أدلى سيادة الـمطران إغناطيوس مبارك بتصريح سياسي إلى مراسل جريدة النداء الـمصري الأستاذ صلاح عبد الـمجيد. وقد نشرت أهم ما جاء فيه جريدة النضال البيروتية، في عددها الصادر بتاريخ 30 مارس/ آذار الـماضي ونحن نستند، في هذا التعليق، على رواية الزميلة.
خـلاصة تصريح سيادتـه أنّ عـودة رجال الـحكم في لبنان إليه في الانتخابات الأخيرة كان الفضل الأكبر فيها لسيادته وإليه يعود الفضل أيضاً في بقائهم أحياء! وإنه لـما رأى الانتخابات تـمت «في جو من التزوير» ويئس سيادته من الإصلاح «أعلن الـحرب على الـحكومة». وإنه يرجو أن يـمد الله من أجله ليرى أنّ الـجنسية في لبنان حلت محل الطائفية.
وأغرب ما في تصريح سيادة الـمطران مبارك أنه أيّد الوطن القومي اليهودي في فلسطين بقصد مقاومة تكتل الـمير عادل أرسلان وسماحة مفتي فلسطين وغيرهم «تكتلاً محمدياً» وأنه عندما عاد السيد رياض الصلح من مصر وقبّح عملهم سكت سيادة الـمطران أي إنه كف عن متابعة الـحملة لتأييد الوطن القومي اليهودي!
وفي التصريح غرائب أخرى كتمنّي سيادة الـمطران الانفصال الاقتصادي التام عن الشام «لأن الاتـحاد يضر بـمصالح لبنان!»
لم نقرأ تكذيباً أو رداً من قبل سيادة الـمطران مبارك لـما نشر منسوباً إليه فاقتضى أن نعتبر التصريح موثوقاً به فنعلق عليه.
يقول سيادة الـمطران مبارك إنّ الفضل في عودة رجال الـحكم في لبنان إلى الـحكم يعود إليه في الدرجة الأولى، ثم يقول إنّ الانتخابات النيابية كانت مزوَّرة. فيستنتج من هذا القول أحد وجهيـن: إما أن تكون الانتخابـات مزوَّرة فيكون الـحكـام قد عادوا إلى الـحكم من غير أي جميل من الـمطران مبارك. وإما أن يكون نفوذ الـمطران مبارك قد أكسبهم الأصوات اللازمة لنجاحهم فلا تكون الانتخابات مزوَّرة!
النتيجة لهذا التحليل الأول أنّ القسم الأول من تصريح الـمطران هو «تخبيص». وليست هذه الـمرة من الـمرات النادرة، فليس قليلاً تخبيص الـمطران مبارك في خارج دائرة الدين التي كان يجب أن يـلزمها من أجـل ما يتمنى أن يـراه من انتفـاء الطائفية وحلول القومية محلها.
أما «حربه للحكومة» ففيه «تخبيص» آخر غير قليل: فمن جهة يقول الـمطران إنه أنقذ حياة الـحكام من الـمؤامرات التي دبّرت ضدهم، أي الـمؤامرات التي دبّرت بعد ظهور نتيجة الانتخابات وقيام الصياح على التزوير، ومن جهة أخرى يقول إنه كان معلناً الـحرب على الـحكومة. ولا تتفق الـحرب مع التأييد وإنقاذ الـحياة. ولسنا ندري هل استعمل سيادتـه «محاربة الـحكومـة» خدعة لاكتشاف الـمؤامـرات أم هل دفعتـه الشهامة إلى انقاذ موقف الـحكام ليكتسب الصيت الـحسن، وليظل يتمكن من التسلي بـمحاربة الـحكومة!
وأما قوله إنه أيّد الـمشروع اليهودي للاستيلاء على فلسطين ليقاوم التكتل الـمحمدي الـمزعوم الذي كان يريد الـمير عادل أرسلان وسماحة مفتي فلسطين وغيرهما إحداثه، فإنه ينحر الـمنطق ويقيم مجداً للخيانة القومية. إنّ التكتل الطائفي لا يحارب بتأييد قطع أهم قسم من جنوب سورية وجعله مركز دولة أجنبية تهدد منه مصالح اللبنانيين وغيرهم.
إذا كان تصريح الـمطران مبارك صحيحاً، والأرجح أنه كذلك، كان من أتعس مظاهر تدخّل رجال الدين في شؤون الأمة السياسية!