في هذه الظروف العصيبة التي تـجتازها قضية جنوب سوريا، يتطلع الشعب إلى الـحزب القومي الاجتماعي ويرتقب كلمته. وقد رأت عمدة الإذاعة أن تذيع على القوميين الاجتماعيين في جميع الكيانات السورية، وعلى الشعب أجمع، كلمة الـحزب الصريحة في صدد قضية فلسطين الـمقدسة، وفي الأعمال التي قام بها الـحزب في سبيلها حتى اليوم، والتخطيط الـحقوقي الأساسي الذي وضعه حضرة الزعيم الـجليل للقضية، في خطبه ومذكراته وبلاغاته، وفي التخطيطات الاعتباطية التي اعتمدها سياسيو دول العالم العربي وسوريا والتي أوصلت القضية إلى هذه الـحالة الـمحزنة.
وقد رجعت هذه العمدة إلى سجلات الإدارة العليا للحزب القومي الاجتماعي وإلى توجيهات حضرة الزعيم الـجليل وارشاداته، لتكون هذه الإذاعة كاملة مستوفية جميع الـمتطلبات.
في هذه الـمرحلة الـحاسمة الدقيقة من تاريخ القضية الفلسطينية، وقد وافقت الدول الكبرى على مشروع التقسيم الذي تقدمت به لـجنة التحقيق الدولية للأمـم الـمتحدة التي أوفدتها، كما كان يتوقع، بكل ألم، الـحزب القومي الاجتماعي، ويرى من خلال درسه للطرق الـمعوجة التي عولـجت بها القضية. وفي هذه الـحالة الـمؤسفة الـمشوشة التي أوصلت أساليب السياسة الاعتباطية الارتـجالية القضية إليها وما يرافقها من اجتماعات ومؤتـمرات ومقررات، وفي الوقت الذي يتطلع فيه الشعب السوري إلى الـحزب السوري القومي الاجتماعي، ويرتقب كلمته في ما آلت إليه القضية، وفي القضية نفسها، والـمراحل التي مرت فيها منذ نشأتها حتى الساعة، وما رافقها خلال هذه الـمراحل، وفي ما يجب عمله بلا إبطاء لإنقاذ فلسطين من الـمأزق الـحرج الذي انتهت بها إليه السياسات التقليدية الـمعروفة.
في مثل هذه الأحوال والـملابسات يتساءل البعض عما فعل ويفعل الـحزب السوري القومي الاجتماعي في الأمة، وبالتالي في سبيل القضية الفلسطينية.
لقد آن لهذا البعض أن يعاد إلى إفهامه مرة أخرى، وبالضبط، أوجه الـخطأ في هذا التساؤل، ومظاهر التحامل في هذا التجاهل.
إن الـحزب السوري القومي الاجتماعي منظمة إصلاحية اجتماعية ذات قضية واحدة كلية هي قضية الأمة السورية كلها ومصيرها ومصير وطنها. وهذه الـمنظمة تضم عناصر ثمينة من الشباب النزيه الـخالص من أدران الـمفاسد والـمساوئ الاجتماعية على تنوعها أنها حركة تـمكنت في بضع سنوات من شمول ألوف الـمواطنين وتثقيفهم التثقيف القومي الصحيح، وحركة عظيمة. وأن نهضة نـجحت في فترة محدودة من حياة أمة، وفي ظروف استثنائية عسيرة، في أن تـجمع ألوف الـمواطنين، من مختلف الطوائف والـملل والنحل والفئات، على صعيد واحد في بوتقة القومية، هي نهضة جديدة جبارة جديرة بالـحياة. وأن منظمة قومية استطاعت أن تنتزع، في ظرف سنوات معدودات، أدران أجيال خضوع وخنوع واستكانة، وجمع تلك الألوف حول قيادة واحدة، مـمثلة في زعامة حقيقية واحدة حكيمة، وغاية واحدة، وهدف واحد، لـمنظمة سائرة إلى الـمجد بخطي ثابتة وليس على الأرض قوة تستطيع أن توقف سيرها الـحثيث إلى ذرى الـمجد، ونهضة حققت للأمة ما ظنه الكل قبلها أمراً مستحيلاً بعيداً.
أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي حركة إصلاحية لـما تصل إلى الـحكم وتتسلم السلطتين التشريعية والتنفيذية للدولة لتقرر تدابير مواجهة الأحداث ولتنفذها. وأنه ليس بإمكان أية منظمة، ليس لها تلك الصفة، أن تـحقق في الأمة، ما حققه الـحزب فيها، وما حققه وعمله في سبيل القضية الفلسطينية الـمقدسة. يجب أن يدرك الـمواطنون أن للدولة، الـجامعة للسلطتين الـمذكورتين، وعليها، غير ما للمنظمة الإصلاحية وغير ما عليها!
إن الـحزب، بالرغم من فقدان تينك السلطتين، قد حقق في الناحيتين الـحقوقية والسياسية للقضية الفلسطينية ما كانت دول العالم العربي وهيئاته السياسية، في غفلة عنه، وفي تخبط أليم مشوش، في النظر إلى واقع القضية وجوهرها، وفي الأعمال والتصرفات التي قامت بها على أساس ذلك النظر، في سبيل قضية فلسطين. لقد حقق الـحزب في تينك الناحيتين ما نقل عنه الـمشتغلون بالسياسة عموماً، وبالقضية الفلسطينية خصوصاً، ويا ليتهم درسوه جيداً وفهموه جيداً واعتمدوه كل الاعتماد!
إن الـحزب السوري القومي الاجتماعي، يؤمن واعياً أن القضية الفلسطينية قضية حقيقية خطيرة تشكل خطراً مداهماً على جزء من الوطن السوري حيوي، مادياً وروحياً، للأمة السورية في حاضرها ومستقبلها. ويعمل بـمفهوم هذه النظرة الأساسية الـجوهرية إلى القضية، باعتبارها الأساس الـحقوقي والسياسي الصحيح لها، وهو أول هيأة سياسية عنيت بالقضية الفلسطينية على ذلك الأساس الصريح الواجب منذ صدور مذكرة الـحزب بالرد على مشروع بعثة اللورد بيل بالتقسيم، وفي كتابات عديدة بين فيها الـحزب، رأساً من الزعيم، وجميع الدوائر الـحزبية التي لها صفة التكلم بلسان الـحزب، موقفه ووجهة نظره من القضية. أن الـحزب في موقفه هذا، وفي وجهة نظره هذه، يتميز، في كيفية معالـجة القضية، عن جميع الهيأت السياسية في سوريا، وعن موقف رجال العالم العربي، كله، وهيئاته منها.
كانت الأساليب التي اتبعها سياسيو دول العالم العربي، ومـمثلو حكوماته، والهيأت السياسية الـمختلفة فيه، أساليب سياسية اعتباطية، والتخطيطات، إذا كان هناك تخطيطات سياسية اعتباطية، لا أساساً حقوقياً لها، أساءت إلى القضية الفلسطينية ولم تفدها، وخلقت هذا الـجو من الفوضى في العمل لها الذي ما يزال يكتنفها حتى اليوم منذ نشوئها.
إليك بعضاً من الدراسات التحليلية في وجوه القضية الفلسطينية الـحقوقية التي وضعها حضرة الزعيم:
أولاً: مقال تـحليلي للزعيم سنة 1924.
ثانياً: جواب الزعيم على تصريحات لويد جورج (أنظر النشرة الإذاعية عدد 6)
ثالثاً: خطاب الزعيم في حفلة افتتاح نادي الطلبة الفلسطينيين سنة 1932.
رابعاً: البلاغ الأزرق من الزعيم سنة 1936.
خامساً: مذكرة الزعيم إلى جمعية الأمـم سنة 1937 في صدد تقرير لـجنة اللورديبل (أنظر النشرة الإذاعية عدد 8)
سادساً: الـمذكرات والاحتجاجات والـمرافعات من قبل الـحزب أمام بعض اللجان الأنترنسيونية.
هذه بعض الدراسات في القضية الفلسيطينة لا يتسع الـمجال في هذه الإذاعة لأكثر من ذكرها. نشر بعضها في النشرة الإذاعية وسنعمد إلى نشر الباقي منها في أعداد هذه النشرة الـمقبلة.
لكننا نكتفي هنا بلفت أنظار الـمواطنين وإفهامهم إلى أن زعيم النهضة القومية الاجتماعية، في هذه الدراسات وسواها من الدراسات والأحاديث، قد وضع الـمسألة الفلسطينية ولأول مرة في تاريخها على أساسها الـحقوقي القومي الاجتماعي الصحيح الذي لو عولـجت القضية باعتماده، ولو أسند تنظيم الدفاع عنها بواسطته لـما كانت الـمسألة وصلت إلى هذه الـحالة الـمحزنة التي هي نتيجة إخضاع مسألة فلسطين وقضية الأمة السورية للحزبيات الدينية والشخصية والاقطاعية واللاقومية.
وتـجب الإشارة إلى أن حضرة الزعيم في خطابه في نادي الطلبة الفلسطينيين في الـجامعة الأميركية عام 1932 مثلاً، قد أشار إلى خطرين مداهمين مهددين للأمة السورية هما الـخطر الصهيوني في الـجنوب والـخطر التركي في الشمال؛
كما بيّن الزعيم، منذ ذلك الـحين وما بعده، الوجوه الـحقوقية الأساسية لبطلان وعد بلفور السياسي ولـحق الأمة السورية الطبيعي في فلسطين ولكون القضية الفلسطينية هي قضية الشعب السوري والأمة السورية.
إن الـحزب القومي الاجتماعي، بناء على ما أورد من أساليب السياسة الاعتباطية التي اتبعها سياسيو دول العالم العربي وحكوماته، وما عرضنا له من أعمال قام بها الـحزب في صالح القضية الفلسطينية وفي أساسها الـحقوقي الصحيح أن الـحزب، بناء على ذلك كله، يعلن أنه ليس مسؤولاً عن الـحالة الـمؤسفة التي أوصلت السياسات الاعتباطية في سوريا قضية فلسطين إليها؛ وأنه غير مسؤول ولا بوجه من الوجوه، ولا عن جزء صغير منها. ويعلن الذين قاموا على معالـجة القضية، والذين احتكروا معالـجتها دون استشارة الأحزاب التي وجبت استشارتها، ويجب أن تدخل في صميم معالـجة القضية الفلسطينية، يعلنهم الـحزب مسؤولين وحدهم عن هذه الـحالة الزرية.
وينبغي أن يدرك القوميون الاجتماعيون في جميع الكيانات السورية أن الـحزب يجهل إلى هذه الساعة كل الـجهل ماذا تخطط اللجنة العربية العليا في فلسطين، وماذا يحدث في الـمؤتـمرات والاجتماعات السياسية لدول العالم العربي وأنه كذلك يجهل كل الـجهل الامكانيات العامة الـموجودة، وفكرة واضحة عن القوى، التي يـمكن أن توضع في معالـجة القضية الفلسطينية.
نـجهل كل الـجهل الـموقف الداخلي الصحيح لكل دولة من دول العالم العربي في قضية فلسطين إلا ما ظهر في الصحف ووكالات الأنباء من ادعاآت وإعلانات ليست فقط غير الحقيقة بل تشويه صريح متعود للحقيقة نفسها.
وإذا رجعنا إلى تاريخ أعمال الدول في العالم العربي في القضية وفندناها دولة دولة، وعملاً عملاً، اتضح لنا أنه لا يـمكن الاعتماد على ما يذاع في الصحف، ولا على خطب الوزراء، ولا أي بلاغات تصدر عن دولة أو هيأة أو جامعة.
وفي هذا الـموقف الـخطر وفي هذه الساعة توجد أعمال تـحمل الـمفكر السياسي على التأمل ملياً في موقف كل دولة من دول العالم العربي في هذه القضية. في اجتماع اللجنة السياسية لـجامعة الدول العربية، مثلاً رفض مـمثل دولة اقتراح دولة أخرى بالتجنيد والقيام بعمل حربي حاسم في فلسطين إذا لم تـجب بريطانيا أو الأمـم الـمتحدة مطاليب وجهة النظر السورية في قضية فلسطين، هذا مثل من أمثلة.
والنظر إلى هذا الواقع الـمؤسف، يصح من التهور الـمجازفة بأية قوة، كبيرة أو صغيرة، في معركة لا يعرف شيء عن دخائلها، قد تكون ذات أثر أكيد في استنفاد القوى الضرورية لـمواجهة الأحداث في الـمستقبل، وفي ضياع إمكانية الـمبادرة في الأوقات الـمناسبة، والتهيوء والاستعداد على نطاق أوسع وأكثر ضمانة للنتائج الـمرجوة في الـمستقبل.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون،
يجب أن لا يغرب عن بال أحد أن الـمعارك الطاحنة، التي اضطر الـحزب أن يخوضها في لبنان؛ بعد عودة الزعيم إلى الوطن، ضد الفئات الرجعية النفعية والطائفية وذات الغايات الـخصوصة، معارك من الـخطورة والأهمية بـمكان عظيم توجب تركيز كل القوى والـجهود في سبيل خوضها والانتصار على نيات ومؤامرات تلك الفئات ودسائسها.
يجب أن يدرك الـجميع أن قضايا خطيرة جداً كان يـمكن أن تعرض وجود النهضة القومية الاجتماعية كله لـخطر أن يكون أو لا يكون استوجبت حشد مجهود الـمركز الـمحدود الامكانيات الـمادية بالنسبة للحالة الـمادية التي لا يجهل الأعضاء الرفقاء في فلسطين خطورتها وحالة الـحزب منها.
يجب أن يتأكد القوميون الاجتماعيون أن الزعامة الـجليلة لم تغفل القضية الفلسطينية على الاطلاق وأنها تعمل كل ما يستطاع عمله في سبيل تلك القضية بـما ليس في صالح القضية القومية إعلانه كله حرصاً على مصلحة العمل والاستمرار به.
إن معركة فلسطين، أيها القوميون الاجتماعيون، لا تدار فقط في فلسطين، ولا يجري قتالها كله في فلسطين، إنها ناحية واحدة من نواحي القضية القومية العامة، وجزء واحد من التخطيط الشامل لمعالـجة الوضع كله في سوريا كلها، وبالنسبة إلى السياسة الدولية كلها.
أيها القوميون الاجتماعيون،
ثقوا أن الـحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان أول من وضع قضية فلسطين على قواعد حقوقية صحيحة، يعمل لهذه القضية بتخطيطه الصحيح الـمخالف لـجميع التخطيطات السياسية الاعتباطية التي يقوم بها فئات أوصلت بـمجهوداتها الاعتباطية الـمسألة الفلسطينية إلى هذه الـحالة السيئة التي تـحمل وحدها مسؤولية إبقائها إليها.
وليكن معلوماً، أخيراً، لدى القوميين الاجتماعيين أن النظام الـحزبي في الـحقول الإدارية والسياسية سيتخذ وجهة جديدة، في جميع أنحاء الوطن ومن ضمنها فلسطين، وعلى أساسها سيصير العمل الـجديد.
وأن الـحزب مستعد للاشتراك بقوات منه في أي مجهود حربي يقام به في فلسطين، وللإشتراك في جميع الدراسات والـمؤتـمرات والاجتماعات التي تعقدها هيآت مسؤولة للنظر في كيفية انقاذ فلسطين، اشتراكاً فعلياً لا بد منه حتى نشترك بتحمل الـمسؤوليات الناتـجة عن الـخطط التي ستقرر.
الـمركز 24 اكتوبر/تشرين الأول 1947
عمدة الإذاعة