مؤسسة سعاده للثقافة
 
تسجيلات المحاضرات العشر تسجيلات صوتية أخرى أغان وأناشيد سلسلة الإنسان الجديد ندوات ومحاضرات فيديوهات أخرى كتب دراسات النشاطات الإجتماعية ندوة الفكر الفومي مشاعل النهضة اللقاء السنوي مع سعادة خبرات القوميين نص ونقاش منوعات وطنية مؤتمرات الحلقات الإيذاعية مقابلات مقابلات نصية وثائق ديوان الشعر القومي مواد سمعية وبصرية معرض الصور
إبحث
 
دليل الموقع
 
 
 
 
 
 
 
رأي النهضة قضية الأحزاب الببغائية في المجلس (2)
 
 
 
السحر والساحر
 

 

 

كما وقف السيد بيار جميّل أمام بيته في بكفيا مهدداً الـحزب السوري القومي وسعاده من بعيد بقبضة يده مقلداً دون كيخوط في أبدع مظاهره ومواقف فروسيته، كذلك وقف زميله السيد توفيق عواد في حصانة الـمجلس النيابي متبجحاً بـمآتي حزبه في التعصب وكيف أنه دفع عن وطنه بلاء القومية الصحيحة وجاء يُغرقها في خضم الـمذهبية والطائفية.

 

ولقد جاوز السيد عواد كل حدود التبجح حين بلغ في خطابه الـمدهش هذا الـحد البعيد «نحن خلقنا روحاً وثّابة الشيء الذي لم يفعله السياسيون السابقون.» وهذا القول هو أغرب ما سُمع من الـخطابات الوقحة في التاريخ الـخطابي. ومن الـمحتمل، بل من الـمرجح أن تكون عبارة «نحن» في هذا القول مـمثلة السيد عواد وجماعته، وصاحب «الكتائب اللبنانية»، وصاحب «الـجبهة القومية اللبنانية» ومن معهما، فيكون السيد عواد قد جعل من خطابه «ردة رِجْل» لصاحب الكتائب حين تكلم في بعض الـمواقف بالنيابة عن جماعة «الوحدة اللبنانية».

 

ومهما يكن من الأمر فإن ادعاء السيد توفيق عواد أنه هو وأحزابه «خلقوا» الروح الوثابة، ضرب الـمقياس العالـمي في الانتحالات وليس مَثَلُه في هذا الـموقف إلا كمَثَل العامل الـجبان في رواية لقاسم أمين.

 

روى الطيب الذكر قاسم أمين أنه بلغ في بعض خطراته حقلاً يعمل فيه عاملان يقلبان الأرض بـمعوليهما، فوقف ينظر إلى عملهما، وإذا بأفعى تخرج من وكرها في الأرض وتنساب أمامهما. فحالـما وقع بصر أحدهما عليها تولاه الذعر فترك معوله وولى هارباً إلى نقطة بعيدة حيث وقف وجعل ينظر إلى رفيقه. أما هذا فحالـما رأى الأفعى أقدم عليها بثبات جنان، وسرعة خاطر وشرع يعالـجها بـمعوله فأصاب رأسها بضربة سحقته، وعاد إلى عمله كأن لم يحدث شيء غير عادي. فلما رأى العامل الـجبان أنّ  الأفعى قد قتلت وأنّ خطرها زال دبت في قلبه روح الشجاعة الـمثلى فأقبل على الأفعى يتأملها حتى إذا تـحقق من أنّ رفيقه قد سحق رأسها سحقاً وأنه لم يعد بها حراك تناول عوداً يابساً ورفع الأفعى عليه وأخذ ينادي الناس «تعالوا انظروا، تعالوا انظروا، قتلناها! قتلناها!»

 

والسيد توفيق عواد حين  ينادي بالناس ويقول «نحن خلقنا روحاً وثابة!» يعيد تـمثيل دور العامل الـجبان الذي رفع أفعى قتلها غيره وجعل ينادي «قتلناها! قتلناها!»

 

أصحيح أنّ السيد توفيق لطف الله عواد وأضرابه خلقوا روحاً وثابة؟ أم الصحيح أنّ الروح الوثابة هي التي خلقها أنطون سعاده، حين أسس الـحزب السوري القومي، وأخرج شباب الأمة من حالة الـخمول والـخنوع، وقادهم في طريق الـحرية والـمجد، وأضرم في صدورهم نار البطولة، ونفخ في الأمة الـخاملة الروح الوثابة، فانكشف الـحزب السوري القومي عن بطولة وجرأة ورباطة جأش وفضائل النظام والقوة والـمبادىء، فكان النور الذي جلب اليقظة وكان من نعم اليقظة أنّ الأمة تنبهت لوجودها، وكان من نكد الدنيا أن تـحرك السيد توفيق لطف الله عواد وأضرابه ليكونوا آلات في يد الرجعة تستخدمهم لتحويل اتـجاه اليقظة عن القومية إلى الـمذهبية والطائفية الـجامدة الـمتصلبة. وبعد كل ذلك يقف السيد عواد في الـمجلس النيابي اللبناني ويصرح قائلاً «نحن خلقنا روحاً وثابة!» ويعيد تـمثيل دور ذلك العامل الـجبان في رواية قاسم أمين فيصيح «قتلناها! قتلناها!» بينما البطل الذي قتل الأفعى ودرأ الـخطر يتابع عمله التعميري كأن لم يحدث شيء.

 

ما أكثر الذين يريدون، في كل مناسبة، وغير مناسبة أن يدّعوا حقاً في ما ليس لهم وأن ينتحلوا فخراً لم يستحقوه! ما أكثر الذين وقفوا ينظرون من بعيد صراع سعاده مع أفعى الـخمول والاستسلام والذل والـمسكنة والـجبن والرياء والانحطاط - هذه الأفعى الهائلة ذات الـمئة رأس - حتى إذا صرعها وأنقذ روح الأمة الـجديدة أقبلوا يعرّضون صدورهم في الـمجامع رافعين الأفعى الـميتة على خشبة وصائحين بالناس «قتلناها! قتلناها!»

 

أما سعاده فإنه يتركهم لصياحهم ويعود إلى عمله التعميري في حقل القومية مستعداً لـمجابهة أفعى ثانية إذا كانت هنالك أفعى ثانية.

 

لقد كان من سوء طالع العامل الـجبان الذي هرب من الأفعى حين كانت حية تسعى، ثم عاد يتبجح بقتلها بعد أن قتلها العامل الشجاع، الرابط الـجأش، أنه كان بين الذين شاهدوا الواقع رجل كقاسم أمين روى للعالم حقيقة الأمر. وإنّ من سوء حظ السيد توفيق لطف الله عواد أنّ بعض الـمؤرخين الأحياء وقفوا على كيفية خلق الروح الوثابة في الأمة ويعرفون من خلقها ويروون الـحقيقة للعالم.

 

إنها لعبارة جريئة جداً، بل إنها لعبارة وقحة جداً هذه العبارة التي ادّعى بها السيد عواد هذا الادعاء الباطل.

 

يتكلم السيد عواد عن «السياسيين السابقين» كأنـه ليس واحداً منهـم ويظـن أنه بترديد عبارات سعاده، كما تفعل الببغاوات، يصير كواحد من الـمبدعين، أو كمن لـه سلطـان!

 

ولكن السحر كثيراً ما ينقلب على الساحر فلم يطل الأمر بالسيد عواد، الذي أُخرج بحرارة شديدة من الاستياء العام من الانتخابات وأُدخل ببرودة شديدة من التعيين في النيابة حتى انقلب عليه سحره وارتدّت عليه بلاغته فأعلن هذه الـحقيقة الناصعة:

 

«نحن، يا حضرات الوزراء لم نكن مشاغبين عندما كانت الـحكومة اللبنانية تأمر موظفيها بالانضمام إلى صفوفنا وتسهيل السبل أمامنا، ومساعدتنا في تأسيس فروع لنا، يا حضرات الوزراء لم نكن مشاغبين عندما دعينا لاستقبال العائدين من باريس!»

 

ومع هذه الصراحة الـخالية من كل سحر لا يتورع السيد عواد عن القول علانية «نحن خلقنا روحاً وثابة!»

 

صاحب «الوحدة اللبنانية» نفسه يعترف في ندوة رسمية كالـمجلس النيابي أنّ الأحزاب «اللبنانية» لم تنمُ، حتى في الـمناطق «اللبنانية الصرف» إلا عن طريق تشجيع الـحكومة اللبنانية ويعترف أنّ هذه الـحكومة كانت في تلك الظروف «تأمر» موظفيها بالانضمام إلى صفوف هذه الأحزاب الـمخترعة. وبعد إعلان هذه الـحقيقة التي يندى لها الـجبين خجلاً يقول السيد عواد «سرنا وسارت وراءنا الألوف!»

 

وفي حين يقول السيد عواد إنّ أصحاب الأحزاب «اللبنانية» قاموا يعززون قوميتهم ويدعون اللبنانيين إلى التآخي والوحدة نراه يعلن في الـختام «إنّ الظروف السياسية قضت أن نكون نحن في جهة وإخواننا الـمسلمون في جهة ثانية!»

 

وسنعود إلى بحث هذه الظروف التي قضت، أما الآن فلا يسعنا إلا الاعتراف بهذه الـحكمة التي أخفيت عن الـحكماء والعقلاء وأعطيت للسيد توفيق لطف الله عواد والسيد بيار جميّل وأضرابهما!

 

 
شارك هذه المقالة عبر:
 
 
 
تسجّل للإشتراك بأخبار الموقع
Close
 
 
الأسم الثلاثي
 
البريد الإلكتروني
 
 
 
 
 
@2024 Saadeh Cultural Foundation All Rights Reserved | Powered & Designed By Asmar Pro