مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي النهضة قضية الأحزاب الببغائية في المجلس (9)
 
 
 
بين الـماضي والـمستقبل
 

 

بعد كلام كثير عن قيمة الـمؤسسات الـمنحلّة مؤخراً التي حاول السادة عواد وعمون وعازار وفرنـجية رفعها إلى مرتبة عالية، يفرد رصيفنا السيد جبران التويني نحو دزينة من الفقرات الـمتتابعة ليبيّن أنّ مظاهر الشباب في هذه الـمؤسسات الـمخترعة الـمحاكية كانت خاضعة لتلاعب الـمستغلين والنفعيين من كل لون وصنف، وأسهب السيد تويني في تصنيف الـمستغلين والـمستائين حسب أغراضهم وميولهم، وبيّن أنّ حركات شباب الأحزاب الببغائية لم تكن حركات نهضة أصلية، وأنّ الـحوادث الأخيرة التي تلت حل هذه الأحزاب لم تكن صادرة عن إرادة الشباب، بل كانت نتيجة عمل الـمستائين الـمستغلين الـمضحين بالشباب على مذبح أهوائهم. فيكون السيد تويني قد وافق كل الـموافقة على أنّ هذه الـمنظمات الـمخترعة لم تكن ذات أهداف واضحة وخطط مدروسة منظمة، بل كانت مجرّد «تـجمهرات» معرّضة لعمل كل طارىء من غير روية ولا تفكير صحيح.

 

إذن فلا أسف على هذه الـمنظمات تنحلّ عن مجمع الـمآرب، ويتفرق الشباب الـمخدوعون ليعودوا إلى نفوسهم ويعيدوا النظر في أعمالهم، ويبحثوا عن الهدف القومي الصحيح والـمبادىء القومية التي تـمثّل حاجة الشعب ويعتنقوها ويحرروا نفوسهم من عبودية الـمآرب والغايات ومن قيود التعصب الديني الذميم وقيادة الإكليريكية والـمؤسسات الدينية.

 

ولكن السيد محي الدين النصولي يقف ويقول ببدعة جديدة هي أنه يحق للحكومة أن تهدم وأن تبني وأنّ الـحكومة هي مصدر الـمؤسسات والـحركات وأنها يجب أن تكون كذلك.

 

يقول السيد محي الدين النصولي:

 

«إنّ الذي يعتزم الهدم يجب أن يعرف كيف يبني. وإنّ الذي يود أن يبعثر الـمؤسسات التي بعثرت يجب أن يعرف كيف ينظّم عقد غيرها، مخافة أن تتحول هذه القوى إلى غير ما خلقت له فتصبح أداة تدمير بدلاً من أن تكون أداة تعمير وتثير الشغب والفوضى بدلاً من أن تكون عاملاً قوياً في الـمحافظة على النظام والأمن.»

 

يحملنا هذا الكلام على الذهاب بعيداً جداً عن إدارة الدولة وعن الندوة النيابية، إلى نادٍ أدبي أو حفلة أدبية يلقي فيها رجل طيب القلب محاضرة في الـمعاني الـمناقبية البعيدة جداً عن إدارة الدولة وسياسة الـحكومة.

 

يتكلم السيد محي الدين نصولي كلاماً طيب العرف الأدبي، ساذجاً كل السذاجة، صادراً عن رجل طيب القلب لا يعرف ما هي إدارة الدولة ولا ما هي الـحكومة ولا ما هي الدولة ولا ما هو الشعب ولا ما هو الـمجلس النيابي ولا ما هي مبادىء الـحكم ولا ما هي السياسة.

 

لقد هدمت الـحكومة شيئاً بنته الـحكومة بنفسها إلا «النجادة» فقد كانت أشبه بردّ فعل لـما بنته الـحكومة. وطبيعي أن يشعر الباني بأنه يحق له هدم ما بناه وأن يغضب لرؤيته الذين استفادوا من البنيان يغتاظون من الهدم ويحاولون منعه.

 

يطلب السيد محي الدين من الـحكومة أن تعرف كيف تنظّم عقد غير الـمؤسسات التي حلّتها، أي أن تنظّم عقد غيرها، كأن السيد نصولي يجهل أنّ ما تنظمه إحدى الـحكومات يكون حكومياً بحتاً، خصوصاً في حالة حكم كالـحكم اللبناني وحالة حزبيات كالـحزبيات اللبنانية الشخصية الضيقة. وبعد فمن يدري فلعل السيد نصولي يقصد أن تعود الـحكومة فتبني لها حزباً بدلاً من الأحزاب التي أرادتها لها وشذت عن منهاجها. ففي عبارة السيد النصولي ما يؤيد هذا الاستنتاج تأييداً قوياً، خصوصاً قوله «مخافة أن تتحول هذه القوى إلى غير ما خلقت له.»

 

ما هو هذا الشيء الذي خلقت له هذه القوى؟ أهو ما أرادته الـحكومة السابقة من هذه الـمؤسسات الـمخلوقة ولم يكن لها؟ أم هو الشيء الذي أرادته منها الـمقامات الدينية؟ وهل هذا الشيء هو سياسي أم اجتماعي أم اقتصادي أم حزبي؟ أم هو كل هذه الأشياء وكل التخيلات الـممكنة وغير الـممكنة الـمزدحمة وراء هذا التعبير الغامض «ما خلقت له»؟

 

ويعود السيد النصولي فيقول:

 

«لقد كان الأجدر بالـحكومة، بعد أن وقّعت قرار حل منشآت الشباب، أن تعدّ في الوقت نفسه قراراً ثانياً تنظّم به مؤسسة تضم الشباب على اختلاف عناصره ونزعاته وترعاها وتشجعها بشتى الوسائل.»

 

الـحق أنّ هذا الكلام جميل: فالرعاية والتشجيع بشتى الوسائل وتنظيم مؤسسة تضم الشباب على اختلاف عناصره ونزعاته كلام جميل جداً. ولكنه ككل كلام آخر جميل، بعيد عن فهم طبيعة الاجتماع والعوامل الاجتماعية والسياسية، كلام يزول كل جماله متى بدأ يتحول إلى أفكار جدية، لأنه يقوم على افتراضات لا وجود لها إلا في دماغ منشئه.

 

أيـمتى كانت الـحكومة مصدراً صالـحاً لإنشاء الـمؤسسات [التي] تضم «الشباب على اختلاف عناصره ونزعاته»؟ ألا يرى السيد نصولي أنّ الـحكومة قد قامت بتجربتها ورأت النتيجة التي يوصل إليها فرض الإرادة الـحكومية على الشعب في حالتي الإنشاء والهدم؟

 

ألا يرى السيد نصولي أنّ الـمؤسسة الوحيدة التي تتمكن من ضم الشباب على اختلاف عناصره ونزعاته هي الـمؤسسة التي تنشأ من صميم الأمة ومن صلب الشعب على مبادىء تشمل كل الـحاجات القومية، النفسية والـمادية؟ وأنّ أمر تقدير هذه الـمبادىء وحاجة الشعب إليها يجب أن يترك لـمجموع الأمة ولتطور الرأي العام، لا أن يكون عائداً لإرادة الـحكومة ومعرفتها؟

 

إنّ واجب الـحكومة هو عدم التصدي لـمنع تطور الشعب حسب مزاياه ومؤهلاته، لا أن تصنع للعقلية القومية قوالب من حديد تضعها فيها فلا تستطيع الانفلات من الـمحيط الـحديدي الـحكومي الـموضوع لها.

 

إنّ شأن الـحكومة هو أن تقف على الـحياد في كل ما يتعلق بتطور العقائد الأساسية في الشعب، خصوصاً متى كانت هذه الـحكومة لا قومية، أي ليست ذات برنامج قومي وغير صادرة عن حزب قومي نشأ من صميم الأمة ليعبّر عن حاجاتها ومُثُلها العليا ويشق لها طريق الـحياة ويصهر عناصرها في بوتقة مبادئه الأساسية والإصلاحية الضرورية لـحياتها، أما أن تقف حكومة وليدة ظروف سياسية معينة لتفرض على الشعب الـمؤسسات التي تريدها وتـحلّ الـمؤسسات التي لا تريدها فهذا ليس عملاً قومياً، بل عملاً سياسياً ضيقاً خاصاً لا يـمكنه مطلقاً «ضم الشباب على اختلاف عناصره ونزعاته.»

 

يجوز «لـحزب الـحكومة» أن ينشىء مؤسسة يدعو الشعب إلى الانخراط فيها، كما يجوز لكل حزب آخر فعل ذلك. أما أن تنشىء الـحكومة هي عينها مؤسسة وحيدة تضم العناصر الـمختلفة بتوجيهها هي فأمر يجب أن يسبقه افتراض آخر هو: أنّ الـحكومة الكلية القدرة، الكلية الـحكمة، الكلية العلم، الكلية الفهم، قد جاءها السلطان الـمنُزَل لفعل ما ترى وترك ما لا ترى وتصريف شؤون الشعب بحكمتها ودرايتها، فهي تـمثّل الإرادة الإلهية والوصي الرباني، فسلموا إليها أموركم!

 

ومتى تـمت هذه الـمعجزة التي يتنبأ بها السيد نصولي والتي تفوق كل معقول ومنقول في باب الـمعجزات، تقدمت هذه الـحكومة الإلهية إلى الشباب وقالت لهم: لقد هدمت مؤسساتكم التي ترتكز إلى أساس واهٍ، هو أساس الطائفية، وهيأت لكم منشأة جديدة ترتكز إلى أساس متين الدعائم، هو أساس القومية، لأني لا أريد أن أسمع بعد اليوم أنّ في لبنان أدياناً وطوائف ومذاهب يودّ معتنقوها لو يوقع بعضهم ببعض، بل أريد أن أسمع أنّ هنالك وطنيين ووطنيين لبنانيين فحسب.

 

ومتى فعلت الـحكومة لم تبقَ بها حاجة للتقدم إلى الـمجلس النيابي بـمشروع تعديل الدستور الطائفي والأساليب الدستورية وتتم الـمعجزة وتخلق الـحكومة الدينية الـمذهبية الطائفية مؤسسة لا دينية، لا مذهبية، لا طائفية غارقة في السياسة الـحكومية.

 

ولكن متى تـمت هذه الـمعجزة الفائقة التصور كيف يعود يتمكن الأستاذ نصولي من الوقوف على الـمنبر والقول: إنّ سورية بلاد إسلامية، بدلاً من أن يقول: إنّ سورية بلاد سورية؟

 

إنّ الذين يريدون إخضاع مستقبل الأمة لإرادة «الـحكومة» يريدون أن يكون مستقبل الأمة كماضيها.

 

إنّ مستقبل الأمة يجب أن تقرره الأمة لا الـحكومة!

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro