لـحى الله الـمنافع الـخاصة التي لها جذورها في مصالح الناس تـمتص منها غذاءها دون أن تـمدها بشيء من القوى..
وأف من حكومة لا ترى في شعبها خيراً إلا ساعة النكبة، ولا تؤمن بوجوده إلا عند خوفها على نفسها من الاندثار!..
وما لـمسته، عندنا، من قطيعة بين مصالح الفرد ومصالح الـجماعة، وما رأيته عند الـحاكم من أهواء، وما شعرت به عند الرعية من حيرة، يضطرني أن الـحي ثلاثاً ما طغى على عقليتنا حتى جعل منها الشرود في الـمنطق، والتكالب في الـمصلحة، والتحاسد في النفع، والتخاذل في التكاتف، أساساً لأساليب السير في تعاريج الـحياة!..
تلك الـحياة التي كتب لها قصر الـمدى، وهي تـحمل أكفانها دوماً على ظهرها!
هم، أسياد العباد، لهم أعياد الأمة وورودها، ولهم مصالح الناس إذا كانت هناك مصالـحهم، ولهم القصر الفخم والـماء القراح والعيش الناعم والتعظيم والتبجيل والطبل والزمر...أما الشعب فله الكوخ الـمتداعي والـماء العكر والعيش الـخشن والتحقير والتعثر والسوط والعصا!.. ويا ليت من أنيط به حق الـمقاضاة يقف عند هذا الـحد أو عندما للإنسان من سلطان على الـمادة، أنه لو وقف لهان الأمر ولكن هناك دور اقتطاع الـحريات على الناس...فمنهم من قطع لهم كلمات محدودة وعبارات معدودة وآراء مفروضة يجب على الناطق أن لا يتعداها في إظهار الـحق وتقرير الأهداف حتى أنه لا يحق له التفكير، إلا كما فرضت عليه العهود السود أن يفكر، لأن تلك العهود حملت لقمة البعض كما يحمل حبل الـمشنقة لقمة الـجلاد...
***
...والذي دعاني إلى كتابة ما تقدم هو ما جاءت به الأيام وأبدت حقيقته للعيان.
كلنا يذكر بينما كانت قضية فلسطين، ذاك الـجناح السوري الهام، تلوكها أرباب الـمصالح الدولية في العاصمة الصهيونية الأولى، نيويورك، أراد الـحزب القومي الاجتماعي عقد اجتماع عام في بيروت فنادى أعضاءه من الفرات إلى اليرموك، ومن حلب إلى صور، ومن اللاذقية إلى دمشق، في الـمملكتين والـجمهوريتين، وما كادت الـجيوش القومية الاجتماعية تزحف بعشرات الألوف، والرقم لا دعاوة فيه ولا إغراء، حتى قامت حكومة الـجمهورية في لبنان تسد عليه الـمعابر والـمسالك فأوفدت قواتها تقطع على القوميين الاجتماعيين الطريق وتقضي على فرصة التعبير عن الشعور وحق القيام نحو جزء سوري كان لنا قبل توراة موسى وزبور داود!.
أراد الـحزب القومي الاجتماعي أن يوحد قيادة الدفاع عن كيان للقطر السوري ويحارب اليهود بالطرق القومية والأساليب الناجحة فمنعت حكومة لبنان هذه البادرة الوطنية الصحيحة.
وعندما رجع من ديار الغربة، زعيم النهضة القومية الاجتماعية، تناول بخطابه التاريخي قضية فلسطين وشدد على هول الـخطر الصهيوني وخطورة الـموقف وضرورة الإسراع في معالـجة الـحالة فما كان من الدوائر الـمسؤولة في لبنان إلا أن استصدرت مذكرة توقيف بحق الزعيم وسمحت بأن تضيع فرصة سانحة كان يجب أن تصرف في سبيل الدفاع عن أجزاء الوطن السوري الـمهددة، من فلسطين!
وبينما كان درك الـجمهورية في لبنان يلاحق ذلك الرجل الذي لم يلن لتهديدات الاستعمار الفرنسي، وحمق التكالب الأجنبي، ولم يسر في ركاب الـمستعمر الطماع..كان الصهيونيون يدافعون عن رجالاتهم حتى عن الـمجرمين منهم ويـمدونهم بالـمال وينتزعونهم من جوف السجون..
ها نحن اليوم أمام الواقع، ها نحن اليوم نحصد زرعنا، لقد وصلت طلائع العدو إلى دار كل منا، هذه هي الصهيونية التي لعبت بـمقدرات دول أوروبا الكبرى تـجتاح اليوم ديارنا!
الصهيونية التي أشعلت الثورة في أوروبا الشرقية، وقوضت ألـمانيا وأنهكت اسبانيا وتـحكمت في أميركا وهددت بريطانيا، هي اليوم تـحتل الساحل الفلسطيني الـخصب، والـجليل اللبناني الوريق، وتـحتل سهول الـجنوب البعيدة الأطراف!..
الصهيونية التي تدعي أن الله لها وحدها واقع في شباكها!..
الصهيونية التي تنحر كل حق على مذبح مطامعها لا تقر للعالم حتى بحق الـحياة هي اليوم تعمل بصك مسجل في بلادنا، كما كانت تعمل بوعد مسجل وتـحاول الدخول إلى ديارنا!!.
فريد مبارك