اليوم هو اليوم الـمفروض أن يقف فيه عضو الدولة اللبنانية أمام صندوق الانتخاب ليتمتع بحريته الانتخابية ويـمارس حقوقه الـمدنية، فيشترك في إعطاء الرجال الذين يُجمِع عليهم الرأي القوة الأساسية لرعاية مصلحة الشعب.
اليوم يقف عضو الدولة اللبنانية أمام صندوق الاقتراع!
التصويت الـموقوت هو أحد الـحقوق الأساسية التي يـمارس الشعب بواسطتها سيادته في الدولة البرلـمانية الانتخابية.
وهذا الـحق هو في الـحقيقة تكميلي لـحقّ طويل عريض يبتدىء في الـحريات الأساسية التي يقوم عليها الـمجتمع الـحر الـمتضامن. وبدون هذه الـحريات الأساسية يكون التصويت تشبيهاً لـممارسة السيادة.
وإنّ من ضروريات مـمارسة السيادة، بواسطة التصويت الشعبي العام أن يكون الـمجتمع حاصلاً على تربية قومية صحيحة توجه الفرد نحو النظر في مصلحة الـمجموع دائماً، وتضع في ضميره مبادىء أساسية لا يحيد عنها، وتكون هي هدفه الأخير. فهل هذا هو الواقع في تصويت الـمعدود اللبناني؟
الـمعدود اللبناني ينتخب على أساس الـمنفعة الفردية أو العائلية أو الطائفية. وفي انتصار فريق من الـمرشحين على فريق آخر لا تنتصر مبادىء ونظريات على مبادىء ونظريات، بل تظفر غايات خاصة بغايات خاصة فتتحول منافع الإدارة العامة إلى فريق من أبناء البلاد دون فريق آخر. فالنزاع أبداً قائم على هذا الشكل.
وقد طال أمر هذا النزاع والناس يتذمرون منه ومن فداحة تكاليفه.
أما التصويت فليست له قيمة ديـموقراطية على الإطلاق لعدم استكمال شروطه. فالناخب اللبناني عادة لا يحوز من مؤهلات الانتخاب سوى مقدرته على السير إلى صندوق الانتخاب وتقديـم الورقة إلى رئيس قلم الاقتراع. فهو لا يرى في الـمرشحين هل هم قوميون أو غير قوميين؟ أم هل هم من مدرسة اقتصادية معينة أو من حزب واضح الأهداف؟ أم هل هم خاضعون لـمنظمات ومؤسسات أدّوا فيها الاختبار اللازم لأخلاقهم وعقائدهم وتصرفاتهم، أو غير ذلك؟ كلا. لا شيء من ذلك. وإنـما هو ينظر: هل إذا ناصرت فلاناً للوصول إلى كرسي النيابة يردّ لي هذه الـمناصرة خدمات مهما كان نوعها، كأن ينتشلني من تـحت حكم كان يجب أن تصدره ضدي الـمحكمة بجُنحٍ أو جرائم اقترفتها، أو كأن يتوسط لي في أمر، أو يعينني على بلوغ وظيفة أو أرب خاص؟ أم أنّ فلاناً الآخر يؤمّن لي من هذه الـمصالح نصيباً أوفر؟
إنّ هذا الأساس للتصويت فاسد. وفساده وما يجرّ من قضايا ومشاكل قد جعل الكثيرين يتجهون في تفكيرهم اتـجاهاً جديداً. ولا شك أنّ في الشعب رجالاً مستعدين دائماً لاستغلال أي اتـجاه شعبي، فما إن شعروا بتبرّم الناس بالـحال حتى تصدى بعضهم لـحمل رغائب الشعب، وقام فريق يروّج لبعض الناس الآخرين. فتغيرت الأساليب ولكن الأساس بقي واحداً.
لا مشاحة في أنّ الأساليب الديـموقراطية البرلـمانية، في مثل هذه الـحالة، تكون نكبة للشعب العامل بها. لأن الـمنافع الـخصوصية الـمستعجلة لا يـمكن أن تكون أساساً للسيادة القومية وحفظ الـمصالح العامة. حتى الأمـم العريقة في الديـموقراطية كثيراً ما تكون فريسة في كثير من الـمصالح للشعوذات التي يقوم بها مهرة متخصصون في استخدام الـمبادىء العامة.
ولكن قضية الشعب عندنا ليست فقط في الأساليب، بل في الأساس. في العقائد الأساسية ومعتقديها. فلا يكفي أن يقال إنّ الشعب قد سئم الشعوذات الـمسيَّرة في البلاد باسم الديـموقراطية. ويجب ألا يعني مثل هذا القول أنه قد صار من الضروري أن يرتـمي الشعب في أحضان الترويجات الاستغلالية.
إنّ الشعب بحاجة إلى من يهديه على نور الـمبادىء الصحيحة الضامنة مصلحته العامة ويوجد له الـمؤسسات الـجديدة الصالـحة لإيجاد رابطة قومية أفضل.
هذه حاجة الشعب وسدّ هذه الـحاجة الـماسّة هو النهضة القومية الصحيحة.
اليوم يقف الـمعدود اللبناني أمام صندوق الاقتراع..
اليوم يتفقد اللبناني حاجته.