(تـمكن مندوب الزميلة الدمشقية النصر من مقابلة الأستاذ أنطون سعاده، زعيم الـحزب القومي الاجتماعي فكتب في جريدته الريبورتاج التالي:)
(«إنها مهمة صعبة أن أتصل بالأستاذ سعاده وهو في مقر احتجابه، ولكن لا بد من تلبية الـمهمة التي أناطتها بي جريدتي ومن إشباع هوايتي الصحفية رغم ما يعترضني من عراقيل ليس تذليلها بالأمر الهيّن، ومع هذا غادرت دمشق في صباح الـجمعة الفائت إلى بيروت، وفي هذه الـمدينة مفتاح السر ولكن كيف أهتدي إلى الـمفتاح؟
تذكرت صديقاً لي أعرفه عضواً في مجلس الـحزب الأعلى فقصدته. شرحت له مهمتي، ووعدته بالكتمان الـمطلق في كل ما يتعلق بتفاصيل الاتصال فاطمأن إليّ، وقادني بسيارة في أحياء بيروت إلى بيت منعزل، فنقر على الباب وأطل شاب في عنفوان القوة وأسرّ إليه ببضع كلمات تقدم الشاب بعدها مني وركب السيارة إلى جانبي، وذهب صديقي في اتـجاه آخر وبدأت السيارة تعاريجها حتى تركنا بيروت خلفنا، وصعدنا في طريق الـجبل مارين بقرى كثيرة.
كان صاحبي يُحيّي بعض رفاقه في الطريق وعلى وجوههم علامات الاستفهام ودلائل الـحزم. وبعد مسيرة نصف ساعة وقفت بنا السيارة في بلدة من جبل لبنان ومن هناك ذهبنا إلى مقهى، وأشار عليّ الشاب بالانتظار وذهب وحده، وبعد ساعة من الزمن تقدم إليّ شباب قرأت الـجد والعزم في وجوههم وقادوني إلى مقرّ الأستاذ أنطون سعاده زعيم الـحزب السوري القومي، وإذا بحارسين بسلاحهما أمام باب البيت الريفي الهادىء الـخالي من كل تـحصين.
في هذه الفترة أدرت عينيّ حول الـمكان فرأيت على أبعاد معيّنة نقاطاً يظهر أنّ فيها قوات تتربّص الشر بكل من تسوّل له نفسه أن يدنو من البيت وأخيراً دخلت البهو، وأشير عليّ بالانتظار، فشعرت بجو عسكري رهيب: حراس عمالقة، وشباب حي يعدون جيئة وذهاباً، وإمارات الـجد مرتسمة على وجوههم، إلى أن حان موعد الـمقابلة، فأدخلت إلى مكتب الزعيم وألفيته في حلة مدنية أمام مكتبه مطمئناً هادئاً، وشرحت له مهمتي، فرحّب بي، وأعطيته أسئلتي فقرأها مبتسماً وقال ما معناه: إنكم أيها الصحفيون تعرفون كيف تختارون أسئلتكم، وهي في الصميم من الـموضوع وحتى في صميمه الشائك. وبدأ يكتب إلى أن أجاب عليها كلها غير مستثنٍ سؤالاً واحداً فودّعته وانصرفت شاكراً وقادتني السيارة إلى بيروت في ظلمة الليل.
وإلى القارىء الأسئلة والأجوبة:)
س - ما هي الأسباب الـحقيقية لـموقف الـمشادة بينكم وبين الـحكومة اللبنانية؟
ج - لا يوجد من جهتي أسباب لهذا الـموقف على الإطلاق. كل الـموقف يتعلق بالـحكومة اللبنانية وحدها. هي التي خلقته وعندها أسبابه، وهي أسباب غامضة تبدو في عبارات مبهمة فاه بها أحد النواب في الـمجلس النيابي وأجاب رئيس الوزارة عليها بعبارات مبهمة من نوعها كقوله إنّ في خطابي «هنات» ولكنه لم يذكر نوع هذه «الهنات» ولا ماهيتها وكان الواجب يقضي حين بحث خطاب صريح واضح في جلسة من جلسات الـمجلس النيابي، أن يعيّن الـمنتقدون ماهية «الهنات» ومبلغ أهميتها ليصحّ مطالبة الـحكومة بتدابير تـجاهها وأن تقتنع الـحكومة بصواب الانتقاد وخطر «الهنات». ولكن يظهر أنّ جو الـمجلس وجو الـحكومة لم يتغيرا كثيراً منذ زال الاحتلال الفرنسي فلا حرية للفكر، ولا حرية للقول، ويـمكن تكليف الأمن العام ملاحقة أي شخص وهيئة بالاستناد إلى أية تعليلات مبهمة ومطاطة، كالقول إنه ورد في كلامه «هنات» أو عبارات «غير موافقة» أو غير ذلك.
س - كيف ترون أنّ هذه الأزمة ستُحلّ؟
ج - قد سهّلتُ، من جهتي، كل ما يؤول إلى إعادة الأمور إلى حالة طبيعية، فقد قام بعض أركان الإدارة الـحزبية بـمراجعات لعدد من الـمراجع الـحكومية، وجرى اتصال برئيس الوزارة وبوزير الدفاع ووزير النافعة وغيرهم. وأصدرت بياني الأول بعد الـخطاب الذي شرحت فيه معنى الـخطاب وموقفي من لبنان والكيان اللبناني. ولكن رئيس الوزارة ارتأى أنّ البيان غير كاف، واقترح وضع تصريح خطي بسيط في صدد موقفي من الكيان اللبناني، فوضعت تصريحاً أقول فيه بالاعتراف بواقع هذا الكيان باعتباره تعبيراً صادقاً عن إرادة الشعب اللبناني، وطالـما هو يعبّر عن هذه الإرادة ويضمن الـحريات الأساسية. فنقل هذا التصريح إلى الوزارة، ولـمّا كان حضرة رئيس الوزارة غائباً ارتأى وزير الأشغال العامة والنافعة عرضه على فخامة رئيس الـجمهورية رأساً. وهكذا جرى.
وبلغني أنّ فخامة الرئيس وحضرة رئيس الـمجلس النيابي اختليا ودرسا التصريح معاً. وعلى الأثر وضع في مكتب رئاسة الـجمهورية نص تصريح يقول هكذا: «نسب إليّ بعد إلقاء خطابي أني لا أتعرف على الكيان اللبناني فأنا أصرّح ببطلان هذا الزعم واؤكد إخلاصي للكيان اللبناني والعمل على أساس هذا الكيان بدون أي تـحفظ بصفتي الشخصية وبصفتي رئيساً للحزب القومي»، فرفضت التوقيع على هذه الصيغة التي تفرض الإخلاص للكيان اللبناني حتى ضد إرادة الشعب اللبناني، وأصررت على وجوب جعل الإخلاص لهذا الكيان مرتبطاً بتعبيره عن إرادة الشعب اللبناني وليس ضد إرادة الشعب، وعدت فوضعت صيغة أخرى تثبت إرادة الشعب اللبناني، فلم تـحز القبول عند الـحكومة. والظاهر أنّ الـحكومة اللبنانية الـحاضرة تريد أن تفرض عليّ الـمحافظة على الكيان اللبناني ضد إرادة الشعب اللبناني وهو الاستعباد بعينه، ولا يـمكن أن أسلّم به، وقد قطعت الـحكومة من جانبها الـمفاوضة التي كانت جارية وقررت - على ما بلغني - تكليف القضاء إحضاري لاستجواب قضائي في قضية وجدانية لا دخل للقضاء فيها.
س - إذن لا توجد تهمة صريحة ضدكم؟
ج - لم تبلغني أية مذكرة إتهامية فالأمور من هذه الـجهة غامضة جداً، ولا صراحة فيها، ولم تكن مهاجمتي في الـمجلس النيابي مبنية على صراحة وبيّنات.
س - كيف تـحددون هذه الـمشادة أو الـمعركة؟
ج - هي من جهتي معركة في سبيل حرية الفكر والقول، ولا يـمكن أن يكون لها تـحديد آخر، إذ إنّ خطابي وبياني ضمنا أنه لا عداء ولا تعرّض للكيان اللبناني، فلا يوجد قضية من هذا القبيل. والضجة التي أثيرت في بعض الصحف الـمعروفة الصبغة هي ضجة مفتعلة لا يصح اتخاذها أساساً لأي تدبير حكومي ضدي.
س - هل تظنون أنّ لـمشروع (سورية الكبرى) الذي يطلب الـملك عبدالله تـحقيقه علاقة بـموقف الـحكومة اللبنانية منكم؟
ج - لا أظن، إذ لا يصح أن تزر وازرة وزر أخرى. وعقيدتنا القومية سابقة لـمشروع جلالة ملك شرق الأردن ولم أنادِ في خطابي، ولا في أي تصريح آخر بـمعاضدة الـمشروع الـمذكور، بل إنّ الـحكومة اللبنانية غافلة عن تعقّب عمال هذا الـمشروع الذين يعملون له في لبنان.
س - ما رأيكم في تقارب الأمـم العربية؟
ج - إننا من هذا القبيل عروبيون. وقد صرّحت في خطابي في الثاني من الشهر الـحاضر أننا نعدّ أنفسنا العروبيين الواقعيين، لأن ما يجري في العالم العربي هو تطبيق
لنظريتنا وعملنا.
س - مـررت بـمناطـق قومية اجتماعيـة ظـاهـرة فيهـا الغضبــة لــدوام هـذه الوضعيـة الشاذة القائمة بينكم وبين الـحكومة اللبنانية، فهل يـمكن أن تؤدي هذه الوضعية إلى انفجار؟
ج - لقد أظهر القوميون الاجتماعيون استياءهم الشديد للحالة الشاذة الـحاضرة ولكني دعوتهم إلى الهدوء حرصاً على الـمصلحة العامة، بل إنّ احتجابي عن دائرة الأمن العام هو من أجل حفظ الأمن العام وحقن الدماء.