إقتراب الـمعركة
يشعر النـاس باقـتراب معركـة الانتخابات الـمقبلة وشعورهم أصبح مـمزوجاً بالقلق والـمراقبة والاهتمام.
وبنسبة اقتراب الـمعركة الانتخابية تنشط حركات الـمهتمين بترشيح أنفسهم من حكوميين وغير حكوميين. وقد أصبح أقل صعوبة تتبّع هذه الـحركات لأن القطع أصبحت كاملة على رقعة الشطرنـج. فقد كان ينقص وجود الأستاذ كميل شمعون ليبدأ ترتيب الصفوف، لأنه من الأشخاص الذين لهم وزنهم الانتخابي وها هو قد عاد من لندن وبدأ تهيئة جبهته.
يلاحظ أنّ التهيئة الانتخابية بقيت حتى أيام قلائل سائرة على الشكل التقليدي: تكتل الـمصالح الشخصية من إقطاعية ورأسمالية.
ويجتهد الأشخاص الـمرشحون للجبهات التقليدية الـمذكورة في تشويق الناس وتنقسم الأساليب إلى قسمين: القسم التقليدي والقسم الـمستحدث.
أما القسم التقليدي فهو: الـمال والوجاهة وحسن الـمعاملة الـخصوصية للذين يؤيدون الـمرشح في الانتخابات، كأن يسعى في تعيين مختار، ناطور منهم وأن يهتم بإخراج أشقيائهم من السجن أو في تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم أو بتهريبهم من القانون وغير ذلك من الـمنافع الـخصوصية.
هذه هي الأساليب التقليديـة الـمعتـادة في الدعاوة الانتخابية للمرشحين وقد ابتدأت هذه الأساليب تستعمل منذ مدة تـمهيداً لـمعركة الانتخابات الـمقبلة وكثير من النواب والوزراء بذلوا جهوداً في نفع الـموالين لهم في الانتخابات في مناطقهم.
وأما القسم الثاني فيتعلق بالأساليب الـمستحدثة. وأبطال هذا القسم هم من وزراء الـحكومـة الائتلافيـة الـحاضـرة التـي يختـص ائتـلافهـا بالتـوفيـق بيـن خصوصيـات الأشخـاص السياسييـن الذيـن يجتهدون في التوفيق بين نزعاتهـم وخططهـم الانتخابيـة.
وقد ظهر حتى الآن في هذا الـميدان وزيران هما السيد غبريال الـمر والسيد كمال جنبلاط. فأذاع الأول بياناً وتصريحات عن أعمال وزارته واهتمامه بضبط الأمور الآيلة إلى النفع العام وضبط الإدارة، وأذاع الثاني بيانات وتصريحات من هذا القبيل انتهت بتصريحه الـمشهور عن فساد الـحكم الذي هو أحد أركانه باعتباره وزيراً للاقتصاد والشؤون الاجتماعية.
وقد بقي اجتهاد السيد الـمر الإذاعي ضمن دائرة الـمعتاد، فاقتصر في بيان أعمال وزارته على ما يعطي الصحف الـموالية له مستنداً لـمدحه في صفاته وأعماله.
أما السيد جنبلاط فقد خرج بتصريحه الـمشهور عن كل معقول ومنقول لإحداث ضجة عظيمة تلفت الأنظار إلى شخصه وكان في تطرفه مجازفاً حتى بسمعته في فهمه لأصول الـحكم ومسؤولياته. فهو قد انتقد الإدارة التي هو أحد أفرادها وشريك في مسؤولياتها وهو باقٍ ضمنها فكان من أهل البيت وعليهم في آن واحد. والظاهر أنه ضحى بجميع هذه الاعتبارات ليظهر أمام الرأي العام بـمظهر الواقف ضد الفساد ولكن موقفه هو فيه شيء كثير من الفساد الإداري، لأن الذي يكون من الـحكومة وعليها في آن واحد ليس محسناً استعمال الـمبادىء الأساسية للحكم والإدارة.
إلى جانب الـجبهات التقليدية الـمذكورة، التي لا تخلو من لعب أصابع أجنبية ورائها، نشأت، على ما توقعنا في العدد السابق، جبهة جديدة هي جبهة الـحزب القومي الاجتماعي الذي بلغنا من مصدر وثيق أنه قد جزم بخوض معركة الانتخابات الـمقبلة وتأليف قائمة انتخابية لـجميع مناطق الـجمهورية اللبنانية.
إنّ إقدام الـحزب القومي الاجتماعي على هذه الـخطوة هو في الـحقيقة، ثورة سياسية في الـجمهورية اللبنانية وفي كل سورية، إذ هي الـمرة الأولى يتقدم فيها حزب عقائدي، منظم، ذو منهاج اجتماعي يشمل السياسة والاقتصاد طالباً أن يُولّى عن الشعب بصفته حزباً لا بصفة شخصية فردية.
إنها ثورة لأنها فاتـحة عهد الـمسؤوليات في الـحكم. فمما لا شك فيه أنّ أساليب الـحكم الـحاضر ووسائله تـجعله عديم الـمسؤولية لأن الأشخاص الذين يتألف منهم الـحكم في سلطتيه التشريعية والتنفيذية هم أشخاص غير مسؤولين عن مبادىء ومناهج تـجاه الشعب أو تـجاه الناخبين اللهم إلا إذا كانت الوعود بتنفيذ بعض الـمآرب الـخصوصية تـحسب «مسؤولية».
فالـحزب القومي الاجتماعي هو حزب عقيدة وحزب إصلاح وهو الـحزب الذي أوجد العقيدة ومبادىء الإصلاح القومية الاجتماعية الـجريئة الرامية إلى تغيير الوضع الاقتصادي الاجتماعي في البلاد.
فمرشحوه يُعدّون مسؤولين تـجاهه عن العمل على تـحقيق الإصلاح الاقتصادي - الاجتماعي وفي حالة فوزهم الـمرجح ستشهد الـجمهورية اللبنانية لأول مرة، قيام الـمسؤولية الصحيحة في الـحكم. وهذه ثورة عظيمة يتأهب الـحزب القومي الاجتماعي لإضرامها وبث حرارتها في جميع مناطق الـجمهورية اللبنانية في الـمعركة الانتخابية التي قد أصبحت على الأبواب.
ونعتقد أنّ الوعي القومي الاجتماعي الذي ولّدته النهضة القومية الاجتماعية في طول البلاد وعرضها، سيساعد الشعب كثيراً على إدراك خطورة هذه الثورة السياسية وفوائدها الـجليلة، وعلى التمييز بين الإصلاح الاجتماعي الذي تتحمل مسؤوليته منظمة تضبط أعمال أعضائها وتصرفاتهم وبين الدعوات والـمزاعم الإصلاحية الفردية غير الـمقيدة بنظام منظمة ولا بـمسؤولية تـجاه حزب ولا بـمناهج ومقررات تضبط بـموجبها أعمال الـممثلين في الـمجلس النيابي.
سيدرك الشعب أنه إذا كان يريد حقيقة تغيير أوضاعه وأسباب الأدواء التي أشار إليها الزعيم في بيانه الثاني فما عليه إلا أن يشيح بوجهه عن خداع الأفراد غير الـمقيدين بـمبادىء وعقائد وأنظمة وأن يتجه نحو هذه الـجبهة الانتخابية الـجديدة التي تضمن الـمسؤوليات وتعيّن الأهداف الاصلاحية الصحيحة.
ليست لدينا معلومات أكيدة عن قائمة هذه الـجبهة الانتخابية الـجديدة: جبهة الـحزب القومي الاجتماعي. فلا يـمكننا الـجزم بـمبلغ عدد الذين سينضمون إليها من الـمتآلفين.
ومهما يكن من الأمر فلا شك عند الـمخلصين للحقيقة ولـخير الشعب في أنّ قائمة الـحزب القومي الاجتماعي هي الـمفضلة، نظراً لأهداف هذا الـحزب الصحيحة الـمتوخية الإصلاح الـحقيقي وتبديل الـحال.
ولا أهمية في هذه الـجبهة لبحث أسماء الأشخاص القوميين الاجتماعيين الذين سيرشحهم الـحزب من قبله، لأن العامل الشخصي هنا قليل والقوة هي قوة الـحزب والعقيدة عقيدته والـمنهاج الإصلاحي منهاجه.