أيها القوميون الاجتماعيون،
كنت قد قررت أن أكشف في هذا اليوم عن قوة حزبكم العظيمة، وأن أُظهر للعالم مبلغ استعداد هذه الـحركة القومية الاجتماعية العظيمة لـحمل مسؤولية قيادة الأمة السورية كلها نحو الإنقاذ من الفوضى الداخلية ومن الإرادات والـمطامع الـخارجية. فتأهبتم للقدوم بجموعكم إلى بيروت لتثبتوا للملأ عزيـمتكم وإيـمانكم وقوّتكم الـموحدة ولتعلنوا أنكم يد واحدة في سبيل تـحقيق أهداف حركتكم الـجبارة. ولكن الـحكومة اللبنانية قررت، وبلّغتنا في آخر ساعة قرارها بطريقة شفوية، الـحؤول دون ظهور قوّتكم وموقفكم الفاصل في مسألة جنوب سورية، متحملة، من أجل ذلك ومن أجل ذلك فقط، مسؤولية إنعاش الـمطامع اليهودية بإظهار شلل الشعب في لبنان وبشلّ الـحركة السورية العامة، القومية الاجتماعية، التي تـمثّل القوة الـمعنوية، والسياسة الفاصلة في مصير الأمة السورية ومصير وطنها.
لم نكن في حرب معلنة مع الـحكومة اللبنانية ولم نكن نقصد غير التعبيـر عن إرادة الأمة السورية كلها في مصير أرضها الـجنوبية، فلسطين، فجاءنا تبليغ الـحكومة مفاجئاً. ويجب أن نعترف بأننا لم نكن نتوقع مثل هذه الـمفاجأة الـمنكرة لأنه لم يكن يخطر في بالنا أنّ الأمر يبلغ بخصوصيات الـحكم هذا الـحد البعيد - حد تأدية هذه الـخدمة الـجُلّى لليهود ومطامعهم، من الاحتفاظ بسياسة الـخصوصيات.
تـجاه هذه الـحالة ولكي لا يؤخذ القوميون الاجتماعيون على حين غرّة ويتعرضوا لـما لم يتحسبوا له، قررت إلغاء التظاهرة الكبرى في بيروت في سبيل فلسطين. ومع أنّ الساعة كانت متأخرة ليل السبت في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، فقد استطاع نظام الـمواصلات الـحزبي إبلاغ معظم الـجهات قرار الإلغاء. إلا أنّ قوات بعض الأماكن البعيدة، كحلب ودمشق وحمص وسواها، كانت قد تـحركت فبعضها بلغ بيروت عند الفجر وبعضها أوقف في بعض الـمدن الـمتوسطة من قبل الـمسؤولين القوميين الاجتماعيين وبُلِّغ الإلغـاء. وهكذا تـمكنّا من الـحيلولـة دون وقوع حوادث داميـة كـان الأرجـح أن تـحصل لو لم يقرر الـحزب إيقـاف تنفيذ الـحشد القومي الاجتماعي في بيروت.
إنّ الـحكومة اللبنانية تتحمل وحدها، أمام التاريخ، مسؤولية هذا التخاذل القومي تـجاه نشاط اليهود في الـجنوب.
إدّعى مـمثلو الـحكومة، في الـمخابرات التي جرت آخر ساعة بين مـمثلي الـحزب القومي الاجتماعي وبينهم وأعلنت بعض الصحف اللبنانية أنّ الـحكومة اتخذت موقفها هذا مراعاة لرغبة «اللجنة العربية العليا» في فلسطين في الاقتصار على جمع التبرعات للمتطوعين لقتال اليهود في صفوفها وترك التظاهرات الشعبية.
إنّ هذه الـحجة باطلة ولا تصحّ مستنداً. «فاللجنة العربية العليا» ليست سوى فئة واحدة من الفئات السورية العاملة كلها على دفع الـخطر اليهودي عن فلسطين وليست مرجعاً للهيئات والدول السورية. وكل قرار أو رغبة من قراراتها ورغباتها يجب أن يكون بعد التشاور مع الهيئات الأخرى وأخذ موافقتها ليصبح لها صفة التعبير عن الـمجهود العام في سورية الطبيعية كلها. وبعض الهيئات والـمنظمات الأخرى، كالـحزب القومي الاجتماعي، لها رأي وموقف مستقل في كيفية معالـجة الـمسألة الفلسطينية ويجب أن لا تـحرم من حق فعل ما في مقدورها للاحتفاظ بسورية فلسطين والدفاع عن حقوقنا القومية فيها.
وإنّ الـموقف الذي وقفته الـحكومة اللبنانية من قضية هي من أهم قضايا سورية ونهضتها لا يورث غير زيادة الأحقاد في الشعب التي تعرقل وحدته ونهضته [في وقت هو] في أشد الـحاجة إلى الوحدة والنهضة القوميتين الاجتماعيتين.
2 نوفمبر/تشرين الثاني 1947
أنطون سعاده