وسائل السير
1-كشف الطريق وتعيين الـمفارق
-2تعيين إشارات خاصة بين العصابات
-3استعمال الوسائل الكهربائية التي يحبس نورها لـجهة واحدة.
الأثر
الأثر ما تركته خطى أقدام البشر من الإحتكاكات في الصخور منذ عصور ودهور. وهكذا (.....)([1]) الـحجرية البركانية. كما أن لروث الـحيوانات والـمواشي تأثيراً هائلاً، ولـحوم الطيور تعين (....) جهة الـمياه تأثير كبير على (....) البعيدة.
الـمسير في الليل للعصابات في الثورة
مشي الـمشاة ليلاً يحتاج في الأكثر إلى تأهبات مهمة، فينبغي أولاً تعيين الـخطوط والوجهة الـمراد الوصول إليها، فيوضع إشارات أو علامات ظاهرة، إذا تيسرت الوسائط. فيستفادمن الوسائط الطبيعية كالسياج أو التبن، أو من الوسائط الصناعية كالشرائط والأسلاك ذات الألوان وما يشابهها من الوسائل.
ويتحتم على كل فرد أو عصابة أن تـحيط علماً بوجهة الـمسير والهدف التي لا يجوز التصريح بهما سوى أثناء التقدم، والـمحافظة على تلك الوجهة بعلامات تحفظ في الذهن ويمكن تمييزها، كما أنه يستفاد من الأثر.
وبـما أن مثل هذه الوسائل الـحصول عليها من قبل العصابات صعب جداً، فتكتفي العصابات بالإدلاء، وفي الأحراج تستفيد من قطع الأغصان وتقليمها أو ترمى على طول الوجهة. وتستعمل البوصلة في جميع تعيين وجهات الـمسير. والأرجح الاستفادة من الادلاء الأمناء لأنهم أضمن للسلامة. ويوضع أفراد في الـمنعطفات وعلى مفرق الطرق أو إشارات إضائية، واستعمال الـمصابيح الـخفية التي تعكس أنوارها لـجهة معينة. وتعتني العصابات باستعمال إشارات مخصوصة، ورايات بيضاء ناصعة، أو شيء يلف على الذراع. وتترك البنادق فارغة، هذا في القطعات الـمنظمة. أما في مسير القطعات الغير منظمة فلا يجوز ترك البنادق فارغة ولا بوجه من الوجوه لأن العصابات معرّضة للمفاجأة من العدو بكل لـحظة. وأما التدرع بالـمسائل الـمنوه عنها تطبيق الـممكن الاستفادة منه.
والذي يهمنا من هذه الـمواد هو السير في البقاع الضاحية([2]) وفي الـجبال الـجرداء. وعليه تكتفي العصابات بـمثل هذه البقاع. وإذا كانوا يجهلونها تسير ضمن شرائط معينة إذا لم يـمكن لهم معرفة سابقة بها. وعليه يجب انتخاب ادلاء ماهرين، ومن اللازم التشديد على قواد العصابات إذا كان لهم إلـمام بـمعرفة مطالعة الـخرائط، أن يجهزوا أنفسهم بها وبالبوصلة لأنها تعين جهة الشمال ومنها تعلم بقية الـجهات، ويجب على قواد العصابات أن يلموا إلـماماً تاماً في البقاع ويستوضحوا عن شعابها وهضابها وطرقها كلها قبل أن تـمس الـحاجة إليها.
خامساً: إتخاذ السكينة والابتعاد عن الضوضاء والـجلبة.
أنظمة سير العصابات في الثورة السورية
اعتادت العصابات أن تسير بأنظمة فوضوية وبـما أن الفوضى ستؤدي حتماً إلى فشل الغايات التي ترمي إليها والأهداف التي ترغب الوصول إليها، فأنظمة العصابات هي من أسهل الأنظمة.
ويـمكن للعصابات أن تسير بنظام الإنتشار فيما إذا شعرت بخطر. أو أنها تختار نظام رتل الـمنفرد أو رتل الثنائي أو رتل الثلاثي وحتى رتل الـحضائر. ولكن أهم ما يجب وجوباً جازماً على العصابات هو اليقظة والـحذر. ومع هذا كله فإنها يجب عليها أن تتخذ التدابير الاستطلاعية بوجه عام. ولا يغرب عن البال أن من أعظم الـمشاكل في السير الليلي الدامس هو تبديل الوجهة.
الـمشاكل في الـحركات الليلية
أولاً: أن النظر لا يستطيع تـمييز الـمشاهد في الليل كما لو في النهار.
ثانياً: لا يـمكن الاستفادة من الـخارطة كما يرجى، بل يـمكن تعيين الوجهة العامة، ولا تـمييز النقاط الرئيسية لتعيين الـجهات. ثم يكون تأثير الرئيس على الـمرؤوس محدوداً جداً ولهذا يصادف الرئيس صعوبات جمة في قضية السوق والإدارة.
الـحركات في نور القمر
وأما الـحركات في ضوء القمر فتختلف اختلافاً بيناً عن حركات الليل الـمظلم، إذ يـمكن لقائد العصابة الـماهر أو القائد الـحربي أن يطالع خريطته ويعين وجهة سيره.
يجب على القائد:
1- ستر حركات العصابات وكتم مراده لتضييع الـخطة على الـجواسيس حتى لا تعرف الـجهة ولا القصد من سيره.
-2التواري عن أنظار الوسائط الجوية، ودرء مهاجمة القوة الكاسرة.
-3وقاية العصابات من وهج الشمس والـحر في مواسم الصيف.
وإن حركات الليل تختلف بحسب حالة الـمواسم وحالة الليل وحالة العدو.
فأما الليالي الـمقمرة والبقاع الثلجية فإنها تساعد على الـحركات، ولكن فإن الـحيوانات والرجال سيكونوا محرومين من الراحة. وهي أشد مشقة من حركات النهار. والباعث لذلك هو عدم اشتغال الذهن بالـمناظر الطبيعية، فيكون الـجندي التعبان بين النوم واليقظة، ويعتري الـحركات البطء، وتألم الـمشاة من أرجلها أكثر من النهار لأنهم لا يستطيعون أن يعينوا محل دعسهم، وتكون الرؤساء معرّضة لـمشاق ومزاحم عديدة. ويكون الضبط والربط معرّضاً لعدم تأمين النظام. ومتى حدث أقل خلل فيكون له أثر كبير. وبسبب من طول نظام الـمسير يكون الارتباط بين العصابات من الـخلف إلى الأمام لأنه لا تضيع الوجهة من الأمام. كما أنه يستفاد من ألوان اللباس ومحراب الـمساجد والبيع ووضع البيوت وساق الشجر، وأهم من ذلك كله النجوم وبالأخص النجم القطبي.
إذاً، فإن وجود الدليل من أهم الأمور، وإذا كانت الادلاء عديدة أيضاً فيجب توزيعها على العصابات كما تقتضيه الـمصلحة.
ومن الوجوب على القواد وضع الادلاء تـحت الـخفر والـمراقبة الشديدة، لأن الدليل لا يؤمن منه من الانهزام واعطاء الـخبر عن العصابات، لأن أكثر الأدلاء خائنة. ولذلك يجب وضعهم تـحت الـمراقبة الشديدة وقد صادفتنا أكثر من مرة.
الرجعة أو الانسحاب من الـمحاربة
إذا لم يكن حالة الـمحاربة مساعداً وجب على القائد أن يصمم على إحدى خطتين من غير تأخر: إما الإستمرار على الـمحاربة إلى أن تنكشف له النتيجة الفاصلة، وإما الشروع في الإنسحاب.
هذا في الـجيوش، وأما في العصابات فيجب على القائد أن يكون حساساً وشاعراً في خطورة الأمر، لأن الـحالة تستلزم الدقة التامة وتقدير الـموقف. والأجدر به أن لا يكون عرضة لتطويق قواه من قبل العدو. أن مناعة الـموقف والـحالة الـحربية تؤكدان له ساعة الـخطر الذي سيحيق به. إذاً فما عليه إلا الإنسحاب، ولا عار على العصابات فيما إذا انسحبت واختارت الرجعة لأن حركات العصابات ما هي إلا حركات تعجيز واتعاب قوى الـخصم. ومـما يسهل الإنسحاب أن تسرع العصابة في الرجعة ولـما ينفد احتياطها كله. ولكن من الـخطأ أن يستبقى احتياطها لستر الانسحاب بدلاً من أن يستخدم لتحصيل الظفر.
وأما العصابات فأنه على الأكثر لا يكون تـحت يدها قوى احتياطية، لأن العصابات تكون مؤلفة من فئات ضئيلة، لأن كثرة القوى وتـحشيدها بـمواقع معينة مـما يضر بـمصالحنا الـحربية. وهدف العصابات أتعاب العدو لأن اكتساب النصر في الـمعارك لا يكون إلا بتضامن قوى العصابات لا بتوزيع قواها وإفراز قوى من أساس وحداتها.
الرجعة أو الانسحاب
طراز الرجعة تابع لأحوال العسكر ولـحركات العدو الغالب. إذاً طراز الرجوع في العصابات تابع في الدرجة الأولى لأحوال الأراضي والبقاع. فإذا كانت البقاع جبلية فلا بد من اتخاذ التدابير الـحربية. وهذه التدابير عبارة عن إفراز رجال تكون من خيرة شجعان هذه العصابة، فتعتصم في رؤوس الروابي وعلى خط القنن، أي رؤوس الروابي، وتستعين برشاشاتها، لأن الرشاشات أعظم مساعد لتأمين انسحاب وأحسن خطة.
يجب تـمييز الوقت الذي يجب الانسحاب به واشغال قوى العدو بشدة لكي تتمكن العصابات من نقل جرحاها وشهدائها، ولكن مع الأسف في معظم وقائع الثورة السورية كانت الـجرحى مطروحة على الـحضيض أي التراب.
أما الـمشاة الذين هم في اضطرار إلى الانسحاب فلا يـمكنهم أن يرجعوا إلا في نظام الـمحاربة الـمنضبطة وعلى استقامة عمودية تقريباً بالنظر إلى الـجبهة. وأول من يهتم الـمشاة بحمايته الأسلحة الثقيلة الـمرافقة والـمؤازرة للمشاة، والصفوف الأخرى غير الـمقاتلة، ففي القتال التقليدي ينصب جهد الـمدفعية لا على الـمدفعية العدوة بل على الـمشاة الأعداء الـمتقدمين في الطليعة ثم يهتم بدرجة تالية بالـمدفعية العدوة وبـمدافعه ذاتاً.
أما في حرب العصابات الـمختلطة فتكون حماية العصابات منوطة بالفرسان لأن الفرسان أسرع حركة من الـمشاة. وإذا كانت العصابات مجهزة برشاشات وحتى مدافع فالواجب على الـمدفعي أن يقوم بنفس الواجب الذي يلقى على عاتق مدفعية الـجيوش الـمنظمة. وقد قام بـمثل هذا العمل الـجدير بالثناء عبدالكريـم السمان الـمدفعي في وقعة السويداء. فإنه قد أمن انسحاب العصابات الـمنسحبة من مشاة وحتى من الفرسان وبقي على رأس مدفعيته حتى دخلت الـجنود السويداء. وكان على رأس مدفع جبلي عيار 6.5 من الطراز الإفرنسي. وأحسن مدفع تستعين به العصابات هي الـمدافع الصغيرة عن عيار 3.5 وهي مدافع الدبابات. وأعظم خصم للدبابات هو الـخرطوش الألـماني الدمدم ذو الرصاصة الفولاذية وعلامته إشارة حمراء على الدائرة التي في عقبه، وثانياً البارودة الإفرنسية الطويلة ذات الـماسورة الفولاذية. وأما الفرسان فينبغي أن يخاطروا بأنفسهم بالتوقف قليلاً ومشاغلة العدو ليسهلوا للمشاة الـخلاص من زحمة القتال.
لا شك أن هذه الـمادة مهمة في حروب العصابات، وتطبيقها ثقيل جداً لأن انسحاب القوى معناه تضعضها أو ضعف معنوياتها ولم تكن معاركنا على الأكثر مؤسسة على نظام حربي، بل كان الانسحاب عاماً وجملة واحدة كما حدث في وقعة النبك الكبرى، فالفرسان بدلاً من أن تنسحب إلى شواهق الـجبال انسحبت حتى الغوطة، ولـمن في معركة معربة قام الأمير بهذا العمل النظامي والـخلقي الـجدير بالثناء. وعبدالله بك أقدم أيضاً على مثل هذا العمل الـخطير. إذاً من الواجب على الفرسان الثبات على الأهوال حينما تبدأ الـمشاة بالانسحاب، فتسعى الفرسان للتمكن بـمواقع منيعة وتنتقل من منطقة جانبية إلى منطقة تالية لكي تأمن الـمشاة من أيدي قوى العدو الـمطاردة لها.
وأما ما بعد ذلك من الـحماية، فإنه يكون بشغل منطقة صالـحة للمدافعة، فيجد أولئك العساكر زماناً ومكاناً لإعادة النظام وراء موضع الـحماية.
وأما في حروب العصابات فأشغال مناطق الـحماية يجب أن يكون أسرع، لأن انسحاب العصابات يكون سريعاً على الأغلب فتكبش الـمشاة بـمناطق حصينة من الأرض أثناء التراحع هو شأن نادر، فيما هو من مهمات الفرسان. فإن لنوعية الأرض وتضاريسها تأثير عظيم على كيفية الانسحاب، لأن الـخصم على الأغلب كان يعتمد في حروبه على جميع الوسائل. فإيقاف زحف قوى العدو يكون من قبل الفرسان. لأن الـخصم على الأغلب يطارد العصابات بها إذ أن مشاته يكون قد انهكها شدة الـمعارك كما فعل الافرنسيون في وقعة النبك. وفي اليوم الثاني كانت فرسانه هي القوة الـمنوط بها أعمال التطويق والـمطاردة يعني التعقيب.
ومـما يفيد كثيراً أن تكفي الرشاشات والـمدافع التي تؤيدها الفرسان لأشغال موضع الـحماية، وليتمكن الـمشاة في أثناء ذلك من الانسحاب بلا انقطاع. وكذلك ما يوضع في الـجانب حتى لو كان نفيرة[3] واحدة أو رشاشة واحدة، فإنها تسهل الرجعة. وقد يكون مفيداً للمتراجع أن يتجنب موضع الـحماية أثناء تراجعه لا سيما إذا كانت القطعة صغيرة.
إن من الـممكن تطبيق مضاد هذه الـمادة على العصابات. والعصابات على الأغلب كانت مجهزة برشاشات والرشاشات الـموجودة مع العصابات الـحاضرة قسم منها ثقيل يحمل على البغال والقسم الثاني خفيف. والـخفيف نوعان، أحدهما حديث معدل والثاني طراز سابق والطرازان صالـحان للنقل. وتستطيع الـمشاة أن تـحمل هذه الـماكينات كما تنقل البندقية وتتنكبها. وقد استفادت الثورة من الـماكينات استفادة عظمى نظراً لـخفتها وسهولة نقلها.
إن اختيار موضع الـحماية في جانب خط الرجعة لـمن الأمور البديهية، إذ يتسنى للقوى الـمنسحبة الرجوع بسهولة. وفي أثناء الرجعة ينبغي السعي في تزييد الـمسافة التي تقع الـحرب فيها بين الفريقين. لذلك يعد من الـخطأ أن يحول بين الأقسام العسكرية ووجوههم نحو العدو بلا ضرورة لأن ذلك يعيب (التراجع).
الـمسافة
إذا ازدادت الـمسافة بين العصابات والعدو، استطاع الراجع أن يصير إلى نظام الـمسير وأن يفرز ساقة [4] تـحميه أي قوة خلفية.
ومـما يسهل الرجعة تشكيل ارتال الـمسير متعددة، وعند ذلك لا بد من افراز ساقة لكل رتل، على أنه ينبغي أن يجتنب توحيد تلك الأرتال قبل أوانه. والفكرة الثانية توافق حالة العصابات تـماماً. ويغلب رجوع العصابات من طرق عديدة. ومسألة الاتال فإنها بالطبع مؤسسة على النظام. ولا بأس فيما إذا العصابات اتخذت له أنظمة منيعة في الـمسير يقررها القائد وإلا فانسحابهم من طرق متعددة هو مـما يؤمن لهم سلامة الانسحاب.
والـمساعد لهم هو تخفيف وطأة مطاردة الـخصم، لأنه سيكون مضطراً لتوزيع قواه إذا كانت الـمسافات بعيدة بين أقسام العصابات، فتصبح قوى وحدات العدو متباعدة ويسهل مقاومتها وتخفيف شدة مطاردتها.
وأما حماية قوى العصابات الـمنسحبة فيكون تابعاً لأحوال البقاع ومعنويات القوى ووفرة عتادها.
الرجعة لـمهارة القائد
إنـما يجيد أعمال الـحرب في الرجعة القائد الأكبر إذا كان عالـماً بـما يفعل مديراً للحرب بهمة وعناية.
وجوبات القائد الأكبر
ويجب على القائد الأكبر أن يبين أي القطعات التي تقوم بالـحماية، وأن تكون الـحماية من الشجعان البواسل، ويعين الوجهة التي تريد أن تقتضيها ارتال الـمسير. ثم بعد أن يتخذ هذه التدابير ويعلم علم اليقين أنها لا بد مفعولة. يترك ميدان الـحرب وينسحب إلى الوراء حتى يعمل ما تقتضيه أوامره الـجديدة. وأما اتخاذ التدابير الفرعية فإن ذلك من وظائف من دونه من القواد.
وينزل القائد عن فرسه إذا صادف نار العدو الـمؤثرة ويستفيد من كسور الأرض، أي الطلعات والنزلات التي تـحجبه عن الأعداء.
وكذلك ينبغي لـمن كان في الوراء من القواد أن يتواروا عن العدة، والأولى أن يترجلوا.
فكما أن القائد الـحربي يجيد أعمال الرجعة، فمن باب أولى أن يكون قائد العصابة مدبراً لشؤونه الـحربية وعالـماً بـما يقتضي عمله. وقائد العصابة لا شك يستطيع تعيين الأشخاص الذين يتمكنون من الـحماية وتعيين موقعهم.
العصابات
الـممكن عمله في العصابات هو تعيين وجهة الانسحاب بوجه قطعي، ونقطة الاجتماع بعد الانسحاب. أما تـحديد وجهات انسحاب فئات العصابة فهو من الأمور الصعبة جداً. بل يكتفي قائد العصابة ببيان اتـجاه انسحابه واجتماعه بعد الانسحاب بالموضع القطعي.
واجبات القائد لعدم ترك ميدان القتال
قائد العصابة لا يستطيع ترك ميدان القتال والذهاب إلى الوراء، بل يقتضي عليه إذا كان في ميدان القتال ووجد من الضرورة الانسحاب، ألا يتوانى بأن ينسحب مع إدارة الرجوع بيده. وينبغي أن يكون حاكماً على ناصية الـحال وبخاصة إذا كان موقع الانسحاب أسوأ مـما كان قبله. آنذاك ينبغي على قائد العصابة أن يلجأ إلى جميع الـحيل للاستفادة من حال البقاع. فيترجل عن فرسه وراء تلة أو هضبة أو يخفيها في بطن واد، ومن ثم يقدم استطلاعه كي ينقل عصابته إلى مكان أكثر أمناً وخافياً عن رقابة العدو.
أسهل ما يكون قطع الـمحاربة، سواء عن أمر أعلى أم عن رأي خاص، ما كان على أثر غلبة أو فوز. فبقدر ما نخفي مقاصدنا عن العدو كانت الـحرب علينا أسهل وأسرع، وبقدر توغلنا في القتال يكون الانسحاب أعسر وأصعب.
في حروب العصابات تـحصل أحوال حرجة تضطر العصابات على قطع الـمحاربة، حتى ولو كانت العصابات في أحرج موقف من مواقفها الـحربية. فالعصابات معرضة لعوامل شتى أهمها: نفاد العتاد، وأن تكون عرضة لقوى فرسان العدو، أو لقوى أخرى أو لـحملات أو قوى فجائية ظهرت بدون الاطلاع على تقدمها، أو قتل قائدها أو مدير شؤونها، أو سقوط جرحى عديدة من قواها، وأن حالة البقاع لا تلائم حالها القتالي، أو عدم وجود ستر أو متراس، أو أنها مكشوفة، أو أنه يوجد مواقع تكون أصلح للدفاع عن الـمواقع التي تـحارب فيها حتى ولو كان في مواقع جبلية ووعرة. والـحاصل أن قطع الـمحاربة في حروب العصابات، تابع لـحالة العصابات الـمادية ولكثرة عتادها ولـموقعها الـحربي وحالتها الـمعنوية.
أعمال الطيارات في الـحروب وكيفية الوقاية منها
وتأثيرها في حروب العصابات
من الـمعلوم أن تقدم الطيران الفني الـمحسوس أحدث انقلاباً عظيماً في جميع الشؤون الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى الـحربية. ومن هذه الـمخترعات، الطائرات الـجوية التي هي من أثر تفكير عباس بن فرناس الأندلسي، إذ هو سبب لهذا الاختراع الـجليل. والطيارات كانت أعمالها في الـحروب مبنية على الاستطلاعات العسكرية، ووسائل الـمخابرات كحمل البريد وغيره، فأصبحت الآن وسائط للكفاح، وأهم وسائل الـمناقلات والـمواصلات بين الأقطار، وستكون في أقرب وقت تضاهي الأساطيل البحرية في ضخامتها وسيطلق عليها فيما بعد الأساطيل الـجوية، وسيتجاوز مدى الانتفاع منها أكثر من البواخر الـماخرة في عباب البحور. وبـما أننا نريد البحث عن تأثير هذه الـمحدثات والـمستحدثات من الـمخترعات من الوجهة الـحربية فقط فنكتفي بهذه الـمقدمة الوجيزة لنبين مفعولها الـحربي وتأثيرها على العصابات ليس إلا.
تأثيرات الطائرات في الثورة السورية كان مقتصراً على الـمدن والقرى والعصابات الـمجتمعة بصورة هائلة. والأحسن أن نطلق عليها اسم الـمدمرات الـجوية، وما عدا ذلك ليس لها تأثير. وتأثيرها كبير على الـجموع الـمحتشدة أو الـجموع الزاحفة في البقاع الضاحية.
وتأثير هذه الطائرات على العصابات تابع للأحوال الآتية:
1- عدم وجود وسائل صد هجماتها كما هو الـحال في الـجيوش الـمنظمة التي اخترعت لها مدافع خاصة.
-2عدم وجود طيارات لدى الثوار، تكون أكثر عدداً وأوفر عدة وأسرع طيراناً منها كما هو الـحال في الدول الراقية الـمتمدنة الغنية.
فالثوار لا تـملك سوى بنادق بسيطة ورشاشات معدودة، ولم تتمكن من استعمال الـمدافع الـمضادة للطيارات سوى مرات تعد على الأصابع. وهذه الأسباب هي التي جعلت هذه الوسائط الـجهنمية جريئة على تدمير الـمدن والقرى، وأحداث خسائر عظيمة في نفوس الأبرياء.
إذاً يجب علينا أن نلفت نظر القراء إلى وسائل التحفظ التي يجب التدرع بها، والتي طبقناها فعلاً أثناء حروبنا السالفة، وذلك تشجيعاً لأبناء الأمة العربية العزلاء وقلع الوهم الـمستحوذ على نفوسهم.
1- الإستفادة من طبيعة البقاع، فهي أعظم واق وأمنع درع لدرء خطر الطيارات الـمداهم ولهذا فإنه توجد التخاريـم والـحفر في بطون الوديان فهي معظم طبيعة البقاع. فهذه من الدروع الواقية لدرء خطر الطيارات الـمدلهم.
-2اللطوء في الأرض مهما كان شأن البقاع، لأن كشف الـجسم الهادئ الـمطمئن صعب جداً على الطيار.
-3الإختباء في الكهوف والـمغاير وفي بطون الوديان وقلب الاحراج، مـما يجعل الكشف مستحيلاً ويجعل قذائف الطيارات ووابل رشاشها في حكم العدم.
لا شك أن تأثير الطائرات على القطعات الزاحفة والـماشية والـمحتشدة في البقاع الضاحية كبير جداً للغاية، وأما في البقاع ذات التضاريس وذات الأحراج والـجبلية، فإن أهمية هذا التأثير يضعف لدرجة محسوسة ولربـما يعد عدماً.
وتأثير الطيارات تابع لأحوال البقاع وطبيعتها ولون تربتها، ولـحالة الـجند وأوضاعهم وأنظمتهم وارتالهم وللحالة الـجوية.
تأثير الطيارات في البقاع
من الـمعلوم أن البقاع متنوعة. فمنها البقاع الضاحية، والبقاع الـجبلية، والبقاع الـمتموّجة الـمتوسطة.
فالبقاع الضاحية هي من أهم البقاع التي يجب تـجنب السير فيها أثناء الزحف إذا كانت القوى كبيرة ما لم يكن هناك عوامل أخرى. وأما العصابات فالأجدر بها أن تتوقى السير في البقاع الضاحية في النهار. وإذا مسّت الـحاجة فاجتياز هذه البقاع ليلاً أسلم عاقبة. ولكن بـما أن العصابات هي عبارة عن شراذم صغيرة، فيمكنها اجتياز أي منطقة ضاحية نهاراً. بدون وجل من الطيارات، بالتدرع بأبسط الوسائل. وأهمها التالية:
1- تقسيم العصابات إلى فئات وارتال صغيرة، واتخاذ بعض الوسائل التمويهية التي تلائم حالة البقاع، كوضع نباتات طبيعية على رؤوس العصابات كمظلات.
-2إذا فوجئت العصابات بأسراب الطيارات تعمد إلى اللطوء في الأرض الضاحية، وتقابل الطيارات بنيرانها بكل جراءة فتضطر الطيارات للتحليق عالياً فتسقط مقذوفاتها بعيدة عن مواطن اللطوء.
-3يترجّل الفرسان وتربط خيولها وتتباعد عن مركز ربط الـخيول، وتترك عندها جماعة يحمونها، على أن تترك الـخيول مجتمعة. كما أن مواطن العصابات أثناء اللطوء يجب أن تكون متفرقة، لأن الطائرات بـمثل هذه البقاع، وبتحليقها الـمنخفض جداً، تستطيع مشاهدة الأهداف وتعيين أبعادها واتقان تسديد الرماية عليها. ويختلف هذا التأثير بحسب نظام رتل القطعة واحتشادها. فيضعف التأثير مع اتخاذ اللطوء درعاً والرمي واقياً، فحينئذٍ تضطر الطائرات للارتفاع، وفي ذلك الوقت يقل مفعولها تـماماً.
قلنا أن أعظم وسيلة من وسائل الوقاية، هو توزيع القوى لارتال صغيرة وشراذم ضعيفة بابعاد مختلفة حسب طبيعة البقاع.
وأما في حالة الـمفاجآت فالأحسن اللطوء، وثم الانتشار حبواً بابعاد مختلفة. وهنا يجب أن لا يغرب عن الذهن أن طبيعة تشكيل البقاع ولون تربتهما ولون كسوة الثائر أو الـجندي لها مكانة للتأثير، لأن الطيارات الـمنخفضة تستطيع كشف الشخص تـماماً، بخاصة إذا كانت كسوة الثائر لا تتلائم مع حالة البقاع، كأن تكون سوداء، وأحسن لون هو الترابي الـمعروف بين العامة بالكاكي.
ويجب على الـجندي أو الثائر أن يقابل الطيارة وهو لاطئ أينما كان، في السهل أو الـجبل، وعليه أن يسعى لتخبئة راحلته [5] إذا كان فارساً في الكهوف والـمظلات وبطون الوديان لأنهم أعظم درع لوقاية راحلته وتخبئتها، بخاصة أن لون الفرس له تأثير كبير على الاكتشاف.
الأراضي الضاحية
أن مفعول الطيارة في البقاع الـمكشوفة عظيم جداً. فالطيارة تطارد الفارس بـمثل هذه البقاع مطاردة الصقر لفريسته بانخفاض عظيم. وقد حدث في حرب الفوركلوس أن الطيارة كانت تـحلق فوق هامة الفارس. والطيار يكون على الأغلب شجاعاً لدرجة التهور، فأحسن طريقة للوقاية والتحفظ من شرها هي اللطوء والتباعد عن الراحلة مهما أمكن لأن الراحلة تشكل هدفاً كبيراً ويحسن ربط الفرس بشيء لأن الفرس الـمتحرك الداشر يـمركز نقطة الهدف. وكما أن للون الفرس تأثيراً على رؤيتها، فلون لباس الفارس ذو تأثير عظيم، وأحسن لون الرمادي بعكس ما كانت ترتديه الثوار من ألوان الألبسة. فإن معظم ألوان كسوتها كان أسود فاحماً جداً.
مقابلة الطيارات
تقابل الطيارة بوجه عام بالرمي الـمجتمع، ويجب أن لا يغرب عن البال أن سرعة الطيارة لها تأثير كبير فيجب مـمارسة ذلك. إذا كانت الطيارة مقبلة يجب التسديد أمامها، وإذا كانت مدبرة فيجب أن يكون التسديد إلى أمامها أيضاً لا إلى خلفها. وبعض بنادق الدول ركّب مسدداً خاصاً ضد الطيارات كما هو الـحال في البنادق الانـجليزية.
في البقاع الـمتموجة أو ذات التضاريس يجب على الـجندي أو الثائر أن يتباعد عن التمركز فوق الربى، وأن يتمركز في بطن الـخبت [6] أو قلب الوديان.
لا شك أن الطيارات تابعة لاتقان صناعتها وجودة فولاذها وسرعتها، فهي تختلف اختلافاً بيناً بحسب تقدم الشعوب التي اخترعتها. والطيارات لم تكن سلاحاً ماضياً في الـحروب الـماضية بل كانت وظيفتها الاكتشاف. ولكن الاتقان الذي حصل في جودة معدنها والتحسينات التي طرأت على التعديلات الفنية بقطعاتها واتقان صنعتها وزيادة سرعتها وتـجهيزها بالوسائل الفنية جعلتها سلاحاً ماضياً في الـحروب الـمقبلة. ولا يبعد عن الفكر بأن جودة الاتقان الـمستمرة ستجعل في الـحروب الـمقبلة من الطيارات أساطيل جوية ولربـما تنقلب الـحروب البرية والبحرية إلى حروب أساطيل جوية طالـما الاتقان الكيماوي سائر في طريق التقدم والنجاح. وفي استطاعتها الآن رمي الغازات الـمخنقة التي هي الضربة القاضية على الشرق، لأن العصابات من أين لها أن تأتي بكمامات، ولا حتى الـجنود التي تـحارب العصابات تلبس كمامات لـخبرها بأن العصابات ليس عندها طيارات لترميها بالغازات السامة. ولذلك لا تلبس الـجنود كمامات لـحرب العصابات. بل أن العصابات يـمكنها أن تأتي بكمامات من ألـمانيا لحربها، ومتى استحضرت العصابات على كمامات لا تبالي. فيستطيع البشر الاستغناء عن الرشاش والـمدفع في قنبلة غازية تبيد جيشاً بأسره، أو تدمر مـملكة عن بكرة أبيها.
إن الطيارات بحالتها الـحاضرة لم تكن سوى سلاح ذعر وإخافة ووهم. ولم يكن مفعولها كبيراً على الـمدن والقرى والدساكر والشعوب الـجاهلة. وقد صادفت أكثر من مرة أن السكان تعتقد أنه إذا لم ترم على الطيارات فلا تقوم هي بأفعال التدمير نظراً للوهم الـجاهلي الذي استحوذ على النفوس. ولكن حينما شاهد السكان بأم أعينهم بأن الـمقابلة بالنار هي العلاج الوحيد لدرء صولة هذا السلاح الـمغرور، أصبح الطفل الصغير لا يعبأ بها، وحينما تشاهد الطيارات العصابات تنطلق الرشاشات ويتبارى الـمدججون بالسلاح لـمقابلتها بكل رباطة جأش. واصاباتنا الـمتوالية أرغمت الطيارين على التحليق في السماء عالياً جداً، فكانت قذائفهم تسقط بعيداً عن مواطن دفاعنا.
إن الدول الـحديثة الراقية جادة في إصلاح الطائرات من زمنين وأكثر. والرقم (10) في نـماذج هذه الـمخترعات دليل قاطع على تـحسنها وتقدمها في معاريج الرقي. وسيأتي وقت تكون الطائرات مجهزة بأضخم الـمدافع كما هو الـحال في الفرقاطات والـمدرعات البحرية، وما ذلك على الفن الـحديث بعسير.
نقط الـخطر على الطيارة وسقوطها
إن نقطة الـخطر على الطيارة إصابة السائق أو إصابة خزان الـماكنة في الدرجة الأولى، فقد شوهد أن أعظم سقوط الطيارات لم يكن مبنياً إلا على الاصابات. وأما الأجنحة وغيرها فلا حكمة من إصابتها.
لقد أحدثت الدول الـحديثة الراقية سلاحاً ماضياً مضاداً للطائرات. فمنها الـمدافع السريعة العمودية، ومنها الوسائل الكهربائية لإيقاف السرعة، وهذه لم تتم بعد وتسعى ألـمانيا لتأمين ذلك. والرشاشات يستعان بها ضد الطيارات عند مس الـحاجة، وبنادق الـجنود أيضاً. هذه هي الوسائل الابتدائية التي تتدرع بها العصابات لصد هجمات الطيارات.
الطائرات الليلية لا قيمة لها أصلاً ولا يـمكنها أن تؤثر على العصابات وحتى على الـجيوش ما لم تفاجئهم مفاجأة الـموت.
الاتقاء من شر الطيران
إن الأمـم العزلاء من الوسائل الفنية كالأمة العربية يـمكنها في حروبها القومية لإعادة حريتها ما يلي:
اتخاذ أبسط الوسائل في بقاعها: فعلى العصابات التباعد عن الـمدن والتمركز في الـمواقع الوعرة، وجعل مواطنها الـجبال والأحراج إلى غير ذلك، ومقابلة هذه الوسائط الوهمية بأبسط سلاح، ألا وهو نار البنادق الـمجتمعة والرشاش «العتيد»وأن في ذلك لعبرة لقوم يعقلون.
إن الطائرات مجهزة بكل الوسائل الفنية بتوحيد اللاسلكي والتلفون الـجوي ووسائل أخرى كالـمناظير الـمتقنة لتأمين أعمال الاكتشاف، وهي مجهزة بالرشاشات والقذائف.
إن ما استعمله الإفرنسيون من القذائف كان على ثلاثة أنواع: الـمقذوفات الكبيرة والوسطى والصغيرة. الـمقذوفات الكبرى مراجل طولها قريب من طول الإنسان أو طول البندقية الألـمانية. وثقلها ستين كيلوغرام وهي من الفولاذ الـمتين، ومـملوءة بالديناميت الأصفر. وانفجار هذه القذائف لا يكون إلا إذا سقطت القذيفة عمودياً على الأرض وارتطمت بها، وأما إذا كانت مائلة فإنها لا تتفجر.
والـمتوسط الـحجم يختلف من الأربعة إلى الثمانية أنواع وأما القذائف الصغيرة فعددها أربعة عشر قذيفة مربوطة بسلك خاص يهزه الطيار فيسقط ما يريد اسقاطه. وكنا نستفيد من هذه الـمراجل الصغيرة والكبيرة استفادة عظمى، فقد استعملنا الـمراجل الكبيرة والصغيرة لتدمير القلاع والـحصون والـجسور الـحديدية، وحتى لنسف الـخطوط الـحديدية وذلك بوضع كبسونة مؤلفة من ديناميت ضمن الـخيوط البارودية، ثم يشعل طرف الـخيط الناري والديناميتي فتسري النار إلى جوف الـمرجل فيشعل الديناميت. وحصولنا على النسافات الألـمانية الـمعدنية والنسافات الوطنية سهل لنا طرق النسف بدون أي مخاطرة. فأصبح نسفنا بالأسلاك الكهربائية، والـحاجة أم الاختراع. وتـمكنا من عمل قذائف يدوية من التنك من هذا الديناميت. وغرضي من ذكر هذه التوصيات الـمستندة على التجارب الفعلية أننا استخدمنا الفن والـمستحدثات الـجاهزة بحسب الإمكان، فلكي تقلع الأمة من نفوسها الـمثل العام «العين لا تقاوم الـمخرز». هذه الذهنية السقيمة قد سرت في النفوس وفي صفوف الـمجاهدين وطافت مناطق ثورتها، وهي دعاية الـمستعمر القوي الـجائر، وكانت من عوامل الوهم والوهن والقاتل على صفحات جهادنا الـمقدس، ولله في عباده شؤون.
حروب الدبابات
من سلاح الـمستعمر الرهيب الدبابات. إن فكرة استعمال الدبابات تعود إلى أعصر قديمة. فقد أعلمتنا التواريخ أن الفرس استعملت الفيلة، والعرب بحروبها استعملت الـجمال وحملتها الأحمال والأموال. والعرب الـمستعمرة استعملت الأكباش الـمصطنعة كالسيارات الـحاضرة لـخرق جدران الأسوار والقلاع. ولكن الفن الـحديث أحدث الدبابة والـمدرعة والسيارة والطيارة وكل الـمخترعات مؤسسة على حفظ الكيان ودرء خطر الاستعباد وهيمنة الشعوب على بعضها البعض واستعمار الضعيف منها. فالويل ثم الويل للضعيف.
والدبابات سلاح كاسر اخترع في الـحرب العامة، إذ كان مخترعه من الأمة الأميركية التي هي أول من انـجبت فورد واختراع السيارة والدبابة (تانك) هي عبارة عن استحكام أو قلعة فولاذية سيارة مجهزة بوسائل الفتك والتدمير. والـمدافع التي استعملتها دول الاستعمار في الدبابات هي عبارة عن رشاشات حديثة من عيار 3.5. ولا شك فإن ألـمانيا ذات الـحول والطول تأثرت في حربها الـمعلومة بهذا السلاح مبدئياً مع أن لديها من وسائل التخريب ومن الـمدافع الضخمة ما يجعل الدبابات هباءً منثوراً. وقد أسرعت ألـمانيا إلى العتاد البسيط عدا الـمدافع لصد هجمات هذه الدبابات فاخترع الرصاص الـمعروف بالدمدم أي الرصاص أو الفشك الانفجاري الذي أسفله ملوّن بدائرة حمراء لا سوداء.
الدبابات هي سلاح الهجوم والاستطلاع البري وهي سلاح إرهاب من الطراز الأول، وتأثير نيرانها عظيم على الشعوب الضعيفة العزلاء من وسائل الدفاع الفنية، كالـمدافع الضخمة والألغام الفنية والقنابل والطيارات.
وكان ثبوتنا كسوريين، من توفيق الله سبحانه وتعالى، في صد هجمات هذا الاختراع بفضل بنادق الألـمان، وبفضل قنابل الافرنسييين أنفسهم، وبفضل الألغام في الطرق الضيقة.
الدبابات هي أرتال معينة وظائفها الاستطلاع والهجوم وهي أيضاً سلاح الهجوم.
الاتقاء من شرها
إن حروبنا تـجاه الدبابات بالطرق التي لا تنطبق على العقل قد خسّرنا عتاداً كثيراً نحن بحاجة إليه.
لهذا فقد أرشدنا داهية الألـمان لودنردوف في مذكراته لإيقاف صد هجمات هذا السلاح الذي كانت وطأته شديدة على قوانا الـمعنوية. وذلك بـمقابلتها بالعتاد الألـماني الدمدم أي العتاد الانفجاري. وعلاوة على ذلك فإنه من حسن حظنا أن سقط بأيدينا القوارير الفولاذية الـمعروفة بالقنينة عند الثوار. والقنينة آلة فولاذية بشكل الاسطوانة. أو شكل الـمدقة الـمعروف، توضع هذه القنبلة في فم البارودة الإفرنسية الطويلة وتقذف فتنفجر، وهي نعم السلاح للثوار لأنها وقت انفجارها تنفجر على أربع جهات من كل جهة خمسين متراً.
فإن هذه القنبلة إذا أصابت الدبابة وبالأخص عجلاتها فإن لها تأثيراً كبيراً على الـجموع وارتال الـجيش أيضاً. فأحسن وسيلة هي رمي الدبابات بها أو استعمال الـمدافع الصغيرة من عيار (3.5) هذا إذا لم تستعمل الـمدافع الكبيرة والـمدافع الـجبلية ذات العيار (7.5) و(6.5)، والـمدافع الضخمة ذات العيار (12).
أما أبسط الوسائل لـمقابلة الدبابات فسهل جداً، وهو اتخاذ الاحتياطات الذاتية في الدفاع خاصة في الـمدن وذلك بحفر خنادق واسعة وعميقة في الطرق الـمؤدية لها، وتسليط الـمياه على الأقنية التي يـمكن الاستفادة منها. وحصر الدبابات في الطرق الضيقة ومهاجمتها.
وأما في الإحراج فأفعل طريقة هي وضع الألغام. وهذه الطريقة تستخدم في الـمدن وفي الطرق أمام خطوط الاستحكامات وفي الطرق الضيقة ذات الـمنعطفات والتخاريـم. فتستطيع قوى الثوار مهاجمة الدبابات وتعطيلها وتخريبها حتى بالسلاح الأبيض، وقد يؤدي ذلك لـخسائر في النفوس أحياناً.
الألغام
إن أمضى سلاح تستطيع بواسطته الأمـم الضعيفة كسر عنفوان هذا السلاح الـماضي- الدبابات- هو سلاح الألغام. وهذا من أبسط الأمور وأجودها وأمضاها سلاحاً. والأجدر بالألغام أن يكون توليعها إما بالشرارات الكهربائية بواسطة النسافات أو باستعمال الألغام الـمتفجرة بتأثير الضغط الوضعي حين تعذر الوسائل الأخرى. ولكن استعمال هذه الوسائل لا يكون إلا في الطرق الضيقة الـمحصورة وذلك في الـمدن والقرى وبالبساتين ذات الـجدران أو الطرق الـمنحصرة بين الأنهر. وأما في الطرق العامة فيمكن وضع مثل هذه الألغام في الـمنعطفات وتـحت الـجسور وغيرها، ولكن يجب سترها وإخفائها بصورة سرية جداً.
وأما في السهول فأحسن وسيلة لصد هجماتها (أي الدبابات) هي الـمدافع الصغيرة أو البنادق ذات الـخونى الفولاذي، وحين مسيس الـحاجة القنابل اليدوية الألـمانية أو غيرها. وأما تأثير الرشاش والنار الـمجتمعة يجب تسديدها نحو العجلات، ولقد كان اتخاذنا مثل هذه التدابير البسيطة الأثر الكبير في جعل تأثير الدبابات بـمثابة العدم.
وأما في البقاع الـجبلية فإن تسلق الدبابات للجبال الـمرتفعة والتضاريس والصخور النائية صعب جداً. فيمكن ترتيب الكمين والتدرع بالوسائل الآنفة الذكر واتخاذ وسائل الدفاع بجميع أنواعه، فحينئذ يـمكن للثوار دفع شر هذه القوة الكاسرة. وفي معاقل سورية حصون طبيعية تـجعل من هذا السلاح لا قيمة له. فالـجبال والأحراج والـمستنقعات والبحيرات والأنهر هي نعم الدرع الواقي، والأحسن هو تـجهيز الثوار بالقنابل والبنادق الافرنسية الطويلة، والاحتفاظ بالعتاد الانفجاري ذات الإشارة الـحمراء واستخدام الـمدافع الصغيرة التي نقلها سهل جداً، ويـمكن نقلها بواسطة الإنسان وحتى الـحمير الصغيرة.
أولاً، هذا السلاح وهمي فيما إذا عرف الإنسان كيف يستطيع مقاومته. فالأجدر بالأمة العربية أن تقلع الوهم من نفوسها وأن تتدرع بأبسط الوسائل لاسترداد حريتها الـمنشودة واستقلالها الـمضاع، وتتأهب لأخذ حريتها واستقلالها التام كما قال الله سبحانه وتعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..».
حروب الأحراج والأدغال والأزوار (الغيض)
الأحراج تقسم إلى ثلاثة أقسام أحراج وأدغال وغياض. فأما الأحراج فتقسم أيضاً إلى قسمين، أحراج متكاثفة وأحراج غير متكاثفة. فأما الأحراج الـمتكاثفة فهي الأحراج التي تكون أشجارها الضخمة متصلة ببعضها بعضاً. فهذه أحراج إما تكون صنعية أو طبيعية. فالصنعية هي التي يكون غرسها تـحت إشراف حكومة أو هيئة ترعاها ويحرسها حراس من قبل الـحكومة أو الهيئات، ولا تـمد لها يد أي شخص كان إلا بأمر خاص بعكس ما هي عليه الأحراج الطبيعية، كما هو الـحال في البلاد التي لم تتناولها يد الـحضارة. هذه بعكس الأولى فإنها تكون في البلاد الـمتمدنة كما ترى في أوروبا وفي أميركا بأقسامها الـمتمدنة. أما الثانية فتنتشر في آسيا وأفريقيا، فهذه الأحراج سنأتي على كل منها في أبحاثنا العسكرية ونتناول فائدتها الدفاعية والهجومية.
وأما الأدغال فتكون أشجارها أقل ضخامة من الأولى ولكن تكون متكاثفة بدرجة يصعب اجتيازها.
والغياض أشجارها تكون صغيرة ويصادف أكثر الأحيان سهول وفسحات كثيرة بين أقسامها، كما هو الـحال في غوطة دمشق وغيرها.
إذا الأحراج تابعة لأحوال معينة.
أولاً، إذا كان الـحرج قليل العرض فتطويقه من أسهل الأمور، وإذا كان قليل الطول فتطويقه من أسهل الأمور كما هو الـحال في قلة العرض، وإذا كان ضمن الـحرج سهل فتكون الاستفادة قليلة أيضاً. إذا لم يكن الـحرج جامعاً للشروط التي سردناها فلا يكون الدفاع فيه بصورة مستحسنة، بل تكتفي العصابات في الـحرب بـمثل هذه الـحواجز الطبيعية بأن تسعى لاقلاق حركات الـخصم وأتعابه في تبديل أنظمته واخفاق حركاته التطويقية وتأمين رميه الـمفاجئ. ويستطيع الثوار أن يؤثروا على معنويات العدو تأثيراً شديداً ومن ثم ينسحبون.
تنظيم الـحد الـخارجي
إذا كان حد الـحرج يكوّن زاوية داخلية أو زاوية خارجية حينئذ يـمكن تأمين خط دفاع وإذا كان مـمتداً مستقيماً فيمكن تأسيس متاريس أمام النقاط الضعيفة وجعلها تـحت تأثير النيران الانحرافية. وإذا كان يوجد تلال أمام الـمدافعين مانعة لرؤية قوى العدو الـمتقدمة فمن الضرورة تـحكيم مثل هذه التلال وتـحصينها بأبدان الأشجار، وأما إذا كان يوجد بروزات متمادية وكانت مانعة لـمعونة الأجنحة بعضها بعضاً حينئذ يجب إزالة هذه الأقسام ورفعها تـماماً.
بالطبع أن هذه الأمور لا تنطيق على أعمال الثورة، لأن الثوار لا يوجد لديهم وسائط تؤهلهم للقيام بـمثل هذه الأعمال، ولكن يستطيع الثوار أن يأخذوا دروساً قيمة بتأمين الاستفادة من مثل هذه الـحواجز كما حدث في الغوطة فيمكن هناك تطبيق كل شيء بحسب احتياجات الـمواقع والقرى.
الأدغال
وإذا كان امتداد الـحرج قليلاً جداً حينئذ يجب تـحصين الـجبهة والزاويا بأبدان الشجر. وأما إذا كان الـحرج طويلاً وحدّه الـخارجي لا يـمكن أن يكون مستقيماً فحينئذ بـمثل هذه الأحراج تتخذ التدابير الآتية:
1 - ترتيب التحصينات الشجرية في نقاط البروز الداخلية والـخارجية. وتسد الطرق بأبدان الشجر ومن ثم تنظم النقاط الـممكن مهاجمة العدو لها. وإذا ساعد الوقت تكمل الـحدود الـمتبقية. وإذا كانت القوة لا تكفي لتأمين الدفاع عن حدود الـجبهة الـخارجية فتكوّن مانعاً من أبدان الشجر يكون عمقه يتراوح بين الثمانية حتى الـخمسين متراً ويوضع خلف هذه العملية خفراء فقط.
وتكون الـموانع الـمؤسسة على الأطراف تابعة لـحالة الأشجار. فإذا كانت ضخامة الأشجار من النوع الوسطي فيكتفى بأن يكون عمق أبدان الأشجار من 15 إلى 20 متراً.
وبـما أن تأسيس الـموانع من الأشجار الثخينة الكبيرة صعب جداً، فيجب تلافي هذه الـمصاعب بوضع أبدان أشجار متوسطة الثخن أو الأغصان الأساسية، ووضعها بين الصف الأول ونكون بهذه الوسيلة تـمكناً من تأمين أبدان صنعية.
وإذا أردنا أن تكون نقاط الهجوم مقاومة منيعة، حينئذ يجب إما مزج شريط الـمناعة مع بدن الـمناعة أو يكون الشريط خلف بدن الـمناعة. ولكن بالنظر لعدم مساعدة الوقت فقد يـمكن الاكتفاء بالأسلاك وربطها بالأشجار وتأسيس شبكة مناعة دفاعية وذلك من عدم وجود وسائل النشر والتكسير وتؤلف فئات أو حضائر أقل عدداً عند مداخل الأدغال، تلاحظ هل تـمكن العدو من اجتياز الطرق.
[1]... كلام غير واضح في الأصل.
[2]الضاحية= الناحية البارزة من كل شيء.
[3] نفيْرة أو نفْرة= الكلمة بخط الـمؤلف لم تقرأ بوضوح. ولكنها من جذر= ن ف ر = ومعناها بحسب الـموضوع وبحسب ما يليها = قوة صغيرة جداً لتسهيل التراجع.
[4] الـمسافة= مؤخرة الـجيش
[5] الراحلة= الـمطية أو الفرس.
[6] الـخبت= الـمنخفض أو الوهدة.