طلعت جرائد البارحة على الناس وفيها أنّ بعض النواب اتفقوا على تأليف فرقة حزبية جديدة تدعى «فرقة الاتـحاد الوطني» تعمل على إنشاء حزب سياسي في لبنان باسم «حزب الاتـحاد الوطني» يستهدف ثلاث غايات:
1 - الـمحافظة على استقلال لبنان ودستوره.
2 - العلاقات الودية بين لبنان وحليفته فرنسة.
3 - الدفاع عن الـمعاهدة وتنفيذها والسير بلبنان في سبيل الاستقلال التام.
هذه غايات الـحزب «الوطني» الـجديد. وهي، كما ترى، ليس فيها من الاتـجاهات القومية أو السياسية شيء جديد، فجميع الأحزاب التي تألفت في لبنان منذ الانتداب إلى اليوم، كانت تستهدف هذه الغايات «الاستقلال التام» «الدستور» «العلاقات الودية بين فرنسة ولبنان» «الوطنية»، والشيء الـجديد في برنامج الـحزب هو «الدفاع عن الـمعاهدة وتنفيذها»، والـمعاهدة لم تكن يوم كانت تقوم الأحزاب في لبنان، كذلك لم تدخل الـمعاهدة في برامج الأحزاب العتيقة.
طلع علينا هذا الـخبر الـجديد، والإشاعات تـملأ الأوساط من أنّ بعض الـمراجع الإكليريكية تسعى لتشكيل أحزاب جديدة تقوم مقام الأحزاب الـمنحلّة، لها صبغة اشتراكية تـمكنها من العمل دون أن تستهدف الـحل والـملاحقة، تضرب بعصا الـجبهة الشعبية القابضة على زمام الـحكم في فرنسة.
وصرّح مرجع ديني كبير من أنّ «الكتائب اللبنانية» تفكر بالعمل تـحت اسم غير اسمها الأول، وها هو اليوم السيد توفيق لطف الله عواد يعلن في خطابه لصاحب الغبطة البطريرك الـماروني أنّ لـجنـة مـن رؤسـاء الـجمعيـات الـمنحلّـة ستؤلَّف للاهتمام بأمر هذه الـجمعيات.
ويظهر من كل ما تقدم أنهم يفكرون جدياً بتشكيل أحزاب جديدة تقوم مقام الأحزاب الـمنحلّة، وليس في الأمر غرابة، فالفئات التي ساءها اضمحلال تلك الـمنظمات الطائفية التي كانت تبوق لها في الـمآتـم والأعراس، في الكنائس والشوارع، لن تسكت عن الأمر حتى تعود تلك الـمنظمات إلى ما كانت عليه، لتُغرِق البلاد في فوضى وتقود البلاد إلى الـخراب.
فأين هو مركز حزب «الاتـحاد الوطني» من هذه الأحزاب؟
قلنا إننا لم نستغرب اهتمام الأوساط الإكليريكية بتأليف هذه الأحزاب من جديد تـحت برامج تخفي غير ما تعلن، لأن الإكليريكية في كل مكان وفي كل زمان كانت تستخدم الـجماعات بتأثيرات دينية لتنفيذ مآربها الـخفية ولضرب خصومها حين تدعو الـحاجة.
ولكن الـمستغرب في الأمر أن تسعى الإكليريكية نفسها لتشكيل أحزاب اشتراكية.
نحن نعرف أنّ الإكليريكية والاشتراكية كانتا خصمين لدودين، فحيث كانت الاشتراكية قوية كانت الإكليريكية تـحت الضغط، وحيث كانت الإكليريكية قوية كانت الاشتراكية تـحت الضغط كذلك.
وتصادمت الفكرتان في جميع النواحي فقامت بينهما حرب طاحنة لم تسلم فيها الرؤوس من الـجانبين وسلّطت الإكليريكية عليها مدافع البراءات، فرمت الـمنتمين إليها من جنة الله وفردوسه ونعمة الله وبركتها، ولقد وصل إلينا خبر عن هذه البراءات في الكرّاس الصغير([1]) الذي أصدره الـخورأسقف لويس خليل بوطقه من زحلة سكرتير جريدة البشير يوم قام يهاجم النهضة القومية في البلاد ويهول على الـمؤمنين من الـمسيحيين بشبح البراءة التي تـحرّم على الـمؤمن الانتساب إلى الـجمعيات التي تعمل في الـخفاء لـمحاربة السلطة الدينية والـمدنية.
هذا ما نعرفه نحن عن العدوتين الأبديتين «الإكليريكية والاشتراكية» فما الذي حدث حتى رأينا الإكليريكية في لبنان وهي فرع من الإكليريكية في العالم، تهادن عدوتها الكبرى لتعمل تـحت لوائها وتنشر بنفوذها مبادئها بين الـمؤمنين من أبناء الرعية وتطوبها قديسة يتبرك الـمؤمنون بأذيالها؟
نحن نعرف أنّ الإكليريكية ما ارتـمت في حضن الاشتراكية إلا لتستثمر نفوذ الـجبهة الشعبية في فرنسة التي تعطف على الأحزاب الشيوعية في بلادنا وتشجعها.
وعملاً بالبراءة البابوية التي صدرت في كرّاس الـخورأسقف لويس خليل تكون بعض الـمراجع الإكليريكية الكبيرة في البلاد محرومة من جنة الله وفردوسه ومن نعمة الكنيسة وبركتها.
[1] مؤامرة على الدين والوطن: الـحزب السوري القومي. بقلم الـخوراسقف لويس خليل، الـمرسل البطريركي الـماروني.