في سورية فروع لـجمعية الـجزويت موحدة الأعمال في لبنان والشام وفلسطين. ورسلها منتشرون في الأرجاء السورية يعملون فيها لنفوذهم وللسياسة التي يَرِدُهم تعليمات باتّباعها. وهذه الـجمعية نظامية ولها رتب ووظائف متسلسلة ومؤسسات شعبية وثقافية تعمل بإدارتها لأغراضها الـمحلية وسياستها العامة الدخيلة على الأمة.
وقد قامت هذه الـجمعية في سورية بأعمال تبشيرية كثيرة، وحاربت الطوائف الـمسيحيـة غير الكاثوليكية واجتهدت في محاربة الأديان غير الـمسيحية. ولم تكن حربها عقائدية فكرية فحسب، بل حرباً سياسية أيضاً. ومنذ قيام هذه الـجمعية في هذه البـلاد أخذت تتدخل في حياة الشعب وتسعى لضبط التيارات الفكرية والروحية الـمتولدة فيها وتـحويلها في اتـجاهها الـخاص الذي به قضاء أغراضها.
وهذه الـجمعية هي أجنبية قبل كل شيء ودخيلة على الشعب السوري وحياته. وأفكارها تكوّن دورة تامة تعود إلى مصادرها الأجنبية. وفي كل أعمالها ومشاريعها تستعين بالنفـوذ الأجنبي على حرية الشعب وأفكاره الـمعبّرة عن حاجاته. ومع أنها تفضل نفوذ بعض الدول الكبرى على غيرها فهي مستعدة دائماً لـخدمة كل نفوذ أجنبي يؤمّن لها مصالـحها ونفوذها. وعلى هذه القاعدة تستند في أعمالها السياسية. فهي نبتة غريبة تـحاول أن تلتفّ على النبت الوطني وتقتله.
ووسيلة هذه الـجمعية السياسية هي الدين، فباسم الدين تتدخل في جميع شؤون الشعب، وباسم الدين تعلّم التعاليم التي تريدها، وباسم الدين تربّي الروحية والعقلية، بواسطة مؤسساتها التعليمية وغيرها، تربية تخضعهما لاتـجاهها وأغراضها. فهي ترمي إلى السيطرة الروحية والزمنية بواسطة الـمؤسسات والـمنشآت والتعاليم التي تقيمها.
يريد مركز هذه الـجمعية الأجنبية في بيروت أن يُخضِع عقلية الشعب اللبناني وروحيتـه لسياستها وأغراضها، حتى أنه يحاول تزعّم لبنان. فلما نشأت النهضة السورية القومية في لبنان بتفكير سوري مستقل، مستمد من حاجة الأمة السورية التي يؤلف الشعب اللبناني صميمها، أدركت هذه الـجمعية الأجنبية أنّ زمن استعباد الشعب اللبناني لسحرها وسياستها وأغراضها قد آذن بالزوال فثار لهذه الـحقيقة ثائرها ورأت ألاّ تسلّم للشعب بالـحرية إلا بعد معركة حامية، شأن جميع السلطات الرجعية.
ولا شك في أنه كان لنفوذ هذه الـجمعية وتأثيرها باعٌ طويل في نشأة الأحزاب الـمسيحية الطائفية بقصد محاربة الفكرة القومية. ورأت هذه الـجمعية أنّ الـحرب ستكون شديدة وأنها تـحتاج إلى وسائل وأجهزة جديدة فكانت هذه الـمحاولة العظيمة الـمجهود، التي أخرجت إلى الوجود جريدة البشير جريدة يومية تبحث في جميع مسائل الأمة السورية وتعالـجها من وجهة نظر الـجزويت، فتحارب العقيدة القومية وأفكار الأمة الأصلية وتبث بدلاً منها أفكار الـجزويت الدخيلة.
وقد بدا لغير العارفين أنّ جريدة البشير في مظهرها الـجديد مظهر نهضة جديدة للجزويت وخطوة تقدُّمٍ جديد في سياستهم الـمشار إليها. والـحقيقة أنّ جريدة البشير تـمثل الـمجهود الأخير للجزويت في هذا الوطن والـمصباح يتألق متى قارب الانطفاء.
لا تـموت الـمؤسسات بين ليلة وضحاها كما يـموت الأفراد. فنزع الـمؤسسات يطول، ولكنه مهما طال فإنه واجد نهايته.
إنـنا لا نخـاطب الـحكومـة ولا السلطـة الانتدابيـة، كما تفعل البشير لأجل وضع حد لتدخّل الـجزويت في شؤون الشعب. فنحن نعلم أنّ مسألة تـحرير الشعب من الـجزويت مسألة تهمّ الشعب. ومن أجل ذلك نحن نعرض الـحقائق على الرأي العام وهو الذي يعطي حكمه.
لا تتـرك جريـدة البشير سانحة ولا بـارحة إلا حاولت استغلالها لـمنع حرية الرأي في لبنان. حتى لتدّعي هذه الـجريدة أنّ الـجزويت هم لبنان، فتتقدم إلى الـحكومة اللبنانية طالبة منع حرية الفكر والاعتقاد في لبنان لأن الـجزويت هم لبنان وهم يريدون ذلـك، ولكن الـرأي العام في لبنـان قـد استيقظ على أبـواق النهضـة القـوميـة وأخـذ يدرك جيداً أنه لا حق لـجريدة البشير الرجعية الدينية الأجنبية ولا لـجمعية الـجزويت الأجنبية التكلم باسم الشعب اللبناني، فبعد النهضة القومية لا يتكلم باسم الشعب اللبناني غير الشعب اللبناني، والسوريون القوميون في لبنان هم من صميم الشعب اللبناني وأعمالهم صادرة عن حقوقهم في وطنهم ودولتهم، لا عن ادعاء وتدجيل.
وستنجلي الـمعركة قريباً عن الصحيح في لبنان والفاسد فيعرف العالم، هل لبنان هو الشعب اللبناني أم هو جمعية الـجزويت الأجنبية؟ وعلى جلاء هذه الـحقيقة يتوقف شرف اللبنانيين وكرامتهم.