ما كاد يوم مولد سعاده يأزف حتى أخذ الشعب الـمستيقظ في طول سورية وعرضها يتحرك ويستعد للعيد، كأن تياراً كهربائياً انطلق فيه. وكانت الاستعدادات الشعبية في لبنان أكثرها نشاطاً وحركة. وقد رأت هذه الـجريدة الـمؤمنة بالنهضة القومية التي ولّدها سعاده في وطننا أن تنزل عند رغبة الشعب وتفرد عدداً خاصاً بأفكار وعواطف أبناء الأمة الـمعبرين عن اليقظة الـجديدة، الـمتجهة نحو الزعيم في ذكرى مولده السعيد. فساءت هذه الـحركة التجديدية في حياة الأمة مراكز الرجعة ومقامات السياسة الدينية التي ترى في فلاح الـحركة القومية انهيار نفوذها وسيطرتها على الشعب السليم النية، وقضاء على الأوهام التي سمّمت الشعب بها وجعلته عبداً لها، فأحدثت ضجة عظيمة وأوهمت بعض الناس الذين لا يزالون يؤخذون بأساليبها أنّ في البلاد جيوشاً جرارة ستزحف على الشعب الـمبتهج بعيد مولد منقذه، وتـجعل الأرض تـميد بجحافلها فتنزع من دائرة الأمن العام سلطتها وتتولى البطش بالشعب. وواضح أنّ القصد من هذه الضجة هو التأثير على الـحكومة لتسارع إلى اتخاذ تدابير تقي الـجزويت والإكليريكيين الفضيحة الكبرى الـمعرّضين لها بـمناسبة أول مارس/آذار.
وقد فات هذه الطغمات أنّ زمن استعباد الشعب قد مضى، وأنّ الـحكومة التي تـحترم نفسها هي الـحكومة التي تـحترم شعبها فلا تـمنع أفراحه ولا تقتل روحيته ولا تنزله منازل العبودية. لذلك رأت أن تعمد إلى أساليبها وفنونها فاستخدمت عدداً من الـجرائد لنشر أخبار مغرضة. فصدرت في الثامن والعشرين من الشهر الـماضي جريدة البيرق بعنوان ضخم: «شباب الكتائب يقررون منع تـجمّع الحزب السوري بالغبيرة». وتـحت هذا العنوان كلام مغرض (Tendencieux) عن ملحق هذه الـجريدة «وتصريحاً» بلسان السيد بيير الـجميّل فيه صخب كثير، وإنكار على اللبنانيين غير النفر القليل الهزيل العامل معه تـحت كنف الـمراجع الدينية، أن يكون لهم حرية معتقد أو رأي مستقل.
ووزع من هذه «الـمسطرة» الصادرة في البيرق نسخ نشرتها البشير ولـجور ونقلتها الأحوال في عدد أمس وقد أرسلنا مندوبنا الذي اتصل بوكيل عميد الإذاعة وسأله عن كلام البيرق ولـجور عن حصول خلاف في الرأي في الـحزب فقال الوكيل:
«ليس هذا الكلام سوى إشاعة ملفقة مغرضة. وهو لا يدل إلا على جهل محرري هاتين الـجريدتين نظام الـحزب واختصاص مؤسساته وكيفية تقرير شؤونه، فضلاً عن روحيته.»
ومـما يجدر بالذكر أنّ «تصريح» السيد بيير الـجميّل كان له وقع سيِّىء في أوساط الشعب. ونرجح أنه كان له مثل هذا الوقع عند الـمنضمين إلى «الكتائب اللبنانية» عن حسن نية. وفيـه يتجلى البون الشاسع بين مـوقف الـزعيم من «الكتـائب اللبنانيـة» ومتـرئسها بييـر الـجميّل في حوادث حل الأحـزاب الببغائية التي أنشأتها الرجعة، ولا هدف لها غير مقاومة نهضة الـحزب السوري القومي الرامية إلى تـحرير الشعب من مستعبديه الإقطاعيين والـمتلاعبين بـمقدّراته، وموقف هذا الشاب الـمغرر به من الاحتفال بذكرى مولد الزعيم، حتى ليقال عند الكثير من الناس إنّ السيد بيير الـجميّل ليس سوى آلة تستعملها الرجعة لأغراضها.
وتريد هذه الـحملة الرجعية الفارغة أن تعود إلى إيهام الناس أنّ الكيان اللبناني يخـص بعض اللبنانيين الذين لهم وحدهم حق التصرف به. وفي هذه الـحملة تـحدٍّ لشعور الشعب اللبناني وكرامته ليس بعده تـحدٍّ. ولكن الشعب قابل هذا التحدي بـما يستحقه من عدم الـمبالاة وبـمتابعة الأفراح ومعالم الزينة. وبهذه الـمناسبة نريد أن نوجه كلمة إلى أولي الأمر ألا يؤخذوا بعد الآن بهذه الأساليب الـخداعة، خصوصـاً بعد أن تبيّن لهم أنّ الشعب قد كذّبهم في ادعاءاتهم تكذيباً قاطعاً، فقد جرت الاحتفالات بـمولـد الزعيم في جميع مناطق لبنان دون أن تـحدث حادثة واحدة مـما هوّل به الرجعيون وأقاموا له الأراجيف.
أما جريدة البشير فقد اتخذت موقفاً غريباً جداً يسيء إلى الشعب اللبناني إساءة كبرى. فهي تتمنى على الـحكومة أن تستصدر مرسوماً بتعطيل النهضة القومية الصادرة من صميم الشعب في لبنان، وإلغاء امتيازها في حين تبقي عليها هي البشير الصادرة عن جمعية جزويتية أجنبية في البلاد. وفي هذا ما فيه من الـمسّ بكرامة الشعب اللبناني.
إذا كـانت جريـدة البشير تدّعي أنّ الشعب اللبناني ليس سـوى قطيـع تسوقه جماعة الـجزويت، فإن مثل هذا الادعاء كان يكون له بعض الصحة قبل النهضة القومية فبعد النهضة القومية لم يعد لبنان مقاطعة للجزويت ومن يدّعي تـمثيل الشعب عليه أن يتوجه إلى الشعب، بدلاً من أن ينادي السلطات لتأييد نفوذه الذي مات.
الـحقيقة أنّ يوم أول مارس/آذار كان مظهراً شعبياً رائعاً سجّل للنهضة القومية انتصاراً باهراً كما سجّل للرجعة فشلاً باهراً وانخذالاً تاماً.