رفيقي الـحبيب الأمين فخري معلوف
تسلمت كتابك الـمؤرخ في 26 يناير/كانون الثاني الـماضي وقرأته بلذة كاللذة التي كنت أشعر بها في أحاديثنا في الوطن، في بيروت على شاطئ الـمتوسط اللازوردي وفي الشوير والـمشرّع على تلك القنن ووسط هاتيك السفوح والأودية الـجميلة الساحرة.
إن الـموضوع الذي تقدّمه في كتابك يلذ لي جداً الـخوض فيه واستقصاء أصوله وتـمحيص حججه. وإني أخشى أن أندفع في الإسهاب فيه فيطول الأمر ولا أملك تعيين مدى الوقت الذي يستغرقه، خصوصاً في ظروفي الـحاضرة. فأكتب الآن محاولاً الإيجاز ما أمكن.
العقيدة السورية القومية والعقائد الدينية: تعلم، يا عزيزي، أنه ليس في عقيدتنا القومية الاجتماعية ما يحرّم العقائد الدينية أو يحتجز حرية الفكر في أي أمر من الأمور الروحية والقضايا الفكرية، بشرط أن لا تطلب الهيمنة على عقيدتنا القومية الاجتماعية أو إفسادها أو تعطيل غايتها الأخيرة. وقد كنت حريصاً جداً على عدم مزج إيـماننا القومي بقضايا الإيـمان الفردي اللاقومي الذي له صفة مجاوزة حد العقيدة القومية. ولذلك فَصَلتُ بين كتاب عقيدتنا، الذي هو الـمبادئ وشرحها، وكتاب «نشوء الأمـم» وكل كتاب آخر يشمل مسائل تخرج عن حدود عقيدتنا القومية الواضحة. فالسوري القومي الاجتماعي يـُمتحن سلوكه وعمله ويُحاسب وفاقاً لـمبادئنا ولا يـُمتحن ولا يُحاسب بـموجب كتاب «نشوء الأمـم». وإذا كنت أنت قد اقتنعت بخصائص الـمذهب الـجاثليكي [الكاثوليكي] ووجدت في ذلك استقراراً نفسياً من حيث الـمسائل الروحية التي تصل إلى آماد لا ترمي إليها الـمبادئ القومية، فذلك لا يجد عندي غير السرور لارتياحك.
وإذا عدتَ وتـمعنتَ في دفاعي في الـمحكمة الـمختلطة وجدت لي تصريحاً هاماً. فقد قلت في عُرُض دفاعي الـمذكور أني لا أرغب في محو التنوع الفكري من تراثنا، بل أرغب في الـمحافظة عليه وتنميته، لأني أرى أنه لازم لفلاحنا. وشرح مبادئنا واضح لا التباس فيه. ومبادئنا وشرحها هي الـمرجع الوحيد لتفكيرنا الـمجموعي. وكل أقوال الزعيم وكتاباته التي يـمكن عدّها شروحاً إضافية، هي تلك التي تختص بـما اختصت به الـمبادئ القومية الاجتماعية وشروحها. فلا يدخل في ذلك أي أمر يتناول الاعتقاد بـما وراء الـمادة والنفس الإنسانية وخلودها ووجود الـخالق أو عدمه..
فكتاب «نشوء الأمـم» يـمكن اعتماده في مسائل تطور الـجماعات الإنسانية نحو كيان الأمة ونشوء القومية بـما أورد من الـحقائق العلمية والتحليلات والتعليلات الـمفيدة ولا حاجة لاعتماده في أية قضية عقائدية دينية تتعلق بالنفس الإنسانية مطلقاً وما قبل الـحياة وما بعدها.
قد تكون أنت أكثر الأعوان والرفقاء اطلاعاً على آرائي وأفكاري وأظن أنك لا تزال تذكر ذاك الـحديث الذي جرى في بيتكم في رأس بيروت مع ذاك الدارس الأميركاني الذي عرّفه إليّ صديقنا الدكتور شارل مالك والذي كان في نظر الدكتور مالك أنـجب الشبان الأميركان. وقد تذكر أني أوضحت في ذاك الـحديث أني لا أعتمد الاصطلاح Conventionalism في آرائي ومعتقداتي الـمتعلقة بالقضايا الكبرى من الوجود الإنساني وغايته. وقد صرحت آنئذ أني لا أنظر إلى الله بنظرة الأسفار والكتب الـمقدسة وما اصطلحت عليه الـمذاهب. ويسرني أن أقول الآن أني مطمئن كل الاطمئنان إلى نظرتي. وأني منذ ذاك الوقت إلى الآن لم أجد ما يوجب تغييرها أو تعديلها.
ولـما كنت قد بينت فوق مركز كتاب «نشوء الأمـم» في حركتنا القومية الاجتماعية فإني أعتقد أن هذا الإيضاح يكفي لنفي الاقتناع الأول الذي يـمثله قولك إن كتاب «نشوء الأمـم» من الوجهة الدينية، «لم يدع مجالاً للمؤمن الـمسيحي أو الـمسلم لاعتناق الفكرة القومية الاجتماعية كما يـمثلها الزعيم، بأسرها وبدون تـحفظ». وإني مقتنع معك، وهذا كان اقتناعي منذ البدء، إن النظريات الـمتعلقة بالدين الواردة في «نشوء الأمـم» ليست ضرورية ولا لازمة من قبل الفكرة الاجتماعية التي هي أساس عقيدتنا وجوهر النهضة. وإني عملاً بهذا الاقتناع لم أدخل شيئاً من هذه النظريات في «شرح الـمبادئ» الـمخصص لعقيدتنا القومية الاجتماعية الـخالصة، مع أن إنشاء الشرح كان بعد كتابة «نشوء الأمـم». لذلك يـمكن القول، بدون تـحفظ، إن الـمؤمن الـمسيحي أو الـمحمدي لا يجد مانعاً قط من اعتناق الفكرة القومية الاجتماعية كما يـمثلها الزعيم، بأسرها وبدون تـحفظ. ومع كل ما تقدّم فإني أعتقد أن كتاب «نشوء الأمـم» من حيث هو موضوع علمي اجتماعي يعرض لـجميع حالات الإنسان ومظاهره الـمادية والنفسية كان يبقى ناقصاً نقصاً كبيراً لو كان خلا من تعليل الـمعتقدات الدينية وأصولها حسب الاستقراء العلمي.
كانت الـمسألة تكون موضع نظر وخلاف لو كنا نقول بعكس بعض مبادئنا، أي لو كنا نقول بالتدامج بين الدين والدولة، أو بجعل أعضاء الدولة جميعهم على دين رئيسها. ولكن لـما كنا نقول بالفصل التام بين هذه الشؤون، فلا يلزم أحداً من معتنقي عقيدتنا القومية الاجتماعية أن يكون على مذهب الزعيم في الدين أو في الله والوجود وما وراء الـمادة. إن كتاب عقيدتنا، الذي هو الـمبادئ الـمشروحة ودستور حركتنا يؤمّنان كل عضو من أعضائها على حرية اعتقاده الديني. وبديهي إننا نعني بالاعتقاد الديني ما كان من خصائص جوهر الدين كالاعتقاد بالـخالق وبخلود النفس والـحساب وما شاكل. ولذلك استثنينا من مبادئنا الـمذاهب الـخصوصية ذات الصبغة السياسية الـمتعلقة بجماعات بشرية معينة وبخدمة أغراضها الـخصوصية. وإن من ينظر في حالة شعبنا وفي حركتنا ومبادئنا بوعي وفهم يجد، بلا شك، إن من مزايا حركتنا إيجاد حرية الاعتقاد التي كانت مفقودة.
إن قولك «كل حركة تضع في أسس عقيدتها أو في أسس مبادئها وخططها العملية ما يناقض هذه العقائد والعقائد الدينية البحت، كما أفهم من تلخيصك السابق، تـحرم الكاثوليكي الـمؤمن من حرية الاشتراك فيها» هو قول سوري قومي اجتماعي لا غبار عليه. ولكن هل يجب أن يُفهم من هذا القول إن كل الـمصاحبات السياسية –Political Associations- للمذاهب والـمنظمات الدينية وخططها العملية هي من الـخصائص الدينية التي يجب أن لا يكون لنا عليها رقابة وانتقادهم إذا كان الأمر كذلك تكون النتيجة أننا ننقض قولنا بفصل الدين عن السياسة والقضاء الـمدني. وحينئذ يجب القول: إن كل مذهب ديني يضع في صلب عقيدته أو في أسس مبادئه وخططه العملية ما ينافي أو ما يناقض مبادئنا القومية الاجتماعية التي هي وحدة متضامنة تشكل قضية واحدة تـحرم السوري القومي الـمؤمن من حرية الاشتراك فيه. ومن هذا القبيل أعجبني تـحديدك عصمة الكنيسة الـمسيحية تـحت رئاسة الأب الأقدس عن «الـخطأ في شؤون الإيـمان والأخلاق». فلا يدخل في ذلك عصمتها في شؤون السياسة والاقتصاد.
أصل الآن إلى مقال الزوبعة «رسالة البابا الأخيرة» وتعليقك عليه. والذي يبدو لي أن مصاحبات العقائد الدينية أوجبت الإغراق في فهم ذاك الـمقال السياسي. قولك «إن الكنيسة الكاثوليكية تعتبر كتاب العهد القديـم مقدساً مثل كتاب العهد الـجديد» لا ينفي قول مقال الزوبعة:«كانت الكنيسة الـجاثليكية تكتفي، منذ زمن الإصلاح، بالإنـجيل الـمسيحي الـمعروف بالعهد الـجديد مرجعاً للتعليم الديني ومصدراً للروحية الدينية الـمسيحية كلها. فحسبان العهد القديـم مقدساً مثل العهد الـجديد هو أمر تشترك فيه الطوائف الـمسيحية كلها. ولا يـمكن أن يكون غير ذلك ما دام الـمسيح قد جاء «ليكمل الناموس» وما دامت التقاليد الـمسيحية ترجع إلى نبوءات بني إسرائيل، إلى نبوءات أنبيائهم. ولكن الطوائف الـمسيحية تباينت، لأسباب وحوادث عديدة في مقدار اعتماد «العهد القديـم». فالأفروتسطنت جعلوا اعتمادهم ذاك العهد في أعلى درجة وأكثر قسسهم من الوعظ في نبوءاته وحوادثه وتأسيس الروحية الدينية عليه (ولست أدري هل حضرت مرة ملاحظاتي للقس سدراسي في الشوير على كثرة ضرب الأمثال من «العهد القديـم» وما في بعض تلك الأمثال من منافيات الروح القومية السورية). وقلل الأرثوذكس والـجاثليك من اعتماده، من غير رفض لقدسيته.
وأذكر أني لم أر في الكنائس الأرثوذكسية التي دخلتها الإنـجيل والتوراة في كتاب واحد. وفي صلوات الأرثوذكس يقرأون دائماً من العهد الـجديد فيقولون مرنـمين:«فصل شريف من بشارة القديس...» إلخ. وأما الـجاثليك فكان لهم في مخالفة الإفروتسطنت موقف واضح ويعترف غير واحد من كتبتهم بـما كان لهم من الابتعاد عن اعتماد «العهد القديـم». وبعد صدور رسالة البابا الـمشار إليها في الـمقال بقليل أنشأ كاتب جاثليكي أرجنتيني ذو مركز عال في أوساط الـجاثليك مقالاً ذكر فيه ما كان من موقف الكنيسة السابق وما تفيده رسالة البابا في هذا الصدد. وما كتبه الكاتب الـمذكور يؤيد كل التأييد ما ورد في مقال الزوبعة. وهنالك طائفة من الكتابات في هذا الصدد ومن مصادر جاثليكية، فضلاً عن أبحاث تاريخية ضافية تؤيد ما كتبته الزوبعة من موقف الكنيسة الـجاثليكية من اعتماد «العهد القديـم» مرجعاً للتعليم الديني ومصدراً للروحية الدينية الـمسيحية. ومن الأدلة على أن مقال الزوبعة السياسي لم ينف قط، بل أثبت ضمناً أن التوراة كانت مقدسة عند الكنيسةالـجاثليكية قبل رسالة البابا الأخيرة ما ورد في ذاك الـمقال عينه عن القبول والتقديس الـجديدين الذي يفهم أو يجب أن يفهم منه أنه كان هنالك قبول وتقديس قديـمان «للعهد القديـم». والكاتب أراد أن يقول أن نصائح البابا ستوجد انتعاشاً لقصص اليهود الـمثبتة في التوراة التي تـحمل على الشفقة عليهم وتساعد على القبول الديني لـحركة الصهيونية بـما تنشره من تعاليمهم الواردة في التوراة، أي تـجديداً لها. وهذا الرأي هو نظرة سياسية دقيقة بصرف النظر عما يعتقده الكاتب من قدسية مرويات التوراة أو عدم قدسيتها.
أما قولك أنه يفهم من عبارة الكاتب أنه «يعتبر التفسير الصهيوني لنبوءات ووعود العهد القديـم التفسير الديني الصحيح والطبيعي لها، لذلك يستنتج من تالي الـمقالة أن محاربة الصهيونية تقتضي محاربة قدسية العهد القديـم» فغير لازم لعبارة الكاتب.
فالكاتب أراد ما هو مثبت في التوراة عينها نصاً أو متناً وليس التفسيرات التي يـمكن أن تتنوع وتتعدد على نسبة الـمدارك والـمرامي. وفي التوراة نصوص، غير الوعود وغير ما يـمكن أن تفسر تلك الوعود، تـحمل على إحداث ميل وعطف على «شعب الله الـمختار» عند كل من يقرأ تلك النصوص وهو غير متسلح بسلاح التحفظ ضد نتائجها السياسية أو بسلاح تفسير يحمي شعوره. ولـما كانت التفاسير على نسبة الـمدارك والـمرامي فهي ستكون متنوعة ومتعددة ولا تضمن لنا حصول النتيجة السياسية التي نطلبها. وإني أذكر حديثاً جرى لي على ظهر الباخرة التي وصلت فيها إلى بيروت سنة 1930 مع أحد القسس الـمسافرين من الولايات الـمتحدة للسياحة. هو كان واحداً من رهط من قسس وأبناء مذهب هذا القسيس أخذ يشرح لي كيف أن الله أخذ يحقق وعده لبني اسرائيل أنه سيجمعهم في أرض الـميعاد بعد تشتيتهم وأن عودتهم إلى فلسطين بـموجب عمل بريطانية بوعد بلفور هو تـحقيق لوعد الله إلخ. هذا الكاهن لم يكن صهيونياً يهودياً، بل راهباً أو قسيساً مسيحياً يقرأ التوراة بنصها ويقرأ شروح جهابذة الـمسيحية عليها!
في نظري أن الـمسيحية دين وعقيدة وأن الـمحمدية كذلك، وأن الكثلكة والأفروتسطنتية والأرثوذكسية وغيرها، وأن السنّة والشيعة والإسماعيلية وغيرها، فروع دخل فيها الكثير من الـمسائل الفرعية أو الـمصاحبات السياسية. من ذلك القول «بوحدة الكنيسة الـمسيحية تـحت رئاسة الأب الأقدس» أي قداسة البابا القائم بالـخلافة عن بطرس في رومة. فهذه مسألة من صميم الـمعتقدات الـجاثليكية ولكنها ليست من صميم العقيدة الـمسيحية. وهي كانت ولا تزال موضوع جدل عنيف بين الـجاثليك وغيرهم من الطوائف الـمسيحية الـمشاركين لهم في الإيـمان الـمسيحي الواحد. فالـجاثليك يقولون أن الـمسيح أقام بطرس التلميذ رئيساً على جميعهم، وبـما أنه مات في رومة ودفن رفاته هناك وارتفع من هناك إلى السماء، فكرسي الـخلافة يجب أن يكون في رومة، لا في الناصرة ولا في القدس حيث هبط وارتفع الـمسيح. ولا يوجد في الإنـجيل نص صريح يقطع كل تأويل غير هذا التأويل. فهو اجتهاد أو تأويل لقول الـمسيح لبطرس: أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي. الذي يـمكن أن يفسر بأن الـمسيح أراد الإيـمان الذي ظهر في تلك الدقيقة من بطرس لا بطرس بذاته. فضلاً عن أن قوله «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي» لا يفيد إقامة بطرس رئيساً ولا تعيين الـخلافة له أين تكون وكيف تكون ويؤيد حجج الـمعارضين لهذا التأويل أن بطرس الذي أظهر كل ذاك الإيـمان في الـموقف السابق كان أضعف التلاميذ بعد يهوذا الإسخريوطي، لأنه انفرد بإنكار الـمسيح حين قبض عليه. ويؤيد ذلك أيضاً في أن الصخرة في بناء «الكنيسة» أو تعزيز الدين الـمسيحي كان بولس أكثر كثيراً من بطرس ومن الأنـجيليين يوحنا ولوقا ومتى. وكان بطرس أضعفهم بياناً وأقلهم أثراً.
أقول ذلك من أجل تبيان كم في هذه الـمسألة من وجود للأخذ والرد ولا أحسبها شرطاً من شروط الإيـمان الـمسيحي. وأذهب إلى أن فيها عوامل سياسية يجب أن لا تغيب عن نظرنا تـحت سلامة الاعتقاد بوحدة الكنيسة.
ولكي لا أسترسل في ما خشيت التوسع فيه في بدء هذا الكتاب أعود إلى مقال «الزوبعة» فأقول إن الكاتب حدد موضوعه وحصره في الـمصاحبات السياسية لبعض غايات رسالة البابا الـمشار إليها.وهو لم يترك مجالاً للشك أو الالتباس في قصده بقوله:«لسنا نريد أن نعالج هنا الدوافع والـمرامي الدينية البحت للحث على دراسة التوراة» إلخ. فالكاتب يعترف صراحة أن هنالك «دوافع ومرامي دينية بحت» تطلبت اهتمام قداسة البابا بحض الـمؤمنين الـجاثليك على قراءة التوراة ولكنه يقول إن هذه الدوافع والـمرامي ليست غرضه من موضوعه. فهو، بالتالي، يترك الـموضوع الديني البحت لأهله ليهتم بالـمصاحبات السياسية لتوجيهات البابا وقوله في ذلك صريح:«ولكننا نريد أن نتناول الوجهة السياسية الـمتضمنة في «تقديس» التوراة وخصوصياتها اليهودية» إلخ. فحصره موضوعه في الناحية السياسية يعني أنه لم يشأ أن يـمس الاعتقادات الدينية الـخالصة لا كثيراً ولا قليلاً. وأما إشارته إلى «التقديس الـجديد» للتوراة فقصد منه الـحض الـجديد والنشاط الـجديد للعودة إلى تقاليد اليهود الـمثبتة فيها التي مجرد قراءتها تـحدث ما تـحدثه قراءة تاريخ رومة ويوليوس قيصر أو تاريخ فرنسة ونابليون في نفوس القراء. ولا يـمكننا بوجه من الوجوه إغفال الناحية والنتائج السياسية من كل اجتهاد ثقافي.
ومتى علمنا أن البابا هو رئيس دولة زمنية في الوقت الذي هو رئيس الكنيسة الـجاثليكية وجب علينا أن ننظر بالـمنظار السياسي إلى شؤون دولة الواتيكان.
لا يـمكننا ونحن نبغي الصحيح، أن ننظر إلى الدين بـمنظار سياسي ولا إلى السياسة بـمنظار ديني. يحسن أن يكون الإنسان مؤمناً في الدين ولا يحسن أن يكون مؤمناً في السياسة.
ومهما يكن من أمر وحدة الكنيسة الـمسيحية ورئاسة البابا عليها فالنهضة السورية القومية الاجتماعية لا يـمكنها أن تنظر بعين الرضى والارتياح إلى تأييد قداسة البابا ورئيس دولة الواتيكان الـمساعي الصهيونية الـمتخذة ألف زي وألف لون، كما أنها لا ترضى ولا ترتاح إلى أية حركة تعاكس نهضة أمتنا وتنافي حقها في الـحياة والسيادة والارتقاء، لا نفرق في ذلك بين رؤساء الـمذاهب، ولا نفضل رئيساً جاثليكياً على رئيس جماعة اكسفرد ولا بطريركاً أرثوذكسياً على شيخ انقلكاني وهلمّ جرّا.
أختم هذا الكتاب هنا (أي في البياض فوق بدء الكتاب) لضيق الـمجال ولتقليل ثقل الورق على الطيارةّ الدفعة التي أرسلت برقيًّا وصلت وحققت غايتها. وكان وصولها في وقت الـحاجة إليها. وأرجو أن أتـمكن من التعويض على الـحركة بعشرات أضعافها إذا لم تعاكس الظروف. بلّغ الـمديرية في بوسطن «الاسكندرون» والرفقاء الغيورين سلامي القومي وشكري. قرينتي تضيف سلامها إلى سلامي لك ولقرينتك السيدة ماري.
ولتحي سورية.