وقف النائب محي الدين النصولي في جلسة الـمجلس النيابي اللبناني أمس الأول، يقترح إنشاء مؤسسة كشفية على أنقاض الفرق الطائفية الـمنحلّة. وتكون هذه الـمؤسسة الكشفية تـحت إشراف الـحكومة التي توجه الشباب توجيهاً قومياً صحيحاً، وتنشئهم نشأة تربوية وطنية صادقة.
ومحي الدين النصولي كان إلى عهد قريب ركناً قوياً من أركان «الكشاف الـمسلم» في لبنان. وعلى أكتاف هذا «الكشاف» قد بنى زعامة أوصلته إلى الـمجلس النيابي اللبناني.
ولـحياة محي الدين النصولي الكشفية نهاية جديرة بالذكر، وهي أنّ محي الدين حلم في ليلة من الليالي بالـمجد السياسي، فقرر أن يكون سياسياً.
وفي يوم من الأيام برزت جريدة بيروت إلى عالم الصحافة في لبنان حاملةً في رأسها اسم محي الدين النصولي إلى قرب «العروبة فوق الـجميع». وللحال أدرك كل من تصفّحها أنّ بيروت جريدة طائفية أنشئت للدفاع عن مصالح الطائفة الإسلامية في حكومة لبنان «الـمسيحية».
وانخرط النصولي في سلك السياسة عن طريق العمل الصحفي الطائفي. وكان لانخراطه هذا أحد العوامل في إذكاء نار العصبية الدينية والرجعية في قلوب الـمسلمين، وكانت حوادث 15 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة الـماضية إحدى ضحاياها القومية..
واستمر النصولي في سياسته الطائفية، وحدثته نفسه على أثر انبثاق الـحزب السوري القومي، بتأليف حزب طائفي سياسي يستعمله وسيلة للوصول إلى مطامحه في الـمجد السياسي. وكان النصولي آنذاك رئيساً لـ «الكشاف الـمسلم»، وكان «الكشاف الـمسلم» حركة متسعة يزداد عدد أعضائها يوماً بعد يوم، مـما جعل الـمفوضية العليا توجس خيفة من اتساع هذه الـحركة، فأصدرت قراراً يـمنع فيه «الكشاف الـمسلم» من الاجتماع والاستعراض بدون إذن من الـحكومة، ويقيد فيه الكشاف قيداً جعل نظام «الكشاف الـمسلم» يقتصر على عدم قبول الأعضاء الذين يتجاوز عمرهم العشرين سنة.
رأى محي الدين النصولي رئيس «الكشاف» أنّ الـحركة الكشفية أصبحت ضعيفة، هزيلة بعد قرار الـمفوض السامي. فشق عليه ذلك، وقطع الأمل من استعمال «الكشاف» الـحاضر مدرجاً من مدارج الـمجد.
وفجأة، انفرجت الأزمة، وانقشع الضباب من سماء الأمل. ها هو عبدالله دبوس القائد الكشفي يخترع فكرة صفق لها محي الدين تصفيقاً نفخ صدره بالأمل الباسم. فقد فكر عبدالله دبوس بالاشتراك مع بعض رفاقه الكشفيين بإنشاء «النجادة»، و«النجادة» هذه في الأساس حركة كشفية تضم الكشاف الـمتدرج إلى سن العشرين، وفوق سن العشرين يصبح نـجاداً أي كشافاً كبيراً. وقد نص القانون الداخلي بأنه لا يجوز الانخراط في سلك «النجادة» إلا للكشاف الـمندوب في فرقة الكشاف الصغير.
قابلت هذه الفكرة ارتياحاً تاماً من قواد «الكشاف الـمسلم» جميعاً، وشرعوا بتطبيقها فانتخبوا محي الدين النصولي رئيساً لـ «النجادة».
تسلم النصولي رئاسة «النجادة»، فرأى فيها حركة يـمكن استغلالها في برنامجه السياسي، فقرر بينه وبين نفسه تـحويل «النجادة» من حركة كشفية رياضية بحتة إلى حركة سياسية طائفية متلبسة بلباس كشفي رياضي.
ونـجح النصولي في هذا التحويل، وصارت «النجادة» حزباً سياسياً طائفياً على غرار «الوحدة اللبنانية» و«الكتائب»، وباتت هذه الأحزاب الطائفية الثلاثة خطراً على مصلحة البلاد ووحدتها، وسبباً في تقوية العصبيات الطائفية الهدامة، مـما حمل الـحكومة اللبنانية إلى إصدار مرسوم بحل هذه الأحزاب حلاً نهائياً.
وأما محي الدين النصولي فقد أصبح نائباً على أكتاف الطائفية، وجريدة بيروت، و«النجادة»، والائتلاف، وأشياء أخر.
واليوم يقف محي الدين يطالب في الـمجلس النيابي بتأليف مؤسسة كشفية تضم شباب لبنان وتوجهه توجيهاً قومياً، كما طالب الـمطران مبارك بتأليف حزب جـديد منذ حين، ولا نعلم كيـف توجـه الـمؤسسـة الكشفيـة الرياضيـة الشبـاب توجيهاً قوميـاً، إلا إذا كان يطمح النـائب محي الدين بأن يترأسهـا ويـمثـل بها الـدور الذي لعبـه على مسرح «النجـادة»، فيقلب الـمؤسسـة الكشفيـة التي يطالب بها إلى مؤسسـة سياسيـة ليستثمرها في سبيـل ما حلـم به من الـمجـد السيـاسـي.
... والظروف تلد العجائب...
البارحة، في جلسة البرلـمان، هفا النائب توفيق عواد رئيس «الوحدة اللبنانية»، هفوة كبيرة دلت على أنّ الرجل غير لبق في تصريحاته وأقواله. فقد صرّح على مسمع من الناس ومن نواب البلاد في معرض دفاعه عن الأحزاب التي حَلّتها الـحكومة فقال:
«إنّ حزب الوحدة قام ليناوىء امتداد النهضة القومية في البلاد، التي بعثها ظهور الـحزب السوري القومي، الذي كان ينظم عدداً كبيراً من الشباب، حتى في الـمناطق اللبنانية الصرفة، ومنعاً لهذا الاتـجاه تأسس حزب الوحدة اللبنانية ثم تبعته الأحزاب الأخرى.»
نحن كنا نعلم قبل أن يصرّح رئيس «الوحدة اللبنانية»، أنّ «الوحدة اللبنانية» قامت لتحارب النهضة الـجديدة في البلاد، وأن هدفها الأول والأخير هو محاربة الشباب في عمله التعميري والقومي.
إنّ السيد عواد لم يفضح سراً حين صرّح بـما صرّح، ولكنه كان سياسياً ضيقاً تنقصه اللباقة في التصريح، فبدلاً من أن يستميل الرأي العام ليعطف على حزبه الـمحلول، جاء بهذا التصريح الذي يزيد في قرف الناس واشمئزازهم.
الوحدة مارونية - كان الأحرى بحزب «الوحدة اللبنانية» لو أطلق عليه خالقوه، اسم «حزب الوحدة الـمارونية» فهو ماروني بحت، تلمس مارونيته في تعصب شبابه وفي إشاراته الـخاصة وفي الـمصادر الإكليريكية التي كان يستمد منها نفوذه. إنّ هذه الـمصادر كانت كلها مارونية دينية، ولا قيمة لـما يقال من أنّ الـحكومة كانت تعطف عليه بشخص رئيسها الـمسلم، فالـحكومة نفسها لم تكن مخيّرة في كل الأوقات في عطفها عليه. ناهيك أنّ عناصره كانت مسيحية مارونية فيها قسم ضئيل جداً من الشباب الـمسيحي الأرثوذكسي في قرية واحدة من قرى الكورة - فالكورة التي يبـلغ عدد سكانها الأربعين ألفاً، كان يـملك حـزب الوحدة فيها بضعـة من الأعضـاء كلهم في قريـة كوسبـا.
ومتى علمت أنّ طرابلس الـمدينة اللبنانية الكبيرة التي تضم أكثر من 50 ألف نسمة ليس فيها عضو واحد من حزب الوحدة اللبنانية، وأنها كانت كلها ناقمة على هذا الـحزب ومؤسسه والعاطفين عليه، وكذلك صيدا وجبل عامل. متى علمت ذلك، تكون لديك فكرة عن اتـجاه هذا الـحزب.
أعضاؤه - إنّ الأوساط التي امتد فيها حزب الوحدة اللبنانية في بادىء الأمر، كانت كما ألـمعنا كلها مارونية ضيقة في لبنانيتها، وهي تقول إنّ لبنان قام على جماجم الأحبار والبطاركة، وسيظل لبنان للأحبار والبطاركة. وقام عماله يروّجون له الدعوة عن طريق الطائفية أولاً، وعن طريق «البهورة» ثانياً، بإلباس الشباب «القميص الأبيض» وبحملهم السلاح على مرأى من رجال الأمن.
ومعظم شباب «الوحدة اللبنانية» كانوا إما جماعات لا ثقافة عندها، انضمـت إلى الـحزب لتلبس القميص، وتـحمل الـمسدس، وتتبهور على النـاس، وإما جماعـات عنـدها شيء من الثقافـة ولكنهـا ضيقة محدودة تعيش في وسط طـائفي بحـت وتعمـل للطائفيـة البحتـة.
كان أعضاء «الوحدة اللبنانية» في الـمناطق يتبهورون على الناس بأنهم يحملون الـمسدس على مرأى من الـجند دون أن يتجرأ الـجند على ملاحقتهم، لأنهم فوق القانون.
وفي كل الـمناطق التي كان يعيش فيها حزب الوحدة اللبنانية، كانت تكثر القلاقل والفتن. وهذه حادثة شكا الـمشهورة، فمن يوم دخل حزب الوحدة اللبنانية إلى شكا بدأت القلاقل تقع في هذه القرية الـمطمئنة.
وحزب أعضاؤه خليط من جميع الأجناس من ابن 10 إلى ابن 80 سنة، من الكاهن إلى الشيوعي، إنّ حزباً هذه هي أعضاؤه، وهذه عقليتهم هو حزب كُتِبَ له الـموت من يوم ولادته.
رئيس الوحدة اللبنانية - من عائلة إقطاعية في شمالي لبنان تتوارث الـمشيخة أباً عن جد، يدعمها نفوذ إكليريكي ماروني تستمده من قصر الديـمان في الصيف، ومن بكركي في الشتاء. وهي على اتصال دائم بأرباب هذين القصرين، فمن الضروري تقريباً وجود أحد أفراد العائلة في السلك الإكليريكي ليدعم بوجوده نفوذ العائلة. وعميد العائلة، اليوم، هو سيادة الـمطران بولس عواد عم السيد توفيق عواد.
في هذا الـجو الإكليريكي العابق بالبخور، وبين قصري الديـمان وبكركي وتـحت رعاية أصحاب السيادة وأصحاب الغبطة نشأ السيد توفيق عواد، ومن نفوذ عائلته الإكليريكي ومن وساطة صاحب الغبطة البطريرك، وصاحب السيادة الـمطران وتأييدهما ونفوذهما أنشأ السيد توفيق عواد حزب الوحدة اللبنانية ليحارب امتداد النهضة القومية؛ وليدعم نفوذه الشخصي ونفوذ عائلته بحزب طويل عريض. وهمّه من البلاد وصالح البلاد همّ إبليس من الـجنة.
لا رأي له في علم السياسة أو في علم الاقتصاد أو في علم الاجتماع. فهو لا يبني نظرياته على أصول علمية كما يفعل عادة قادة الفكر في العالم.
ومن الفكرة الضيقة التي يعتنقها والتي لا يـمكن أن تؤدي إلى استقرار عملي في البلاد تظهر لك قيمة أفكاره السياسية ومبادئه العملية.
وهو كأكثر الشباب الـمتعلم في هذه البلاد ينظر إلى الأمور نظرة سطحية، وما كانت الأمـم لتحيا على النظرات السطحية الضيقة.
ويكفيك أن تعرف أنه صاحب حوادث 15 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الـماضي، وصاحب الـخطاب الذي تقرأ عنه مقالاً للكاتب السياسي تـحت «رأي النهضة».