استرعى انتباه الـمرجع الـمختص في الإدارة الـمركزية بعض الأخطاء التوجيهية في معالـجة القضايا القومية العامة التي قيد البحث أو انتهى بحثها في الأوساط الدولية، لا سيما حول قضية فلسطين، الـجناح الـجنوبي العزيز من سورية.

إن الـمسألة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من قضية الأمة السورية كما أن فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن السوري، وكل معالـجة للمسألة باعتبارها مسألة منفصلة عن القضية العامة معالـجة اعتباطية غير شرعية وغير حقوقية. وكل تقرير بشأنها لا يأتي من قبل الأمة السورية نفسها، تدخل في شؤون سورية الداخلية وفي حقها بتقرير مصيرها ومصير أجزائها، وتطاول على إرادة الشعب السوري في وطنه. قضية فلسطين هي قضية الشعب السوري، قضية الأمة السورية لن نسمح بأن يتدخل فيها أحد أو أن يقرر بشأنها أحد قراراً أيا كان.

إن الأساليب الـمتبعة من قبل حكومات دول العالم العربي ورجالها السياسيين أساليب هي الـمسؤولة وهم عن حالة الفوضى التي وصلت إليها قضية فلسطين، وعن قرار التقسيم الذي اتخذته الأمـم الـمتحدة.

إن كارثة تقسيم فلسطين ما تزال مستمرة، إن سياسة الاعتباط والاحتكار ما تزال هي هي الـمسيطرة على ما يسمونه معركة انقاذ فلسطين- تلك الـمعركة التي لم تتعد، من قبل الـمسؤولين، صدور البلاغات والتهويل بالقوة والـجيوش!!

إن لـجان جمع التبرعات نفسها لا تذيع على الرأي العام إلا لوائح بأسماء الـمتبرعين وقيمة التبرع. أما الصرف وطريقته والـمواد الـمشتراة والسلاح الـمرسل إلى فلسطين فلم يسمع عنها الشعب شيئاً! وليس في الـجو ما يدل على أنه سيسمع بشيء منها.

إن حالة شاذة من هذا النوع لا تسمح الفئات الواعية بالسكوت عن الغموض الذي يكتنفها ولا تشجع سياسة الاحتكار والتكتم والاعتباط على تـحمل مسؤولية عمل لا يكون تقريره ولا تكون خطوطه وختطه مشتركاً واضحاً.

إن قضية تخص الشعب قبل الـحكام يجب أن يطلع عليها الشعب وأن يؤخذ رأيه فيها. أما الإقدام الاعتباطي على تقرير مصير شعب على غير معرفة منه فنوع جديد من السياسة الاعتباطية الاستبدادية غير الـمعروفة في غير دول العالم العربي الـمسيطرة على الـمقدرات العامة والـمحتكرة للسلطة!

أمام هذا الواقع الـمؤسف شعر الشعب بضرورة تقرير أموره بنفسه وأن يتهيأ للدفاع عن نفسه بأساليبه هو، فقد اتضحت له وانكشفت سياسات التحذير والتهويل بالقوة والـجيوش والسلاح.

فمن الضروري أن يفهم الـمهاجرون القوميون وغير القوميين، حالة الغموض والتخفي التي تلفلف اليوم كما تلفلفت بالأمس أساليب معالـجة قضايا الأمة العامة.

إن حالة التخفي والغموض هذه ليست في مصلحة فلسطين طبعاً، إنها تفرض التحفظ على كثير من الفئات القادرة على الـمساعدة والواعية التي لا يـمكنها أن تشترك بتوسع في عمليات لا تعرف مصدرها ولا طبيعتها ولا تشترك في تقريرها لتتمكن من تـحمل الـمسؤولية التي تفرضها.

إن حالة الغموض والتهويل هي التي جعات السوريين في فلسطين يقفون عزل تقريباً في وجه الاعتداء الصهيوني الـمتواصل. فقد أملتهم دول العالم العربي بالـجيوش الزاحفة وبـمحو معالم الصهيونية في ساعات! وأملتهم بالأسلحة والعتاد والرجال. فلم يؤمن إلا الرجال وهم الـحصة التي قدمها الشعب، أما الـمال والسلاح الذي تكلمت عنه كثيراً حكومات دول العالم العربي فلم يصل منه شيء إلى فلسطين، إن اللحم وحده لا يـمكنه أن يرد الطغيان الـمسلح، وقد أدرك السوريون في فلسطين ذلك فسارعوا بحماية أنفسهم بأنفسهم!!

وديع الأشقر