا من أن يقـولوا للناس في الأرجنتين «إنّ الـحزب السوري القومي الاجتماعي هو دعوة مسيحية لا يلبيها غير الـمسيحيين»، وهم يحتاجون كثيراً إلى مثل هذه الـحجج الباطلة، لأن حزبيتهم دينية وفوزها يكون بقسمة الأمة إلى معسكرات دينية، فيعملون لفصل الرسولي عن الـمسيحي، ولفصل الـمسيحي عن الدرزي. وبهذا الانقسام تنتصر الأكثرية الـملّية التي يعملون لـجمعها في حزب أو حركة رجعية واحدة. وهذا يعني أنهم يريدون أن تخرب الأمة ليرفعوا طائفة دينية على غيرها من الطوائف.
لم يكن الرفيق نعمان ضو هذا الـحلو السهل الإنسراط، فأجاب على كتاب السيد الـخشن جواباً محكماً أظهر فيه مبلغ تـمسكه بالعقيدة القومية الصحيحة ومحبته الـحق وجمع الأمة على الـمبادىء ومحاربته التحزبات الشخصية والإقطاعية والدينية التي خربت البلاد وأنهكت قوى الأمة وجعلتها ذليلة صاغرة عند أقدام الاستعباد الأجنبي. وشاء الرفيق ضو أن يكون جوابه مفتوحاً لـما للقضية من الأهمية. فورد الزوبعة جوابه والعدد الـماضي قد كملت مواده فتأجل نشره إلى هذا العدد ونحن نقدمه إلى القرّاء من أجل أهمية الـمناورات الـخبيثة التي يقوم بها دعاة الرجعة الدينية، لا من أجل أهمية كلام السيد الـخشن نفسه. ولا لـخطورة مقام جريدة العلم العربي الـملّية. وننشر أيضاً كتاباً ورد من الرفيق يعقوب ناصيف على الرفيق عيسى جبرين في صدد تخليط جريدة العلم العربي ونـجعل هذين الكتابين ختام ما يجب قوله في العلم العربي ومناورات صاحبها بقصد تنوير العامة الذين خفيت عليهم هذه الألاعيب: وجواب الرفيق ضو برهان قاطع على أنّ في سورية رجالاً من جميع الـملل يحبون الـحق والوحدة القومية ويعملون لـمبادئها ويرفضون الشقاق الديني وبهؤلاء تضع سورية أملها بـمستقبل باهر.