مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي النهضة قضية الأحزاب الببغائية في المجلس (10)
 
 
 
الـموقف العصيب
 

 

 

أرهف أذنيك جيداً أيها الوطني العزيز!

 

إفتح حدقة عينك وحدق بصرك!

 

لا تلتفت ذات اليمين وذات اليسار لئلا تـمرّ العظمة في السحاب وأنت غافل فلا تراها!

 

لا تنبس ببنت شفة! فالـحكمة نفسها تخرس لـجلال الـموقف!

 

ومتى وجدت الـمدارك البشرية تتدهور أمام عينيك في الهاوية التي لا قرار لها، فخرّ على ركبتيك واسجد، فليس مولوخ ولا داجون شيئاً مذكوراً بالنسبة لـما ترى وتسمع!

 

إصغ جيداً وحدق بصرك فها الـملاك السابع قد نفخ في البوق، وإذا صوت يقول: إذهب إلى رئيس... وقل له: قد نظرت في عملك وإيـمانك ووجدت أنك فاتر، لا حار ولا بارد. ويا ليتك كنت حاراً أو بارداً! وبـما أنك لست حاراً ولا بارداً، ولأنك فاتر أبصقك من فمي!

 

في هذه الدقيقة يحدث سكون رهيب لأن أمراً عظيماً يحدث.

 

في هذه الدقيقة ينهض «رئيس الكتلة الدستورية» «زعيم الكتلة الدستورية» «زعيم الـمعارضة» ناقض فينيقيّة لبنان ومثبّت عروبته، القائل باستقلال لبنان عن الوحدة السورية القومية وعن كل الصلات القومية مع الداخل وبالاستعداد لعقد كل الاتفاقات غير القابلة التحقيق مع «الأقطار العربية الشقيقة»، الأستاذ بشاره الـخوري.

 

ومتى وقف ذو مقام خطير و«زعامة» نادرة كالأستاذ بشاره الـخوري، فكل الأمور البسيطة العادية تصبح أموراً خطيرة نادرة «دقيقة» وتصبح كل الأمور الـخطيرة الدقيقة أموراً عادية بسيطة، فلا تستطيع إلا أن تقف ذاهلاً أمام القوة التي تغيّر كل شيء ولا تتغيّر! وإذا كنت عصبي الـمزاج فالويل لك، لأنك حينئذٍ تصعق!

 

الأستاذ بشاره الـخوري يتكلم: «قلّما عرفت البلاد وعرف هذا الـمجلس ساعات أدق من هذه الساعات، وقلّ أن شعرنا بـمسؤولية أكبر من مسؤوليتنا في هذه الظروف.»

 

أجل، قلّما عرفت البلاد ساعات أدق من هذه الساعات! فلا زوال استقلال الشام، ولا مقررات مؤتـمر سان ريـمو السيّىء الطالع، ولا مفاوضات مؤتـمر الصلح، ولا وعد بلفور، ولا الاتفاق الفرنسي - التركي، ولا ذهاب لواء الإسكندرونة، ولا الـخطر الذي يهدد لواء الـجزيرة، ولا امتداد الأصابع اليهودية إلى لبنان، ولا اتفاقية بنك سورية ولبنان الكبير، ولا التشنجات الاجتماعية والاقتصادية، ولا علاقة النقد، ولا التفاف أفاعي الشركات الأجنبية، ولا الـخطر التركي الـمداهم من الشمال، ولا حركات الدول في البحر السوري، ولا التسلح العام، ولا شيء من كل ذلك ومن مثل ذلك يوازي في الدقة حل تـجمهرات شباب أوعز لهم بالتجمهر في شكل مؤسسات، لهدف أو لغير هدف، أو مظاهرات دفع ذوو الـمآرب الشباب على القيام بها من غير مطلب صريح أو خطاب مطران في كنيسة أو مدرسة، أو مشاغبات الـمستائين من «كيفية اقتسام الغنائم.»

 

ما هي مقررات الدول في صدد اقتسام تركة «الرجل الـمريض» بالنسبة لـخطورة «الـحوادث» التي يتقدم الـمجلس لـمحاكمة الـحكومة عليها؟

 

ما هي قيمة معاهدات سيفر ولوزان وصك الانتداب ومؤتـمر ستريزا ومعاهدتي لبنان والشام بالنسبة إلى قيمة تهديد «الاستقلال التام الـمطلق» بتأليف «جمعية الرفق بالإنسان؟»

 

ما هي قيمة الاستعدادات التركية الـحربية على الـحدود الشمالية بالنسبة «لقنابل الـمطران»، ووقوع مصادمات بين رجال الشرطة والدرك والـمتظاهرين من أجل الإصرار على مظاهرات مـمنوعة؟

 

ما هي خطورة تدنّي الفرنك وإفلاس البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالنسبة إلى إمكانية سقوط الوزارة أو عدم سقوطها؟

 

أجل، قلّما وجدت الأمة مصيرها معلقاً بين الـحياة والـموت كما وجدته بعد حلّ الأحزاب التي جعلت لها الـحكومة شأناً ما كان يكون لها لولا تدخّلها، وبعد خطاب مطران غضبان، وبعد مظاهرات سخيفة لم تبنَ على أساس ولم يكن لها قصد مبرر!

 

أما الـمجلس فقلّما عرف هو أيضاً ساعات أدق من هذه الساعات التي يتكلم عنها السيد بشاره الـخوري. فمنذ حادث مجلس إدارة لبنان التاريخي حتى اليوم، لم يقم في لبنان مجلس واحد عرف معنى العقود أو السنين فضلاً عن الأيام والساعات!

 

وأما النواب ففي كل ما مرّ بالبلاد من الأحداث الـخطيرة الـمتعلقة بـمصيرها القومي لم يشعروا قط بـمسؤولية تضاهي مسؤوليتهم «في هذه الظروف»!

 

وبعد جلاء هذه الـحقيقة، التي كانت غامضة عليّ وعليك، أيها الـمطالع العزيز، يوضح لنا الأستاذ بشاره الـخوري ما هو أعظم خطورة منها حين يقول «إنّ الندوة البرلـمانية هي، بدون ريب، أصلح من منابر الـمدارس ومسارحها لتصفية هذه الـحوادث، حتى ولا منابر ومسارح مدرسة الـحكمة تصلح لتقوم مقام الندوة البرلـمانية!»

 

إياك! إياك! أن تفوتك هذه الـحقيقة الباهرة: إنّ الـمجلس النيابي أصلح من منابر مدرسة الـحكمة لتقرير سياسة الدولة ولـمحاكمة أعضاء الـحكومة!

 

أرأيت، يا عزيزي الـمطالع، في كتب حكمة الهند والصين، أو في مكاتب الأزتك والقولاق والبكييري ما يضاهي ما في تصريح رئيس «الكتلة الدستورية» من الرأي الصائب والفكر الثاقب والبيان الساحر؟

 

هل رأيت أنك لم تكن تفهم شيئاً عما هو الـمجلس النيابي حتى جاءك بيان «زعيم الـمعارضة» فأصبحت تعلم وتفهم أنّ الـمجلس النيابي أفضل من مدرسة الـحكمة وأنّ الـجهالة خير من العلم؟

 

أعرفت في زمانك ما هو نكد الدنيا؟

 

وسواء أعرفته من قبل، أم لم تعرفه، فقلّما رأى إنسان نكد الدنيا مـمثلاً بأبدع وأروع مـما يـمثله السيد بشاره الـخوري، خصوصاً حين ينتقل إلى إيضاح الـحوادث الـخطيرة التي وضعت البلاد والـمجلس في ساعات لم يـمر بهما أدق منها قط فيقول «شط الـمزار في الـخطب وتوسعت الـحلقة. وأريد أن أحصرها في أمور وقعت منذ الأحد إلى اليوم. فقد سبق حوادث الأحد حل الـمنظمات.»

 

أعرفت البلاد والـمجلس شيئاً أشد خطورة من «حوادث الأحد» التي سبقها «حل الـمنظمات؟»

 

ومع ذلك، ومع كل ما لهذه «الـحوادث» من خطورة فهي لم تكن جديرة ببحث «الكتلة الدستورية» واتخاذ قرار بشأنها. وإليك بيان الأسباب الـموجبة: «ولـما كان الـموقف صعباً يتعلق بالوجدان فإن «الكتلة الدستورية» لم تتخذ أي قرار حازم وتركت الـحرية الـمطلقة لنوابها يقترعون كما يريدون!»

 

ثم ينتقل رئيس «الكتلة الدستورية» إلى تبرير الـحكومة والـمجلس فيعدد بعض العوامل التي عملت على تضخيم حوادث الأحد. ولا يقتصر على ذلك بل يبرر دار الانتداب أيضاً كأنه لسان حال تلك الدار فيقول: «فغلاء الطحين وسقوط العملة والأزمة العالـمية ليست ناتـجة عن الـحكومة أو الـمجلس أو دار الانتداب فهي نتيجة تطورات عالـمية قهارة.»

 

ثم يتقدم إلى استعطاف الأمة على هذا الـمجلس فيقول لها إنه «من لـحمها ودمها وليس دخيلاً عليها ولا مسبباً لعللها. فلتثق به وتترك له الوقت لـمداواتها.»

 

أجل، أيتها الأمة السيئة الطالع، التي كانت نكبتها بسياسييها الكلاسيكيين أعظم من نكبتها بكل السياسات الأجنبية. ثقي بهذا الـمجلس وثقي بهؤلاء السياسيين الذين لا يعرفون ساعات مرت بالبلاد أدق من هذه الساعات.

 

«إنّ الـموقف عصيب»، هكذا يقول «زعيم الـمعارضة.»

 

ونحن نوافق ونقول: إنّ الـموقف عصيب فهو موقف يدعو إلى البكاء دماً.

 

إنه لـموقف عصيب هذا الـموقف الذي تواجه فيه الأمة التاريخ بـمثل هؤلاء السياسيين الـمفلقين والأبطال الصناديد يجعلون منا سخرية الأبطال وأضحوكة السياسيين.

 

هذا هو الـموقف العصيب الذي يرتقي فيه السخف إلى مراتب الرصانة ويصعد فيه الهزء درجات الرأي فيشط الـمزار وتتوسع الـحلقات وتتلبس الغايات وتصبح الأمور التافهة أموراً خطيرة وتـمسي الأمور الـخطيرة أموراً تافهة.

 

فما أدق هذا الـموقف العصيب!

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro